متى تخرجُ الحاملُ بتوأمين من العدَّة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

إذا كانت المطلَّقة حاملاً باثنين أو أكثر فمتى تنقضي عدَّتها هل هو بوضع الولد الأول أو أنها لا تخرج من العدَّة إلا بوضع تمام ما في رحمها من أجنَّة؟

الجواب:

اختلف الأعلامُ في ذلك فالمنسوب(1) للشيخ الطوسي في النهاية وابن حمزة، وابن البراج، وابن الجنيد رحمهم الله تعالى أنَّ عدَّة المطلَّقة الحامل تنقضي بوضع الولد الأول إلا أنَّه ليس لها أن تتزوج إلا بعد الوضع لتمام ما في بطنها من أجنَّة، وقد تبنَّى ذلك أيضاً صاحبُ الحدائق والحرُّ العاملي في الوسائل(2) وفي مقابل ذلك ذهب الشيخُ الطوسي في الخلاف والمبسوط وكذلك ابنُ إدريس والعلامة والمحقَّق والشهيد الثاني رحمهم الله تعالى إلى أنَّ عدَّة المطلَّقة الحامل إنَّما تنقضي بوضعها لتمام ما في رحمها من أجنَّة، وادَّعى الشيخ في الخلاف على ذلك الإجماع(3).

وعليه فللزوج حقُّ الرجوع لمطلَّقته الرجعيَّة لو وقع بعد وضع الولد الأول وقبل الوضع لتمام ما في رحمِها، وكذلك فإنَّه يرثُها لو ماتت قبل الوضع لتمام ما في رحمِها، وهي ترثُه لو مات في هذا الظرف، وعلى خلاف ذلك لو بنينا على القول الأول فإنَّ العصمةَ بينهما تنقطعُ بوضع الولد الأول، فليس له في هذا الفرض حقُّ الرجوع كما أنَّهما لا يتوارثان في هذا الفرض.

مستندُ القائلين بانقضاء العدَّة بوضع الأول:

ومستندُ القائلين بانقطاع العصمة والخروج من العدَّة بوضع الولد الأول هو موثقة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّه الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: سَأَلْتُه عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَه وهِيَ حُبْلَى وكَانَ فِي بَطْنِهَا اثْنَانِ فَوَضَعَتْ وَاحِداً وبَقِيَ وَاحِدٌ ؟ قَالَ: قَالَ تَبِينُ بِالأَوَّلِ، ولَا تَحِلُّ لِلأَزْوَاجِ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا"(4) فإنَّها صريحة في أنَّ انقطاع العصمة تتحقَّق بمجرَّد نزول الوضع للولد الأول، وبها يتعيَّن البناء على أنَّ المراد الجدِّي من الآية والروايات -التي أفادت أنَّ موضوع انقضاء عدَّة الحامل هو الوضع للحمل- هو الوضع للولد الأول.

الإشكال على سند الرواية وجوابه:

هذا وقد أورد عددٌ من الأعلام على الاستدلال بالرواية بأنَّها ضعيفةُ السند ولا جابر لضعفها(5).

إلا أنَّ الصحيح أنَّ الرواية موثَّقة وليست ضعيفةَ السند فإنَّه لا إشكال في سندِها إلا من جهة الحسن بن سماعة، وجعفر بن سماعة.

أمَّا الحسن بن سماعة فهو ليس ابن مهران حتى يُقال إنَّه لم يرد فيه توثيق، فإنَّ الصحيح كما أفاد السيد الخوئي عدم وجود ولدٍ لسماعة ابن مهران اسمه الحسن، فالحسن بن سماعة الواقع في السند وفي سائر الأسناد هو الحسن بن محمد بن سماعة الكندي الصيرفي -كما أفاد السيد الخوئي(6) -وهو واقفي، وقد وثقه الشيخ النجاشي(7) فهو الذي يروي عنه حميد بن زياد، ويؤيد ذلك أنَّ الشيخ الطوسي أورد اسمه كذلك في سند الرواية. وأمَّا جعفر بن سماعة فإنَّه وإنْ لم يرد له توثيق بهذا الاسم إلا أنَّ الصحيح -كما أفاد السيد الخوئي في المعجم(8)- هو أنَّه جعفر بن محمد بن سماعة وهو ثقة قد وثَّقه النجاشي(9).

وعليه فالروايةُ معتبرة من حيثُ السند، وبذلك تكون صالحةً لتقييد أو قل لتفسير ما دلَّ على أنَّ عدةَّ المطلَّقة الحامل تنقضي بوضع الحمل، فإنَّ المستظهَر من هذه الأدلَّة وإنْ كان هو الوضع لتمام الحمل إذ لا يصدق أنَّ الحامل قد وضعت حملها إلا بوضع تمام الأجنَّة التي في بطنها إلا أنَّه يتعيَّن رفع اليد عن هذا الظهور بعد تصريح معتبرة عبد الرحمن بأنَّ المطلقة الحامل تنقضي عدَّتها بوضع الولد الأول.

إلا أنَّه قد يُقال بأنَّ الرواية وإنْ كانت معتبرة من حيثُ السند لكنَّها غيرُ واجدةٍ لشرائط الحجيَّة وذلك لإعراض المشهور عن العمل بمضمونها، ولعلَّ مما يُؤيِّد ذلك تراجع الشيخ الطوسي عن العمل بها ودعواه الإجماع على عدم انقضاء العدَّة قبل الوضع لتمام الحمل، وعليه فالمتعيَّن هو العمل بظاهر الآية وهي قوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾(10) وكذلك الروايات الكثيرة فإنَّ الظاهر منها هو أنَّ أجل المطلَّقة الحامل لا ينقضي إلا بوضع تمام الحمل، إذ لا يصدقُ عرفاً على من وضعتْ الولد الأول أنَّها وضعتْ حملَها إذا كان لا زال في بطنِها ولدٌ آخر، فهي إنَّما وضعت في هذا الفرض بعضَ حملِها ولم تضع حملَها.

والجواب: هو أنَّ الإعراض المُوهِن لصحَّة الرواية هو إعراض مشهور القدماء، ولا سبيل إلى إحرازه في المقام، وليس في كلام الشيخ في الخلاف تصريحٌ بالإجماع، ويظهرُ من كلامه في الخلاف(11) أنَّ منشأ عدم عملِه بالرواية هو بناؤه على منافاتها للآية من سورة الطلاق.

ويُمكن أنْ يقال في المقام أنَّ أقصى ما تدلُّ عليه موثَّقة عبد الرحمن هو الحكم ببينونة المطلَّقة الحامل بمجرَّد وضع الولد الأول ولكنَّها لا تخرج بذلك من العدَّة بل يتعيَّن عليها التربُّص إلى أنْ تضع تمام ما في بطنها، والبينونة ليست من مقومات العدَّة ولذلك تكون المطلقة بالخلع بائناً من حين الطلاق ورغم ذلك تلزمها العدَّة، فمقوم العدَّة هو التربص وعدم التزوج إلى ينتهي الأجل وموثقة عبد الرحمن تدلُّ على وجوب التربُّص، وبذلك لا تكون الرواية منافية لمفاد الآية وسائر الروايات إلا بمقدار امتناع الرجوع للمطلَّقة الحامل الرجعيَّة، وعليه فالمتعيَّن هو العمل بمفاد الرواية والبناء على بينونة المطلَّقة بوضع الولد الأول مع البناء على عدم خروجها من العدَّة إلا بعد الوضع لتمام ما في بطنها وهذا الأوفق بالاحتياط، وقد تبنَّى ذلك ظاهراً عددٌ من الفقهاء كالقطب الراوندي في فقه القرآن قال: وان كانت حاملا باثنين ووضعت واحدا لم تحل للأزواج حتى تضع جميع الحمل، لقوله تعالى: ﴿أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ..﴾ فأما انقطاع الرجعة فقد روى أصحابنا انها إذا وضعت واحداً انقطع عصمتها من الأول ولا يجوز لها العقد لغيره حتى تضع الاخر"(12) وكذلك هو المستظهَر من المنتخب في تفسير القرآن لابن إدريس الحلي(13)، ومن كنز العرفان للمقداد السيوري(14).

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

2 / جمادى الأولى / 1444ه

27 / نوفمبر / 2022م

----------------------------

1- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص451، كشف اللثام الفاضل الهندي- ج8 / ص111.

2- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص451.

3- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص451.

4- الكافي -الكليني- ج6 / ص82، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 22 / ص197.

5- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص259، العروة الوثقى -السيد اليزدي- ج6 / ص93.

6- معجم رجال الحديث -السيد الخوئي- ج6 / ص127، ج5 / ص344 .

7- رجال النجاشي -النجاشي- ص40.

8- معجم رجال الحديث -السيد الخوئي- ج5 / ص37 .

9- رجال النجاشي -النجاشي- ص119.

10- سورة الطلاق / 4.

11- الخلاف -الطوسي- ج5 / ص60.

12- فقه القرآن -قطب الدين الراوندي- ج2 / ص159.

13- المنتخب في تفسير القرآن -ابن إدريس الحلي- ج2 / ص335.

14- كنز العرفان -المقداد السيوري- ج2 / ص261.