الاستقبال في أذان الصلاة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

رجلٌ يأتي بأذان الصلاة وهو يستعدُّ للصلاة، فقد يأتي ببعض فصول الأذان دون استقبال، وقد يأتي بتمام فصول الأذان دون استقبال، فهل يصحُّ منه ذلك؟ أم يتعيَّن عليه الاستقبال أثناء الأذان؟

 

الجواب:

الاستقبال أثناء الأذان للصلاة مستحبٌّ وليس شرطاً في صحَّة الأذان، فهو مِن شروط الكمال، وليس من شروط الصحَّة، بمعنى أنَّ الأذان للصلاة مستحبٌّ على أيِّ هيئةٍ وقع، والاستقبال مستحبٌ في المستحب على سبيل تعدُّد المطلوب.

 

ويُمكنُ الاستدلال لعدم اعتبار الاستقبال شرطاً في صحَّة أذان الصلاة بصحيحةِ زرارة عن أبي جعفرٍ (عليه السلام) أنَّه قال: "تؤذّن وأنت على غير وضوءٍ في ثوبٍ واحد قائماً أو قاعداً، وأينما توجَّهت، ولكن إذا أقمتَ فعلى وضوءٍ متهيّئاً للصلاة"(1).

 

فهذه الرواية صريحةٌ في عدم اعتبار الاستقبال شرطاً في صحَّة أذان الصلاة أو قل عدم اعتبار الاستقبال شرطاً في الأمر بالأذان، فأذانُ الصلاة مطلوبٌ ومأمورٌ به على أيِّ هيئة وقع، فمَن جاء به ولو من غير استقبالٍ فقد امتثل الأمر بالأذان للصلاة.

 

نعم قد يقال إنَّه يعتبر الاستقبال في خصوص الأداء للشهادتين، وذلك لما ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدِهما (عليهما السلام) قال: سألتُه عن الرجلِ ‏يؤذِّنُ وهو يمشي، أو على ظهر دابَّته أو على غير طهورٍ؟ فقال (ع): نعم إذا كان التشهُّد مستقبل القبلة فلا بأس"(2).

 

وكذلك ما ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: قلتُ له: يؤذِّنُ الرجلُ وهو على غير القبلة، قال: إذا كان التشهدُ مستقبل القبلة فلا بأس"(3).

 

فقد يقال إنَّ مقتضى مفهوم الجملة الشرطية هو أنَّ الإتيان بالشهادتين في الأذان على غير القبلة فيه بأس، وظاهر ذلك اعتبار الاستقبال بالشهادتين في الأذان، وأنَّه إذا جاء بهما دون استقبالٍ فقد جاء بالمأمور به بالأمر الاستحبابي على غير وجهِه.

 

إلا أنَّ الصحيح -كما أفاد السيد الخوئي-(4). هو تعيُّن حمل الصحيحتين على إرادة التفاوت في الفضل وأنَّ الأفضل هو الالتزام بأداء الشهادتين حال الاستقبال.

 

والقرينة على ذلك هو ظهور صحيحة زرارة في أنَّ عدم اعتبار الاستقبال شامل لمطلق فصول الأذان، ولا يختصُّ ببعض الفصول دون بعض، إذ لو كان الاستقبالُ معتبراً في الشهادتين دون سائر الفصول لكان المناسب أن تكون المقابلة بين بقية فصول الأذان وبين الشهادتين لا أن تكون المقابلة بين تمام فصول الأذان وبين الإقامة.

 

فقوله (ع): "تؤذّن .. قائماً أو قاعداً، وأينما توجَّهت، ولكن إذا أقمتَ .." ظاهرٌ في أنَّ حكم الأذان بتمام فصوله من حيث الاستقبال واحد، وأنَّ الذي يختلف حكمُه هو الإقامة.

 

ويُؤيِّد دعوى عدم التفصيل بين فصول الأذان من حين عدم اعتبار الاستقبال في شيء من فصوله رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألتُه عن رجل يفتتحُ الأذانَ والإقامةَ وهو على غيرِ القبلة ثم يستقبلُ القبلة؟ قال: لا بأس"(5) فإنَّ نفي البأس عن أداء الأذان على غير القبلة ظاهرٌ في عدم اعتبار الاستقبال شرطاً في صحَّة شيءٍ من فصول الأذان وأنَّ البأس من عدم الاستقبال في الشهادتين المستفاد من مفهوم الصحيحتين لا يقتضي أكثر من الظهور في تأكُّد استحباب الاستقبال فيهما وأنَّ تركه فيهما لا يخلو من غضاضة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

19 / ربيع الثاني / 1444ه

15 / نوفمبر / 2022م

--------------------------------

1- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص391.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص403.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص457.

4- المستند في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج13 / ص347.

5- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص457.