عدَّة الكتابيَّة للوفاة والطلاق

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

إذا أراد المسلم أنْ يتزوج من الكتابية المتوفى عنها زوجها أو المطلَّقة فهل عدَّتها للوفاة أو للطلاق تختلف عن عدَّة المسلمة أو هي ذاتها العدَّة اللازمة على المسلمة؟

الجواب:

عدَّة الكتابيَّة للوفاة:

الظاهر أنَّه لم يقع خلاف(1) في أنَّ عدَّة الكتابية للوفاة هي ذاتها عدَّة المسلمة للوفاة وذلك للنصِّ الخاص وهو صحيحة يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ نَصْرَانِيَّةٍ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا وهُوَ نَصْرَانِيٌّ مَا عِدَّتُهَا قَالَ: عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وعَشْرا"(2).

وكذلك دلَّت عليه صحيحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع): ".. قُلْتُ: فَإِنْ مَاتَ عَنْهَا وهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ وهُوَ نَصْرَانِيٌّ فَأَرَادَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَالَ (ع): لَا يَتَزَوَّجُهَا الْمُسْلِمُ حَتَّى تَعْتَدَّ مِنَ النَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْراً عِدَّةَ الْمُسْلِمَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا"(3).

عدَّة الكتابيَّة للطلاق:

فالبناء على أنَّ عدَّة الكتابية للوفاة كعدَّة المسلمة للوفاة لم يقع مورداً للخلاف، نعم وقع البحث في عدَّة الكتابيَّة للطلاق فالمشهور شهرة عظيمة هو أنَّ عدَّتها هي ذاتها عدَّة المسلمة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر وذلك لإطلاق الأدلة كقوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾(4) وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ..﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾(5).

وكذلك هو مقتضى الإطلاق في الروايات التي أفادت أنَّ عدَّة المطلقة المدخول بها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر لو كانت مسترابة. فإنَّ مقتضى إطلاق هذه الروايات هو أنَّ كلَّ مطلَّقة مسلمة كانت أو كتابيَّة فإنَّ عدَّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر.

إلا أنَّه نُسب للعلامة (رحمه الله)(6) أنَّه نقلَ عن بعض الأصحاب -دون التصريح باسمه- البناءَ على أنَّ عدَّة الكتابيَّة للطلاق كعدَّة الأمة، وذلك استناداً لصحيحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ سَأَلْتُه عَنْ نَصْرَانِيَّةٍ كَانَتْ تَحْتَ نَصْرَانِيٍّ فَطَلَّقَهَا هَلْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِثْلُ عِدَّةِ الْمُسْلِمَةِ فَقَالَ: لَا .. قُلْتُ: فَمَا عِدَّتُهَا إِنْ أَرَادَ الْمُسْلِمُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؟ قَالَ: عِدَّتُهَا عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ أَوْ خَمْسَةٌ وأَرْبَعُونَ يَوْماً قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ قَالَ: قُلْتُ لَه: فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا؟ فَقَالَ: إِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا فَإِنَّ عِدَّتَهَا عِدَّةُ الْمُسْلِمَةِ .."(7).

فالرواية صريحة في أنَّ عدَّة الكتابية هي عدَّة الأمة وهي حَيْضَتَانِ أَوْ خَمْسَةٌ وأَرْبَعُونَ يَوْماً، ولذلك فمقتضى الجمع العرفي بينها وبين إطلاقات الأدلَّة هو تقييد تلك الإطلاقات فيكون حاصل الجمع أنَّ كلَّ مطلَّقة حرَّة فعدَّتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إلا أن تكون كتابيَّة فإنَّ عدَّتها حَيْضَتَانِ أَوْ خَمْسَةٌ وأَرْبَعُونَ يَوْماً. وقد مال صاحب الحدائق(8) إلى ذلك وأفاد أنَّه مما تقتضيه قاعدة الجمع العرفي التي يجري البناء عليها في الموارد الشبيهة بهذا المورد.

إلا أنَّ البناء على صلاحية صحيحة زرارة لتقييد إطلاقات الأدلَّة منوط بواجديتها لشرائط الحجيَّة في نفسها وهي ليست كذلك فإنَّ هذه الرواية وإنْ كانت معتبرةً سنداً إلا أنَّها ساقطة عن الحجيَّة لأعراض المشهور عن العمل بمفادها حتى أنَّها وصفت بالشاذَّة كما في الشرائع(9) وأفاد صاحب الجواهر: "بل ظاهر الجميع أو صريحهم خلافها، فلا تصلح مقيدة لإطلاق الأدلة من الكتاب والسنَّة"(10).

والمتحصل مما ذكرناه أنَّ عدَّة الكتابيَّة للوفاة والطلاق هي ذاتُها عدَّةُ الحرَّة المسلمةُ للوفاة والطلاق وهو الأوفق بالإحتياط.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

7 / جمادى الثانية / 1444ه

31 / ديسمبر / 2022م

----------------------

1- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج25 / ص507، جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص314.

2- الكافي -الكليني- ج6 / ص175، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص267.

3- الكافي -الكليني- ج6 / ص174، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص267.

4- سورة البقرة / 228.

5- سورة الطلاق / 1-4.

6- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني-ج25 / ص508.

7- الكافي -الكليني- ج6 / ص174، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص267.

8- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني-ج25 / ص508.

9- شرائع الإسلام -المحقق الحلِّي- ج3 / ص604.

10- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص314.