عدَّةُ المطلَّقة الحامل

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

متى تخرجُ المطلَّقة الحامل من العدَّة؟

 

الجواب:

المشهور بين فقهاء الإمامية شهرةً عظيمة(1) أنَّ خروج المطلَّقة الحامل من العدَّة يكون بالوضع سواءً وقعَ بعد ثلاثة أشهر من طلاقها أو وقع بعد الطلاق بوقتٍ يسير، وعليه فقد تمتدُّ عدَّةُ المطلَّقةِ الحامل ما يقربُ من التسعةِ أشهر كما لو وقع طلاقُها في أول أيام الحمل ولم تضع حملَها إلا في الشهر التاسع، ففي مثل هذا الفرض تكون المطلَّقةُ الحامل مكلَّفة بأحكام العدَّة، ويكون لزوجها حقُّ الرجوع في تمام هذه المدَّة لو كان الطلاق رجعياً، وقد تخرجُ المطلَّقةُ الحامل من عدَّة الطلاق بعد وقوعِ الطلاق بساعة أو أقل من الساعة وذلك في فرض الوضع لحملها بعد الطلاق بوقت يسير لا يتجاوز الساعة.

 

وفي مقابل ما عليه المشهور نُسب إلى الشيخ الصدوق وابن حمزة(2) أنَّ المطلَّقة الحامل تعتدُّ بأقرب الأجلين بمعنى أنَّه لو ضعتْ حملَها بعد الطلاق بساعةٍ مثلاً فإنَّها تخرجُ مِن عدَّتها وكذلك لو وضعت حملَها قبل الثلاثة أشهر مِن طلاقها فإنَّها تخرجُ بالوضع من عدَّتها، وأمَّا لو امتدَّ حملُها أكثرَ من ثلاثة الشهر فإنَّها تعتدُّ بالشهور، فإذا بلغت الثلاثة أشهر من حين الطلاق فإنَّها تخرجُ من العدَّة رغم عدم وضعِها لحملها، فليس لزوجها حقُّ الرجوع إليها بعد تجاوزها للثلاثة أشهر من حين طلاقها، وهذا هو معنى اعتدادِها بأقربِ الأجلين، فإنْ كان الأقربُ هو الوضع فإنَّها تخرجُ من العدَّة بالوضع، وإن كان الأقرب هو الثلاثة أشهر فإنَّها تخرج من العدَّة بعد الثلاثة أشهر وإن لم تكن قد وضعتْ حملَها. 

 

مستندُ فتوى المشهور:

ومستندُ المشهور فيما ذهبوا إليه مِن خروج المطلَّقة الحامل بالوضع سواءً تقدَّم أو تأخر هو الآية من سورة الطلاق مضافاً إلى الروايات التي وُصفَتْ بالمتواترة.

 

أمَّا الآيةُ من سورة الطلاق فهي قولُه تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(3) فإنَّ مقتضى إطلاق الآية هو أنَّ الأجل الذي تنتهي عنده عدَّةُ المطلَّقة الحامل هو وضعها لحملها سواءً وقع الوضعُ بعد الطلاق بساعة أو وقع بعد الثلاثة أشهر من طلاقِها، فهي في عدةٍ حتى لو تأخَّر وضعها إلى الشهر التاسع من حين طلاقها.

 

فهذا هو ما يقتضيه إطلاقُ الآية الشريفة، وأما ما يدَّعيه بعضُ فقهاءِ العامة من أنَّ عدَّةَ المطلَّقة الحامل هو أبعدُ الأجلين وأنَّها لا تخرجُ من العدَّة لو وضعت قبل الثلاثة فهذه الدعوى لا تصحُّ، فإنَّ التي تعتدُّ بأبعد الأجلين هي المتوفَّى عنها زوجُها، والآية من سورة الطلاق موضوعُها المطلَّقة الحامل كما يتَّضح ذلك من ملاحظة سياق الآية المباركة، فإنَّ الواضح من تمام الآية والآيات التي سبقتها هو أنَّها بصدد البيان لعِدَد المُطلَّقات فبدأت السورة بقوله تعالى: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ..﴾(4) إلى أنْ قال تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ﴾.

 

يعني والمطلَّقات اللائي يئسنَ من المحيض والمطلَّقات اللائي لم يحضنَ ثم قال جلَّ وعلا: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ﴾ يعني والمطلقات ذوات الأحمال، فموضوعُ الآية هو المطلَّقات من ذوات الأحمال.

 

ويؤكِّد ذلك قوله تعالى بعد ذلك: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾(5) فإنَّ المخاطَب بالإمر بالإسكان والنفقة، والمخاطب بالنهي عن المضارَّة هم الأزواج الذين طلقوا زوجاتِهم.

 

وكيف كان فلا إشكال في أنَّ موضوعَ الآية هو المطلَّقات من ذوات الحمل، وبذلك تكونُ الآيةُ شديدةَ الظهور في أنَّ عدَّة المطلَّقة الحامل هو الوضع للحمل سواءً تقدَّم أو تأخر.

 

وأمَّا الروايات التي تدلُّ على أنَّ عدَّة المطلَّقة الحامل تنتهي بالوضع مطلقاً فكثيرة:

 

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "طلاق الحامل واحدة وإنْ شاءَ راجعها قبل أنْ تضعَ، فإنْ وضعتْ قبل أنْ يُراجعها فقد بانت منه وهو خاطبٌ من الخُطَّاب"(6).

 

ومنها: صحيحة إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "طَلَاقُ الْحُبْلَى وَاحِدَةٌ، فَإِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَقَدْ بَانَتْ"(7).

 

ومنها: موثقة سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُه عَنْ طَلَاقِ الْحُبْلَى فَقَالَ: "وَاحِدَةٌ وأَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا"(8).

 

ومنها: موثقة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الْحُبْلَى إِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَوَضَعَتْ سِقْطاً تَمَّ أَوْ لَمْ يَتِمَّ أَوْ وَضَعَتْه مُضْغَةً؟ قَالَ (ع): كُلُّ شَيْءٍ وَضَعَتْه يَسْتَبِينُ أَنَّه حَمْلٌ تَمَّ أَوْ لَمْ يَتِمَّ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وإِنْ كَانَتْ مُضْغَةً"(9).

 

الاستدلال لدعوى أنَّ عدَّة المطلقة الحامل أقرب الأجلين:

وأمَّا ما يصلحُ أن يكون مُستنداً لدعوى أنَّ عدة المطلَّقة الحامل هو أقرب الأجلين فثلاثُ روايات:

 

الأولى: صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "طَلَاقُ الْحُبْلَى وَاحِدَةٌ، وأَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وهو أقربُ الأجلين"(10).

الثانية: صحيحة أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): "طَلَاقُ الْحُبْلَى وَاحِدَةٌ وأَجَلُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وهُوَ أَقْرَبُ الأَجَلَيْنِ"(11).

الثالثة: رواية أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "طَلَاقُ الْحَامِلِ وَاحِدَةٌ وعِدَّتُهَا أَقْرَبُ الأَجَلَيْنِ"(12).

 

وتقريبُ الاستدلال بصحيحتي الحلبي وأبي بصير هو أنَّ المستظهَر منهما هو أنَّ عدَّة المطلَّقة الحامل الوضع حال كونه أقرب الأجلين فيكون مفادهما أنَّ عدَّتها تنقضي بالوضع إذا كان الوضع هو أقرب الأجلين يعني إذا سبق الوضعُ الثلاثة أشهر. فيكون مفاد الصحيحتين مطابقاً لرواية الكناني والتي صرَّحت أنَّ عدة المطلَّقة الحامل هو أقرب الأجلين.

 

إلا أنَّه في مقابل ذلك استظهَر أو احتمل عددٌ من الأعلام أنَّ قوله: "وهو أقرب الأجلين" كلام مستأنف سيق لغرض توصيف انتهاء العدة بالوضع، فمفاد الصحيحتين أنَّ عدة المطلقة الحامل ينتهي بالوضع وهو أقرب العدَّتين نظراً لإمكان وقوعِه بعد الطلاق بوقت يسير. فوصفه بأقرب الأجلين نشأ عن ذلك، فقوله: "وهُوَ أَقْرَبُ الأَجَلَيْن" ليس جملة حالية.

 

إلا أنَّه قد يجاب عن ذلك بأنَّ انتهاء العدَّة بالوضع ليس أقرب الأجلين دائماً فقد يتأخر الوضع عن الثلاثة أشهر فيكون أبعد الأجلين وأبعد العدَّتين، فالأظهر أنَّها جملة حالية كما أفاد صاحب الجواهر(13).

 

 تعليقُ صاحب الجواهر وجوابُه:

ثم إنَّ صاحب الجواهر (رحمه الله) أفاد بأنَّ مقتضى الجمع بين الروايات هو البناء على أنَّ عدَّة المطلَّقة الحامل هو أحد الأجلين أي أنَّ ما يسبقُ منهما يكون به انقضاء عدَّة المطلَّقة الحامل، فإنْ سبق الوضعُ الشهورَ الثلاثة فإنَّ عدَّتها تنقضي بالوضع، وإن امتدَّ الحملُ إلى ما بعد الثلاثة شهور فإنَّ عدَّتها تنقضي بمضيِّ الثلاثة أشهر.

 

وبيان ذلك أنَّ الروايات على ثلاث طوائف:

 

الطائفة الأولى أفادت أنَّ عدَّة المطلقة ثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء، ومقتضي إطلاقها أنَّ تلك هي عدَّةُ المطلَّقة سواءً كانت حائلاً أو كانت حبلى.

 

والطائفة الثانية أفادت أنَّ عدَّة الحامل هو الوضع، ومقتضى إطلاقها هو أنَّ تلك هي عدَّتها سواءً كانت مطلَّقةً أو غير مطلَّقة.

 

وأمَّا الطائفة الثالثة فأفادت أنَّ عدَّة المطلَّقة الحامل هو الوضع حال كونِه أقرب الأجلين، فتكون النتيجة هي أنَّ الوضع إذا لم يكن هو أقرب الأجلين فإنَّه لا يكون هو عدَّتها فيكون المرجع عند تأخُّر الوضع عن الثلاثة أشهر هو إطلاقات أن عدَّة المطلَّقة هو الثلاثة أشهر.

 

إلا أنَّ ما أفاده لا يتمُّ من جهة ما ذكره من أنَّ مفاد الطائفة الثانية هو أنَّ عدَّة مطلقِ الحامل هو الوضع فتكون العلاقة بينها وبين الطائفة الأولى العموم من وجه، فالصحيح أنَّ موضوع الطائفة الثانية هو المطلَّقة الحامل وليس مُطلق الحامل، ولهذا فهي صالحة لتقييد الطائفة الأولى وتكون النتيجة بين الطائفتين الأولى والثانية هو أنَّ عدَّة المطلَّقة هو الأقراء أو الشهور إلا أن تكون المطلَّقةُ حاملاً فعدَّتها هو الوضع.

 

نعم العلاقة بين الطائفة الثانية وبين الطائفة الثالثة هو العموم والخصوص المُطلق، ومقتضى الجمع هو أنَّ المطلقة الحامل تعتدُّ بالوضع إلا أن يتأخَّر وضعُها عن الثلاثة أشهر.

 

إلا أنَّه ونظراً لكثرة الروايات المبينة لكون عدَّة المطلقة الحامل هو الوضع مطلقاً، ونظراً لكون المسألة ممَّا يعمُّ بها الابتلاء كثيراً جداً، فلو كانت عدَّة المطلقة الحامل هو الأسبق من الأجلين لتصدّت الروايات لبيان هذا التفصيل نظراً لكون التقدُّم والتأخر عن الثلاثة أشهر ممَّا يكثرُ وقوعه، فسكوتُ الآية والروايات الموصوفة بالمتواترة عن بيان التفصيل واقتصارها على إفادة أنَّ عدَّة المطلقة الحامل هو الوضع يوجب الاطمئنان بأنَّ ذلك هو حكم المطلَّقة الحامل مطلقاً تقدَّم وضعُها أو تأخر، لذلك يتعيَّن البناءُ إما على سقوط رواية الكناني عن الحجيَّة وكذلك الصحيحتين بناء على ظهورهما في أنَّ عدة المطلقة الحامل هو أقرب الأجلين. أو البناء على أنَّ هذه الروايات الكثيرة صالحةٌ للقرينية على عدم إرادة ما يظهرُ من رواية الكناني والصحيحتين.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

26 / ربيع الثاني / 1444ه

22 / نوفمبر / 2022م

------------------------------

1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص253.

2- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص252.

3- سورة الطلاق / 4.

4- سورة الطلاق / 1.

5- سورة الطلاق / 6.

6- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص146.

7- الكافي -الكليني- ج6 / ص81. 

8- الكافي -الكليني- ج6 / ص82.

9- الكافي -الكليني- ج6 / ص82.

10- لكافي -الكليني- ج6 / ص82، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص60.

11- الكافي -الكليني- ج6 / ص82، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص59. 

12- الكافي- الكليني- ج6 / ص81، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص146.

13- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص254.