استنصارُ فاطمةَ (ع) المهاجرينَ والأنصارَ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل صحَّ أنَّ السيِّدة فاطمة (ع) دارت على بيوت المهاجرين والأنصار أربعين صباحاً تستنصرُهم وكان ذلك بصحبة الإمام عليٍّ (ع) والحسنِ والحسين (ع)؟

 

الجواب:

إنَّ السيِّدةَ فاطمة (ع) لم تدعْ وسيلةً متاحةً لإقامة الحجَّة على المهاجرين والأنصار إلا وأقامتها، فكانَ من ذلك خطبتُها الشهيرة في المسجد النبويِّ الشريف في محضر المهاجرينَ والأنصار واحتجاجُها على السلطة في محضرهم(1)، وكان منها خطبتُها في نساء المهاجرين والأنصار(2)، وكان منها ذهابُها بصحبة الإمام عليٍّ (ع) والحسنِ والحسينِ (ع) إلى بيوتِ عددٍ من ذوي الوجاهات من المهاجرين والأنصار.

 

ورد ذلك في العديد من النصوص التأريخيَّة:

منها: ما ورد في كتاب الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد رحمه الله تعالى قال: عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما قُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجلس فلان مجلسه .. ثم خرجت – فاطمة (ع)- وحملها عليٌّ على أتانٍ عليه كساءٌ له خمل، فدارَ بها أربعينَ صباحا في بيوت المهاجرين والأنصار، والحسنُ والحسينُ (عليهما السلام) معها وهي تقول: يا معشر المهاجرين والأنصار انصروا الله فإنِّي ابنةُ نبيِّكم، وقد بايعتُم رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) يوم بايعتموه أنْ تمنعوه وذريتَه ممَّا تمنعون منه أنفسَكم وذراريكم، فَفوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ببيعتِكم، قال: فما أعانَها أحدٌ، ولا أجابَها، ولا نصرها، قال: فانتهتْ إلى معاذ بن جبل فقالتْ: يا معاذ بن جبل إنِّي قد جئتُك مستنصرةً، وقد بايعتَ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) على أن تنصرَه وذريتَه، وتمنعَه ممَّا تمنعُ منه نفسَك وذريتَك وأن فلاناً قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها قال: فمعي غيري؟

 

قالت: لا ما أجابَني أحدٌ، قال: فأينَ أبلغُ أنا مِن نصرتِك؟ قال: فخرجتْ من عنده ودخل ابنُه فقال: ما جاء بابنةِ محمد(ص) إليك، قال: جاءتْ تطلبُ نصرتي على فلان فإنَّه أخذَ منها فدكاً، قال: فما أجبتَها به؟ قال: قلتُ: وما يبلغُ من نصرتي أنا وحدي؟ قال: فأبيتَ أن تنصرَها؟ قال: نعم، قال: فأيُّ شيءٍ قالت لك؟ قال: قالتْ لي: والله لأنازعنك الفصيحَ من رأسي حتى أردَ على رسولِ الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فقال: أنا والله لأنازعنك الفصيحَ من رأسي حتى أردَ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ لم تُجب ابنة محمدٍ (صلى الله عليه وآله)، قال: وخرجتْ فاطمةُ (عليها السلام) من عنده وهي تقولُ: واللهِ لا أكلمُك كلمةً حتى اجتمعَ أنا وأنتَ عند رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) ثم انصرفتْ .."(3).

 

ومنها: ما أوردَه سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (ع) في جوابه للأشعث بن قيس قال (ع): ".. ثم حملتُ فاطمة وأخذتُ بيد ابني الحسن والحسين، فلم أدعْ أحدا من أهل بدر وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا ناشدتُهم الله في حقي ودعوتهم إلى نصرتي. فلم يستجبْ لي من جميعِ الناس إلا أربعة رهط: سلمان، وأبو ذر، والمقداد والزبير، ولم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به .. فقلتُ كما قال هارون لأخيه: يا ﴿ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فلي بهارونَ أسوةٌ حسنة، ولي بعهدِ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجةٌ قوية .."(4).

 

ومنها: ما أفاده الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه الخصال قال: إنَّ يومَ غديرِ خُم لم يدعْ لاحدٍ عذراً، قالت سيدةُ النسوان فاطمةُ (عليها السلام) لمَّا مُنعت فدكاً وخاطبتِ الأنصار، فقالوا: يا بنت محمدٍ (ص) لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لفلانٍ ما عدلنا بعليٍّ أحداً، فقالت: وهل تركَ أبي يومَ غديرِ خُمٍ لاحدٍ عذرا"(5).

 

ومنها: ما أورده ابن قتيبة في الإمامة والسياسة قال: ".. وخرجَ عليٌّ (كرم الله وجهه) يحملُ فاطمةَ بنت رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلَّم) على دابَّةٍ ليلاً في مجالس الأنصار تسألُهم النصرةَ، فكانوا يقولون: يا بنتَ رسولِ الله، قد مضت بيعتُنا لهذا الرجل، ولو أنَّ زوجَك وابنَ عمِّك سبَقَ إلينا قبل فلانٍ ما عدلَنا به، فيقولُ عليٌّ كرم الله وجهه: أفكنتُ أدعُ رسولَ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) في بيتِه لم أدفنْه، وأخرجُ أنازعُ الناسَ سلطانَه؟! فقالتْ فاطمة: ما صنعَ أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبُهم وطالبُهم .."(6).

 

محور استنصار السيدة فاطمة (ع):

والواضح من الروايات أنَّ الإمامة ووصية الرسول (ص) هي محور الاستنصار وكانت فدك مدخلاً كما يتَّضح ذلك من رواية سليم بن قيس، وكذلك ما رواه الشيخ الصدوق في الخصال وأرسل جواب السيدة فاطمة (ع) للأنصار -"وهل تركَ أبي يومَ غديرِ خُمٍ لاحدٍ عذرا"- إرسال المسلِّمات وهو ما يُعبِّر عن تثبُّته من صدور النصِّ وصحة نسبته للسيدة فاطمة (ع) وأنَّ استنصارها واحتجاجها على الأنصار كان مركَّزاً حول مسألة الإمامة.

 

وهكذا فإنَّ النصَّ الذي أورده ابنُ قتيبة صريحٌ في أنَّ محور حديث فاطمة (ع) مع الأنصار هو مسألة الإمامة كما يتَّضح ذلك من جوابهم: "يا بنتَ رسولِ الله، قد مضتْ بيعتُنا لهذا الرجل، ولو أنَّ زوجَك وابنَ عمِّك سبَقَ إلينا قبل فلانٍ ما عدلَنا به"

 

وأمَّا رواية الاختصاص فهي كذلك ظاهرةٌ في أنَّ فدكاً لم تكن سوى مدخلٍ أرادت أنْ تكشف به السيِّدةُ فاطمة (ع) عن التجاوز لأمر رسول الله (ص) ووصيته، وهذا ما فهمه معاذ حيث اعتذر بالعجز عن الانتصار لها، ولو كان الطلب من معاذ هو التدخُّل لإرجاع فدك لم يكن لجوابه واعتذاره معنىً، فهو قد اعتذر للسيِّدةِ فاطمة (ع) بقوله: "وما يبلغُ مِن نصرتي أنا وحدي" ولو كان ما طلبَتْه منه السيدة (ع) هو التوسُّط ومخاطبة فلان بإرجاع فدك لكان ذلك ميسوراً ولا يحتاجُ إلى أن يكون معه غيرُه، فجواب معاذ يكشفُ عن فهمه لمغزى استنصار السيِّدة فاطمة (ع) وأنَّ ما تطلبُه يحتاج إلى عددٍ وعدَّة وهو ما زعم معاذ أنَّه عاجزٌ التصدِّي لتحصيله. 

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

14 / جمادى الأولى / 1444ه

9 / ديسمبر / 2022م

---------------------------

1- الاحتجاج -الطبرسي- ج1 / ص133، بلاغات النساء -ابن طيفور- ص15، شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج2 / ص24، كشف الغمة -الأربلي-ج2 / ص109، شرح احقاق الحق -المرعشي-ج19 / ص168. 

2- معاني الأخبار -الشيخ الصدوق- ص 254، دلائل الإمامة- الطبري الإمامي- ص125.

3-الاختصاص -الشيخ المفيد- ص185.

4- كتاب سليم بن قيس -سليم بن قيس الهلالي- ص216، مستدرك الوسائل- النوري- ج11 / ص76.

5- الخصال -الشيخ الصدوق- ص173.

6- الإمامة والسياسة -ابن قتيبة- ج1 / ص19.