طلَّقها ثم تزوَّجها في العدَّة ثم طلَّقها قبل الدخول

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لو طلَّق الرجل زوجته المدخول بها ثم راجعها أو تزوجها قبل انقضاء عدَّتها وبعده طلَّقها قبل أن يدخل بها فهل تجب عليها عدَّة أو أنَّه لا تجب عليها عدَّة لكونها مطلَّقة غيرَ مدخولٍ بها؟

الجواب:

لهذه المسألة فرضيتان:

طلقها ثم راجعها ثم طلَّقها دون دخول:

الفرضيَّة الأولى: هي أنَّه لو طلَّق الرجل زوجته المدخول بها طلاقاً رجعياً ثم راجعها قبل انقضاء عدَّتها منه ثم طلَّقها بعد الرجوع قبل أنْ يدخل بها، ففي هذا الفرض قد يقال أو يتوهَّم أنَّه لا تجب عليها عدَّة لأنَّ عدَّتها من الطلاق الأول قد انتفى موضوعها برجوع زوجها إليها، والطلاق الثاني لم يكن عن دخول فلا تجب معه العدَّة إلا أنَّ الواضح فسادُ هذا التوهُّم، فإنَّه وإنْ كان برجوعه بعد الطلاق الأول قد انتفى موضوعُ العدَّة إلا أنَّه بعد الطلاق الثاني يكون طلاقه عن دخول، وذلك لأنَّ طلاقه الأول كان رجعياً فهي زوجته ما دامت في العدَّة، فهو حين راجعها في العدَّة يكون قد رجع لزوجته الذي كان قد دخل بها فهو لم ينشأ برجوعه نكاحاً جديدا ولهذا يكون طلاقه الثاني طلاقاً لزوجته المدخول بها، ولذلك تلزمها العدَّة كما يلزم كلَّ مطلقة مدخولٍ بها، والظاهر أنَّه لم يقع خلاف في ذلك(1).

نعم لو تركها بعد الطلاق الأول حتى تنقضي عدَّتها ثم تزوجها بعقدٍ جديد وبعد زواجه منها طلَّقها قبل أن يدخل بها فإنَّه لا تجب عليها عدَّة لأنَّه طلاق قبل الدخول، وأما الدخول الذي وقع في العقد الأول فقد استوفت عدَّته.

خالعها بعد الدخول ثم تزوجها في العدَّة:

الفرضية الثانية: هي أنَّه لو طلَّق الرجلُ زوجته المدخولَ بها خُلعاً أو مباراة فإنَّها تبينُ منه بذلك ولكن تلزمُها العدَّة لافتراض الدخول بها، فلو أنَّها شرعت في العدَّة وفي أثنائها عقد عليها الرجل نفسَه بعقدٍ جديد ثم طلَّقها بعده قبل أنْ يدخل بها، فهل عليها أنْ تعتدَّ منه عدَّة تامَّة مستأنفة أو أنَّه لا يلزمها سوى الإكمال للعدَّة السابقة التي تزوَّجها في أثنائها أو أنَّه لا يلزمها بعد الطلاق الثاني شيء فلا يجب عليها إكمال العدَّة السابقة ولا يجب عليها استئناف عدَّةٍ جديدة؟ فهذه احتمالات ثلاثة وقع الخلاف فيما هو المتعيِّن منها(2).

أمَّا الاحتمال الأول وهو البناء على أنَّ عليها بعد الطلاق الثاني أنْ تعتدَّ عدَّةً تامَّة مستأنفة فمنشأه أنَّ هذه المرأة كان مدخولاً بها قبل الطلاق الأول ولم تستوفِ العدَّة منه لانتفاء موضوعها بالعقد الجديد من الزوج نفسِه لذلك يصدق عليها بعد الطلاق الثاني أنَّها مطلَّقة مدخولٌ بها وإنْ لم يدخل بها بعد العقد الثاني ولهذا يجب عليها أنْ تستأنف العدَّة لأنَّها لم تستكملها بعد الطلاق الأول الذي كان مسبوقاً بالدخول.

إلا أنَّ هذا الاحتمال لا يتم، إذ أنَّ العقد الثاني لم يقع فيه دخولٌ بحسب الفرض فالطلاق الثاني كان طلاقاً من غير دخول، فالعدَّة من جهته بلا موجب، وأمَّا الطلاق الأول فهو وإن كان مسبوقاً بالدخول وتترتَّب عليه العدَّة إلا أنَّ هذه العدَّة قد انتفى موضوعها بالعقد الجديد، فإنْ قيل إنَّها لم تستوفِ العدَّة من الطلاق الأول فجوابه أنَّ ذلك لا يستوجب استئناف عدَّة كاملة فإما أنْ يكون العقد الجديد موجباً لإلغاء العدَّة من رأس وإذا لم يكن موجباً لإلغائها فإنَّه لا دليل على أنَّه موجب لاستئنافها من رأس، فأقصى ما يقتضيه الطلاق الأول هو استكمال العدَّة التي لم يتم استيفاؤها.

وأمَّا الاحتمال الثاني -وهو أنَّ عليها بعد الطلاق الثاني الذي لم يسبقه دخول أن تستكمل العدَّة التي بدأتها بعد الطلاق الأول وقبل العقد الثاني- فمنشأه أنَّ العقد الثاني لا يُوجب سقوط العدَّة عن الطلاق المسبوق بالدخول وإنَّما جاز لمطلِّقها أنْ يتزوَّجها في العدَّة لأنَّ العدَّة ليست عنه فهو صاحبُ الفراش وصاحب الماء الذي يُستبرأ له بالعدَّة، فالعدَّة إنَّما تجب على المطلَّقة بالنسبة لغير صاحب الفراش، وهذه العدَّة لا موجب لسقوطها، ولذلك يتعيَّن عليها إتمام العدَّة التي وجبت عليها بالطلاق الأول الذي سبقه الدخول، وأمَّا الطلاق الثاني فهو غيرُ موجبٍ للعدَّة لعدم تحقُّق الدخول قبله بحسب الفرض.

وأما الاحتمال الثالث وهو أنَّه لا يجب عليها بعد الطلاق الثاني شيء فلا يجب الاستئناف ولا الاتمام- فمنشأه أنَّ الطلاق الثاني لم يسبقه دخول فلا تجب به العدَّة وأمَّا الطلاق الأول فهو وإن كان موجباً للعدَّة لأنَّ وقع بعد الدخول إلا أنَّ هذه العدَّة قد سقطت لانتفاء موضوعها بالزواج الثاني ولا دليل على وجوبها بعد سقوطها بالزواج الثاني.

والجواب عن ذلك قد اتَّضح ممَّا تقدم في الاحتمال الثاني وهو أنَّ العدَّة لم تسقط بالزواج الثاني بالنسبة لغير المطلِّق وإنَّما صحَّ لمطلِّقها أنْ يتزوَّجها في العدَّة لأنَّه صاحبُ الفراش والعدَّة إنَّما شُرعت للاستبراء عن مائه، ولهذا فهي مخاطبة بالعدَّة بالنسبة لغيره حتى بعد زواجها وطلاقها الثاني فإذا كان قد بقي بعد طلاقها الثاني شيء من زمان عدَّتها فعليها أن تستوفيه، فلو طلَّقها زوجُها الطلاق الأول المسبوق بالدخول وبعد شهرٍ من طلاقها الأول تزوَّجها بعقدٍ جديد وبعد شهر من زواجها الثاني طلَّقها دون أنْ يدخل بها فإنَّه قد بقي من عدَّتها من الطلاق الأول شهر واحد لذلك يجب عليها أن تستوفي العدَّة بقية هذه المدَّة وهي الشهر، إذ لا موجب لسقوطها، نعم لو طلَّقها الطلاق الثاني شهرين أو أكثر دون أن يدخل بها فقد استوفت تمام العدَّة فلا تجب عليها عدةٌ بعد الطلاق الثاني، وذلك لاستيفائها العدَّة كاملة قبل طلاقها الثاني والمفروض أنَّه لم يتم الدخول بها قبل الطلاق الثاني.

والمتحصل أنَّ الصحيح من الاحتمالات الثلاثة هو الاحتمال الثاني وهو أنَّه يجب عليها بعد الطلاق الثاني الذي لم يسبقه دخول أن تستكمل عدَّة الطلاق الأول لعدم وجود ما يوجب سقوطها، نعم لو وقع الطلاق الثاني بعد استيفائها لزمان العدَّة أثناء الزواج الثاني كما لو بقيت عنده شهوراً أو سنين دون أن يدخل بها فإنَّه لا تجب عليها العدَّة بعد الطلاق الثاني لأنَّه لم يقع عن دخول والمفروض أنَّها قد استوفت زمان العدَّة عن الطلاق الأول قبل أن يقع عليها الطلاق الثاني.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

4 / جمادى الثاني / 1444ه

28 / ديسمبر / 2022م

-----------------------------

1- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص548، جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص377.

2- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص377.