حرمة إخراج المطلَّقة الرجعيَّة من بيتها

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة :

قوله تعالى: { إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} الطلاق: 1.

النهي عن إخراج المطلقة من بيتها أثناء العدَّة هل يختصُّ بالرجعيَّة أو يشمل عموم المطلقات من ذوات العدَّة؟

الجواب:

الظاهر أنَّه لم يقع خلاف في اختصاص النهي عن إخراج المطلَّقة من بيت الزوجيَّة بالرجعيَّة دون المطلَّقة البائن وإن كانت من ذوات العدَّة .

ويدلُّ على ذلك أنَّ ظاهر الآية من سورة الطلاق هو أنَّ موضوع النهي عن الإخراج هو المطلَّقة الرجعيَّة بقرينة قوله تعالى بعد النهي عن الإخراج:{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}(2) فإنَّ ذلك إنَّما يناسب المطلَّقة الرجعيَّة وأما المطلَّقة البائن فلا سبيل إلى الرجوع إليها فهي تبينُ منه بمجرَّد إيقاع الطلاق، فالآية وإنْ لم تكن تنفي حرمة إخراج المطلَّقة البائن، ولكنَّها لا تصلح لإثبات حرمة الإخراج لغير المطلَّقة الرجعيَّة بعد قيام القرينة على أنَّ موضوع النهي في الآية هي المطلَّقة الرجعيَّة.

مستند الحكم باختصاص المنع من الإخراج بالرجعيَّة:

هذا مضافاً إلى ما أفادته العديد من الروايات من أنَّ الحكم بعدم الإخراج مختصٌّ بالمطلَّقة الرجعيَّة:

منها: صحيحة سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (ع) عَنْ شَيْءٍ مِنَ الطَّلَاقِ فَقَالَ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَه طَلَاقاً لَا يَمْلِكُ فِيه الرَّجْعَةَ فَقَدْ بَانَتْ مِنْه سَاعَةَ طَلَّقَهَا ومَلَكَتْ نَفْسَهَا، ولَا سَبِيلَ لَه عَلَيْهَا وتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ ولَا نَفَقَةَ لَهَا قَالَ: قُلْتُ: ألَيْسَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ :{ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ} قَالَ: فَقَالَ: إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الَّتِي تُطَلَّقُ تَطْلِيقَةً بَعْدَ تَطْلِيقَةٍ فَتِلْكَ الَّتِي لَا تُخْرَجُ ولَا تَخْرُجُ حَتَّى تُطَلَّقَ الثَّالِثَةَ، فَإِذَا طُلِّقَتِ الثَّالِثَةَ فَقَدْ بَانَتْ مِنْه ولَا نَفَقَةَ لَهَا، والْمَرْأَةُ الَّتِي يُطَلِّقُهَا الرَّجُلُ تَطْلِيقَةً ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى يَخْلُوَ أَجَلُهَا فَهَذِه أَيْضاً تَقْعُدُ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا ولَهَا النَّفَقَةُ والسُّكْنَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا"(3)

ومنها: موثقة وُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) فِي الْمُطَلَّقَةِ أَيْنَ تَعْتَدُّ؟ فَقَالَ: فِي بَيْتِهَا إِذَا كَانَ طَلَاقاً لَه عَلَيْهَا رَجْعَةٌ لَيْسَ لَه أَنْ يُخْرِجَهَا ولَا لَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا"(4)  

يتعيَّن حمل الروايات المطقة على الرجعيَّة:

نعم ثمة رواياتٌ يظهرُ منها الإطلاق إلا أنَّه يتعيَّن حملُها أو تفييدها بما دلَّ على اختصاص حرمة الإخراج بالمطلَّقة الرجعيَّة:

فمِن تلك الروايات صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "الْمُطَلَّقَةُ تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا ولَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَخْرُجَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تَحِيضُ"(5)

فإنَّ المستظهَر بدواً من قوله (ع) "الْمُطَلَّقَةُ تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا" هو الإطلاق الشامل للمطلَّقة البائن وكذلك هو الشأن في  موثقة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ:  سَأَلْتُه عَنِ الْمُطَلَّقَةِ أَيْنَ تَعْتَدُّ ؟ فَقَالَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا"(6)

إلا أنْ يقال بعدم ظهورها في الإطلاق بقرينة قوله في بيت زوجها ، والمطلَّقة البائن ليست زوجةً ولا هي بحكم الزوجة، فالتعبير بقوله: "في بيت زوجها" إن لم يكن مقتضياً لظهور الموثقة في إرادة خصوص الرجعيَّة فلا أقلَّ من عدم ظهورها في الإطلاق.

وكيف كان فإنَّ المتعيَّن هو تقييد ما دلَّ على الإطلاق بمثل صحيحة سعد بن أبي خلف الصريحة في اختصاص النهي عن الإخراج بالمطلَّقة الرجعيَّة، وبمثل مفهوم موثقة وهيب بن حفص، وكذلك بما دلَّ على أنَّ المطلَّقة البائن ليس لها سكنى ولا نفقة إلا أنْ تكون حاملاً .

فمِن ذلك موثقة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثاً عَلَى السُّنَّةِ هَلْ لَهَا سُكْنَى أَوْ نَفَقَةٌ ؟ قَالَ: لَا"(7)

 ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سُئل عن المطلَّقة ثلاثاً ألها النفقة والسكنى ؟ قال : أحبلى هي ؟ قلتُ : لا ، قال : فلا"(8)

ومنها: موثقة رِفَاعَةَ بن موسى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: الْمُخْتَلِعَةُ لَا سُكْنَى لَهَا ولَا نَفَقَةَ"(9) 

ومنها: موثقة سَمَاعَةَ قَالَ: قُلْتُ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثاً ألَهَا سُكْنَى أَوْ نَفَقَةٌ ؟ فَقَالَ: حُبْلَى هِيَ؟ فَقُلْتُ: لَا ، قَالَ لَيْسَ لَهَا سُكْنَى ولَا نَفَقَةٌ"(10)

 ومنها: معتبرة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثاً لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ عَلَى زَوْجِهَا، إِنَّمَا هِيَ لِلَّتِي لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ"(11)

وخلاصة القول: هو أنَّه لا إشكال في اختصاص حرمة الإخراج بالمطلَّقة الرجعيَّة، نعم وقع الكلام في أنَّ حرمة الإخراج هل هو باعتبار كون السكنى من النفقة الواجبة للزوجة على زوجها أو أنَّه حكمٌ خاصٌّ مستقلٌّ عن الحكم بوجوب النفقة والسكنى للزوجة ؟ فبناء على الأول يسقط حقُّ المطلَّقة الرجعيَّة في السكنى لو كانت ناشزاً، وأما بناءً على الثاني فلا يسقط وجوب الإسكان حتى في فرض النشوز.

وقد استوجه عددٌ من الفقهاء الثاني(12) وأفادوا أنَّ حرمة الإخراج حقُّ لله عزوجل، فهو ليس من حقوق الزوجة حتى يُقال إنَّه يسقط بالنشوز أو بالإسقاط، ولهذا لا يجوز لها الخروج من بيتها حتى لو اتفقا على ذلك بل يمنعها الحاكمُ الشرعي من الخروج لو أرادت ذلك، وهذا بخلاف سكنى النفقة فإنَّه حقٌّ مختصٌّ بها، فلها أن لا تستوفي هذا الحق، وكذلك فإنَّ منع الزوج لها من الخروج  لو كان حقاً للزوج كما هو الثابت له قبل تطليقها لكان إذنه لها بالخروج مصححٌّ لخروجها إلا أنَّ الأمر ليس كذلك فإنَّه لا يصحُّ لها الخروج حتى لو أذن لها في ذلك إلا في بعض الفروض كالضرورة مثلاً .

إلا أنَّ الظاهر من النصوص المتقدِّمة خلاف ذلك فإنَّها ظاهرةٌ في أنَّ منشأ النهي عن إخراجها هو أنَّها زوجةٌ مستحقة للنفقة ومنها السكنى، فمِن ذلك صحيحة سعد بن أبي خلف فإنَّها ظاهرةٌ في أنَّ الحكم بعدم الإخراج إنَّما هو باعتبار أنَّ المطلَّقة الرجعيَّة بحكم الزوجة ما دامت في العدَّة ولذلك تجب لها النفقة ومنها السكنى، فهذا هو المستظهَر من قوله(ع):" إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الَّتِي تُطَلَّقُ تَطْلِيقَةً بَعْدَ تَطْلِيقَةٍ فَتِلْكَ الَّتِي لَا تُخْرَجُ ولَا تَخْرُجُ حَتَّى تُطَلَّقَ الثَّالِثَةَ فَإِذَا طُلِّقَتِ الثَّالِثَةَ فَقَدْ بَانَتْ مِنْه ولَا نَفَقَةَ لَهَا، والْمَرْأَةُ الَّتِي يُطَلِّقُهَا الرَّجُلُ تَطْلِيقَةً ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى يَخْلُوَ أَجَلُهَا فَهَذِه أَيْضاً تَقْعُدُ فِي مَنْزِلِ زَوْجِهَا ولَهَا النَّفَقَةُ والسُّكْنَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا"

وكذلك هو المستظهَر من مثل صحيحة الحلبي: عن أبي عبد الله عليه السلام " لا ينبغي للمطلَّقة أن تخرج إلا بإذن زوجِها حتى تنقضي عدَّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض" وموثقة أَبِي الْعَبَّاسِ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِلْمُطَلَّقَةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إِنْ لَمْ تَحِضْ"(13)

فلو كان النهي عن الخروج حقَّ الله تعالى كما قيل لم يكن لزوجها أنْ يأذن لها بالخروج ولو أذن لم يكنْ لها أن تخرج . وهكذا هو الشأن فيما تقتضيه صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: سَمِعْتُه يَقُولُ الْمُطَلَّقَةُ تَحُجُّ فِي عِدَّتِهَا إِنْ طَابَتْ نَفْسُ زَوْجِهَا"(14)

ومن ذلك يتَّضح أنَّ الروايات التي نهت الزوج عن إخراج المطلقة الرجعية من بيتها ونهت المطلقة الرجعية عن الخروج والتي نهت عن خروجها للحج حتى تنقضي عدَّتها والتي نهت عن خروجها نهاراً كموثقة سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الْمُطَلَّقَةِ أَيْنَ تَعْتَدُّ؟ قَالَ: فِي بَيْتِهَا لَا تَخْرُجُ وإِنْ أَرَادَتْ زِيَارَةً خَرَجَتْ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ولَا تَخْرُجُ نَهَاراً، ولَيْسَ لَهَا أَنْ تَحُجَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا "(15) ورواية أبي بصير عن أحدهما ( عليهما السلام ) " في المطلقة أين تعتد ؟ فقال : في بيتها إذا كان طلاقاً له عليها رجعة ليس له أن يخرجها ، ولا لها أنْ تخرج حتى تنقضي عدتها"(16)

هذه الروايات محمولة على النهي عن إخراجها مراغمة أو خروجها مراغِمةً لزوجها ودون إذنه ورضاه كما أفاد ذلك الفضل بن شاذان قال- كما في الجواهر-"  أنَّ معنى الخروج والاخراج ليس هو أن تخرج المرأة إلى أبيها أو تخرج في حاجة لها أو في حقٍّ بإذن زوجها ، مثل مأتم وما أشبه ذلك ، وإنَّما الخروج والاخراج أنْ تخرج مراغِمةً ويخرجها مراغمة ، فهذا الذي نهى الله عنه ، فلو أنَّ امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها أو تخرج إلى حقٍّ لم يقل : إنَّها خرجت من بيت زوجها ، ولا يقال : فلان أخرج زوجته من بيتها ، إنَّما يقال ذلك ، إذا كان ذلك على الرغم والسخطة ، وعلى أنَّها لا تريد العود إلى بيتها وإمساكها على ذلك ، لأنَّ المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه - إلى أن قال - : إن أصحاب الأثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيع قد رخَّصوا لها في الخروج الذي ليس على السخط والرغم ، وأجمعوا على ذلك "(17)

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

20 جمادى الأولى 1444ه

15 ديسمبر 2022م

---------------------------------

1- الطلاق:1.

2- الطلاق: 2.

3-الكافي – الكليني- ج6/ 90.

4-الكافي – الكليني- ج6/ 91.

5-الكافي – الكليني- ج6/ 90.

6-الكافي – الكليني- ج6/ 91.

7- الكافي- الكليني- ج6/ 104، وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج21/ 520. . 

8-تهذيب الأحكام – الطوسي- ج8/ 133، وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج21/ 521.

9-الكافي – الكليني- ج6/ 144. وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج21/ 521.

10- الكافي – الكليني- ج6/ 104. وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج21/ 520.

11-الكافي – الكليني- ج6/104 ، وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج21/ 520.

12-  جواهر الكلام - الشيخ حسن النجفي-  ج32/ 331.

13- الكافي- الكليني- ج6/ 91.

14- الكافي- الكليني- ج6/ 91.

15-الكافي – الكليني- ج6/ 90.وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج21/ 515.

16- تهذيب الأحكام- الطوسي- ج8/ 132،وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج21/ 514.

17-جواهر الكلام – الشيخ حسن النجفي- ج 32/ 332.