الاجتزاء بأذان وإقامة الصبي لصلاة الجماعة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل يصح الاجتزاء بأذان وإقامة الصبيِّ المميز لصلاة الجماعة؟

 

الجواب:

الظاهر أنَّه لم يقع خلافٌ في صحَّة الاجتزاء بأذان الصبيِّ المميِّز للإعلام ولصلاة الجماعة، وليس ذلك -كما أفاد السيِّدُ الخوئي(1)- للبناء على شرعيَّة عبادات الصبي، إذ لا ملازمة بين شرعيَّة عبادات الصبي وبين الاجتزاء بفعله عن الغير، ولذلك وقع الإشكال في الاجتزاء بتغسيله للميِّت، وكذلك وقع الإشكال في الاجتزاء بصلاته على الميِّت حتى عند مَن يبني على شرعيَّة عباداته.

 

الدليل على صحة الاجتزاء بأذان الصبي:

فالمدرَك للبناء على صحَّة الاجتزاء بأذان الصبيِّ المميِّز للإعلام ولصلاة الجماعة هو الدليلُ الخاصُّ في المقام، وهي رواياتٌ عديدة:

 

منها: موثقة غياث بن إبراهيم "قال: لا بأس بالغلام الذي لم يبلغْ الحُلم أنْ يؤمَّ القومَ، وأن يُؤذّن"(2).

 

فإنَّ الظاهر من قوله (ع): "وأنْ يؤذّن" هو أنْ يؤذن لصلاة الجماعة، وذلك بقرينة نفي البأس عن تصدِّيه لإمامة الجماعة، على أنَّه إذا صحَّت إمامتُه صحُّ بالأولوية أو بالضمن الاجتزاء بأذانه للجماعة.

 

ومنها: موثقة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن عليٍّ (عليه السلام) "قال: لا بأس أنْ يؤذِّنَ الغلامُ الذي لم يحتلم وأنْ يؤمَّ"(3).

 

فإنَّ الظاهر من نفي البأس عن أذانه هو أذانُه للإعلام وللجماعة، إذ لا إشكال في صحَّة أذانه لصلاته، فالتصدِّي لبيان نفي البأس عن أذانه ظاهرٌ في نفي البأس عن الاجتزاء بأذانه عن المكلفين، ومقتضى الإطلاق لنفي البأس عن أذانه هو صحَّة الاجتزاء بأذانه للإعلام ولصلاة الجماعة.

 

ومنها: موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) "قال: يجوز صدقةُ الغلام وعتقُه ويؤمُّ الناس إذا كان له عشرُ سنين"(4).

 

وتقريب الاستدلال بها هو ذاته تقريب الاستدلال بموثقة غياث، فجواز إمامته للناس يُلازم الجواز لأذانِه للجماعة أو أنَّه يتضمَّن ذلك. وأمَّا تحديد ذلك بالعشر سنين فلأنَّ الصبيَّ -ظاهراً- لا يكون مميِّزاً غالباً قبل البلوغ لهذا السنِّ.

 

ومنها: صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) "قال: لا بأس أنْ يؤذِّنَ الغلامُ الذي لم يحتلم"(5).

 

فإنَّ ظاهرها هو نفي البأس عن أذانه للإعلام والجماعة، وليس نفي البأس عن أذانه لنفسه، إذ لا ريب أنَّ شرعية عباداته وأمره بالصلاة يُساوق إجزاء عباداته عن نفسِه.

 

فالمتحصَّل هو تماميَّة الاستدلال بالروايات على صحَّة الاجتزاء بأذان الصبيِّ المميِّز للإعلام ولصلاة الجماعة، نعم ورد في موثقة إسحاق بن عمار ما يدلُّ على المنع من صحَّة إمامة الصبي قبل أنْ يحتلم، فقد روى عن الإمام جعفر (ع) عن أبيه (ع): انّ علياً (عليه السلام) كان يقول: لا بأس أنْ يؤذِّنَ الغلامُ قبل أنْ يحتلم، ولا يؤمّ حتى يحتلم، فإنْ أمَّ جازت صلاتُه وفسدتْ صلاةُ مَن خلفَه"(6).

 

وعليه فتكون هذه الرواية معارِضة لمفاد الروايات التي اشتملت على تصحيح إمامة الصبي، ومن ذلك يتعيَّن البناءُ على سقوط مورد التعارض عن الحجيَّة، ويبقى المقدار الدال على صحَّة الاجتزاء بأذان الصبي مقتضياً للحجيَّة لخروجه عن محلِّ التعارض، على أنَّ ثمة من الروايات ما هو متمحِّضٌ في الدلالة على صحَّة أذانِ الصبي كصحيحة عبد الله بن سنان، هذا مضافا إلى أنَّ مجموع الروايات بما فيها موثَّقة إسحاق متوافقةٌ على صحَّة الاجتزاء بأذان الصبي.

 

الاجتزاء بإقامة الصبي لصلاة الجماعة:

وأمَّا الاجتزاء بإقامة الصبيِّ المميِّز لصلاة الجماعة فمقتضى الروايات التي صحَّحت إمامته للجماعة هو صحَّة الاجتزاء بإقامته إما لدلالتها ضمناً على صحَّة الاجتزاء بإقامته أو لدلالتها على ذلك بالأولويَّة، إلا أنَّه ونظراً لابتلاء روايات صحَّة إمامته بالمعارض، وهي موثقة إسحاق لذلك لا يصحُّ الاستدلالُ بهذه الروايات على صحَّة الاجتزاء بإقامته، وعليه فليس لدينا من دليلٍ على صحَّة الاجتزاء بإقامة الصبي، والبناءُ على شرعيَّة عبادات الصبيِّ لا يقتضي صحَّة الاجتزاء بإقامته لعدم الملازمة -كما ذكرنا- بين القول بشرعيَّة عبادات الصبيِّ وبين صحَّة اجتزاء المكلَّفين بفعله، وبذلك يتعيَّن البناء على عدم صحَّة الاجتزاء بإقامة الصبيِّ المميز لصلاة الجماعة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

18 / ربيع الثاني / 1444ه

14 / نوفمبر / 2022م

-------------------------------

1- المستند في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج 13 / ص325.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص441.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص441.

4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج8 / ص322.

5- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص440.

6-وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص440.