مبدأ حساب الأربع سنوات لزوجة المفقود

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

المفقود زوجُها تتربَّص أربع سنين ثم يأمر الحاكم الشرعي -بعد البحث- وليَّه بطلاقها فإنْ أمكن وإلا طلَّقها الحاكم الشرعي أو أمرها بالاعتداد على الخلاف، والسؤال هو أنَّ مبدأ حساب الأربع سنوات الذي تتربَّص فيه زوجة المفقود هل هو مِن حين فقد الزوج أو هو من حين رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي؟

الجواب:

ما يُستدلَّ به على أن مبدءه الرفع للحاكم: 

ظاهر أكثر فتاوى الأصحاب –كما أفاد صاحب الجواهر(1)- أنَّ مبدأ الحساب هو مِن حين رفع الزوجة أمرها إلى الحاكم الشرعي وليس من حين انقطاع خبر الزوج، ولعلَّ ذلك هو المستظهَر من صحيحة بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الْمَفْقُودِ كَيْفَ يُصْنَعُ بِامْرَأَتِه قَالَ: مَا سَكَتَتْ عَنْه وصَبَرَتْ يُخَلَّى عَنْهَا، فَإِنْ هِيَ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْوَالِي أَجَّلَهَا أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ يَكْتُبُ إِلَى الصُّقْعِ الَّذِي فُقِدَ فِيه فَلْيُسْأَلْ عَنْه فَإِنْ خُبِّرَ عَنْه بِحَيَاةٍ صَبَرَتْ وإِنْ لَمْ يُخْبَرْ عَنْه بِشَيْءٍ حَتَّى تَمْضِيَ الأَرْبَعُ سِنِينَ دُعِيَ وَلِيُّ الزَّوْجِ.. وإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا أَجْبَرَه الْوَالِي عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ تَطْلِيقَةً فِي اسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ وهِيَ طَاهِرٌ فَيَصِيرُ طَلَاقُ الْوَلِيِّ طَلَاقَ الزَّوْجِ .."(2).

فإنَّ الظاهر من الصحيحة أنَّ مبدأ التأجيل أربع سنين يبدأ مِن حين رفع الزوجة أمرها إلى الوالي رغم أنَّ رفع أمرها إلى الوالي ربما قد يتأخَّر عن زمان الفقد سنين والأمام (ع) لم يفصِّل بين ما إذا كان الرفع من حين الفقد أو بعد بسنين وأفاد بأنَّ وظيفة الوالي هو تأجيلها أربع سنين وهو ما يقتضي استظهار أنَّ حساب الأربع سنين يبدأ من حين الرفع لأمرها إلى الوالي.

مستند القول بأنَّ مبدءه من حين الفقد:

إلا أنَّه في مقابل صحيحة بريد ثمة أكثر من رواية ظاهرها أنَّ مبدأ الحساب يكون من حين الفقد فمِن ذلك صحيحة أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي امْرَأَةٍ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَ سِنِينَ ولَمْ يُنْفَقْ عَلَيْهَا ولَا يُدْرَى أحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ أيُجْبَرُ وَلِيُّه عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وإِنْ لَمْ يَكُنْ لَه وَلِيٌّ طَلَّقَهَا السُّلْطَانُ .."(3).

فإنَّ الظاهر من هذه الصحيحة هو في عدم اعتبار أكثر من الأربع سنوات من حين صدق الفقد، فالإمام (ع) لم يُقيد صحَّة إجبار الوليِّ علي تطليقها بما إذا كانت الأربع سنوات بعد رفع أمرها إلى السلطان، فمقتضى الإطلاق وعدم الاستفصال هو كفاية مضيِّ أربع سنوات من حين الفقد.

وهذا المعنى هو المستظهَر كذلك من صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّه سُئِلَ عَنِ الْمَفْقُودِ؟ فَقَالَ: الْمَفْقُودُ إِذَا مَضَى لَه أَرْبَعُ سِنِينَ بَعَثَ الْوَالِي أَوْ يَكْتُبُ إِلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي هُوَ غَائِبٌ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَه أَثَرٌ أَمَرَ الْوَالِي وَلِيَّه أَنْ يُنْفِقَ .. أَمَرَه أَنْ يُطَلِّقَهَا فَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهَا طَلَاقاً وَاجِباً"(4).

فهذه الصحيحة ظاهرة أيضاً في أنَّ المدَّة المقرَّرة على الزوجة المفقود زوجُها هو الأربع سنين من حين الفقد، فإنَّ الموضوع الذي رتَّب عليه الإمام(ع) الحكم بالإنفاق أو الطلاق هو المفقود إذا مضى له أربع سنين، وظاهر ذلك هو مضي الأربع سنوات من حين صدْق عنوان المفقود عليه، نعم قد لا يتحقَّق صدق عنوان المفقود إلا بعد مضيِّ شهور أو سنة أو أكثر، فهذه المدَّة غير محتسبة دون إشكال لأنَّ موضوع الحكم هو عنوان المفقود فمتى ما صدق هذا العنوان يكون هو مبدأ الحساب.

والظاهر أنَّ المتعين هو البناء على ما هو المستظهَر من صحيحتي الكناني والحلبي، وأما صحيحة بريد بن معاوية فتُحمل على أنَّها رفعت أمرها من حين الفقد لذلك أمر الإمام (ع) بتأجيلها أربع سنين من حين الرفع بل إنَّ ذلك هو الظاهر من مفروض الرواية، فإنَّ الإمام (ع) استعرض فرضين لزوجة المفقود زوجها: الفرض الأول هو أنَّها اختارت الصبر وهنا أفاد الإمام (ع) أنَّه يخلَّى عنها، والفرض الثاني هو أنَّها اختارت رفع أمرها إلى الوالي، والظاهر من ذلك هو انَّها اختارت رفع أمرها إلى الوالي من حين تحقُّق الفقد، وفي هذا الفرض أفاد الإمام (ع) أنَّ حكمها هو التأجيل أربع سنين، فمبدأ الحساب وإنْ كان من حين التأجيل ولكنَّه مزامنٌ لتحقُّق عنوان الفقد، فليس في الرواية ظهورٌ في الإطلاق وأنَّ التأجيل يبدأ من حين الرفع سواءً مضى على صدْقِ عنوان الفقد زمنٌ طويل أو لم يمضِ.

ولعلَّ ممَّا يُؤيد عدم إرادة الإطلاق استبعاد أنْ يكون الرفع قيداً تعبدياً محضاً أو تكون له موضوعية، فإنَّه لو اتَّفق أنَّ الحاكم الشرعي بحث عن المفقود سنين قبل أن ترفع الزوجة أمرَها إليه وبعده رفعت الزوجة أمرها إليه فإنَّ مقتضى الإطلاق لو تمَّ هو أنَّ عليه أن يستأنف البحث والتأجيل وهو مستبعَد غايته، وكذلك لو كان للمفقود زوجةٌ أخرى ورفعت الأولى أمرها إلى الحاكم من حين الفقد فأجَّلها أربع سنين ثم حكم بطلاقها وبعده جاءت الثانية فهل عليه أن يؤجَّلها أربع سنين أخرى؟! إنَّ مقتضى الإطلاق يقتضى ذلك لكنَّه يصعب استظهاره من الصحيحة وهو ما يُؤيد عدم إرادة الإطلاق.

وممَّا بيناه يتضح الحال فيما هو المستظهَر من موثقة سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الْمَفْقُودِ؟ فَقَالَ: إِنْ عَلِمَتْ أَنَّه فِي أَرْضٍ فَهِيَ مُنْتَظِرَةٌ لَه أَبَداً حَتَّى تَأْتِيَهَا مَوْتُه أَوْ يَأْتِيَهَا طَلَاقُه، وإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَيْنَ هُوَ مِنَ الأَرْضِ كُلِّهَا ولَمْ يَأْتِهَا مِنْه كِتَابٌ ولَا خَبَرٌ فَإِنَّهَا تَأْتِي الإِمَامَ فَيَأْمُرُهَا أَنْ تَنْتَظِرَ أَرْبَعَ سِنِينَ فَيُطْلَبُ فِي الأَرْضِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَه أَثَرٌ حَتَّى تَمْضِيَ الأَرْبَعُ سِنِينَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْراً ثُمَّ تَحِلُّ لِلرِّجَالِ .."(5).

فإنَّ ظاهر الموثقة أنَّها تأتي الإمام بعد تحقُّق موضوع الفقد، فالتأجيل أربع سنوات باعتبار أنَّها لم تستوفِ هذه المدة، وأمَّا المدة الفائتة لم تكن سوى المدة التي يتبيَّن بها تحقُّق عنوان الفقد.

والمتحصل هو أنَّه لا تعارض بين الصحيحتين وبين صحيحة بريد وموثقة سماعة فإنَّ المستظهر من الصحيحة والموثقة هو أنَّ الإمام (ع) كان بصدد بيان المدَّة المقرَّرة للانتظار، وأما تعيُّن أن يكون الانتظار من حين الرفع مطلقاً فهذا ما لا يمكن استظهاره منهما، وعليه يكون مفاد الروايات هو أنَّ موضوع الانتظار أربع سنين هو تحقُّق عنوان الفقد، وهو ما يقتضي أنَّ مبدأ الحساب يكون من حين تحقُّق الموضوع وهو الفقد.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

25 / جمادى الآخرة / 1444ه

18 / يناير / 2023م

__________________________________________

1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج32 / ص295.

2-الكافي -الكليني- ج6 / ص148، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص157.

3-الكافي -الكليني- ج6 / ص148، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص158.

4- الكافي- الكليني- ج6 / ص147، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص158.

5- الكافي -الكليني- ج6 / ص148، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج22 / ص158.