السنُّ الذي يتحقَّق به اليأسُ من الحيض

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هو حدُّ اليأس الذي ينتهي عنده الحكم بحيضيَّة الدم الذي تراه المرأة وتكون معه المرأةُ غير مكلَّفة بالعدَّة في حال الطلاق؟

 

الجواب:

المشهور بين الفقهاء -كما أفاد صاحب الجواهر(1)- هو أنَّ حدَّ اليأس للمرأة غير القرشيَّة يتحقَّق ببلوغها خمسين سنة، وأمَّا القرشيَّة فيتحقَّق ببلوغها ستين سنة، وفي مقابل هذا القول ثمة قولان:

 

الأول: أنَّ اليأس يتحقَّق ببلوغ مطلق المرأة -القرشيَّة وغيرها- خمسين سنة، نُسب ذلك للشيخ الطوسي في النهاية والجمل، وكذلك نُسب لابن إدريس الحلِّي في السرائر وإلى المحقِّق الحلِّي الشرائع في كتاب الطلاق(2).

 

الثاني: أنَّ حدَّ اليأس يتحقَّق ببلوغ مطلق المرأة ستين سنة سواءً كانت قرشيَّة أو لم تكن قرشيَّة، نُسب ذلك للعلامة في المختلف وإلى المحقق في كتاب الطهارة من الشرائع(3).

 

وأمَّا مستندُ الأقوال فيتَّضحُ من ملاحظة الروايات، وهي على طوائف ثلاث:

 

الطائفة الأولى: هي صحيحة َعبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "حَدُّ الَّتِي قَدْ يَئِسَتْ مِنَ الْمَحِيضِ خَمْسُونَ سَنَةً"(4).

 

وثمة روايةٌ أخرى لعبد الرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ثلاث يتزوَّجن على كلِّ حال -إلى أنْ قال-: والتي قد يئستْ من المحيض ومثلها لا تحيض قلتُ: وما حدها؟ قال: إذا كان لها خمسون سنة"(5). ولا إشكال في سندها إلا من جهة سهل بن زياد.

 

والرواية الثالثة هي مرسلة أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): "الْمَرْأَةُ الَّتِي قَدْ يَئِسَتْ مِنَ الْمَحِيضِ حدُّها خمسون سنة"(6).

 

ولا إشكال في سندها إلا من جهة اشتماله على سهل بن زياد، هذا وقد أورد المحقِّق في المعتبر الرواية ذاتها نقلاً من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر كما أفاد صاحب الوسائل(7).

 

الطائفة الثانية: هي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) -في حديث- قال: قلتُ: التي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض؟ قال: إذا بلغتْ ستين سنة فقد يئستْ من المحيض ومثلها لا تحيض"(8).

 

وكذلك مرسلة الكليني في الكافي قال: ورُوِيَ سِتُّونَ سَنَةً أَيْضاً(9).

 

الطائفة الثالثة: وعمدتُها مرسلة ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً لَمْ تَرَ حُمْرَةً إِلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ"(10).

 

وثمة مرسلة أخرى للشيخ الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام): "المرأة إذا بلغتْ خمسين سنة لم ترَ حمرة إلا أنْ تكون امرأة من قريش، وهو حدٌّ المرأة التي تيأس من الحيض"(11).

 

الوجه في البناء على الستين:

فبناءً على عدم حجيَّة الطائفة الثالثة لضعف سندها يكون التعارض بين الطائفة الأولى والطائفة الثانية مستحكِم، فالمرجع هو مرجِّحات باب التعارض، ولهذا أفاد بعضهم أنَّ الترجيح يكون في جانب الطائفة الثانية الدالة على أنَّ حدَّ اليأس يتحقَّق ببلوغ الستين، وذلك لفتوى بعض العامَّة بأنَّ حدَّ اليأس هو الخمسون سنة، ولا قائل منهم بأنَّ اليأس يكون في سنِّ الستين فتُحمل الطائفة الأولى على التقية، ويتعين العملُ بالطائفة الثانية المقتضية للبناء على أنَّ حدَّ اليأس يكون في سنِّ الستين مطلقاً للقرشية وغيرها.

 

وجهٌ آخر للبناء على ما نتيجته الستين:

ولو قيل بعدم تمامية ذلك وأنَّه لا مرجِّح لإحدى الطائفتين على الأخرى فالنتيجة هي التساقط، ويكون المرجع هو العمومات الفوقانية، وهي مقتضية لاعتبار الدم الذي تراه المرأة بين الخمسين والستين حيضاً، إذ أنَّ ذلك -كما أفاد السيد الخوئي-(12) هو مقتضى ما أفادته الروايات من أنَّ كلّ دمٍ واجدٍ لأوصاف الحيض فهو حيض، وأنَّ كلَّ ما تراه المرأة في أيام عادتها فهو حيض، فتكون النتيجة هي أنَّ حدَّ اليأس هو الستون، إذ لا ريب في حيضيَّة الدم الذي تراه المرأة قبل الخمسين، وكذلك لا ريب في عدم حيضية الدم الذي تراه بعد الستين، والشكُّ إنَّما هو فيما بين الخمسين والستين، وحيث إنَّ الروايات في ذلك متعارضة وساقطة لتعارضها عن الاعتبار لذلك يكون المرجعُ هو إطلاقات ما دلَّ على أنَّ كلَّ دمٍ تراه المرأة واجدٍ لأوصاف الحيض فهو حيض، وكلَّ ما تراه المرأة في أيّام عادتها فهو حيض، مقتضى إطلاق هذه الروايات هو البناء على حيضيَّة الدم الذي تراه المرأة فيما بين الخمسين والستين ونتيجة ذلك هو أنَّ اليأس يتحقَّق في سنِّ الستين.

 

الوجه في البناء على قول المشهور:

هذا بناءً على عدم حجيَّة الطائفة الثالثة وعمدتها مرسلة ابن أبي عمير، وأمَّا بناءً على حجيتها -كما هو الصحيح- فإنَّها صالحة لأنْ تكون شاهدَ جمعٍ بين الطائفتين الأولى والثانية، فتُحمل الطائفة الأولى التي أفادت أنَّ حَدَّ اليأس خَمْسُونَ سَنَةً على غير القرشيَّة، وتحمل الطائفة الثانية التي أفادت أنَّ حدَّ اليأس ستون سنة على خصوص القرشيَّة، بمعنى أنَّ مرسلة ابن أبي عمير تكون قرينةً على أنَّ المراد الجدِّي من الطائفة الأولى هو بيان حكم غير القرشيَّة، وقرينة على أنَّ المراد الجدِّي من الطائفة الثانية هو بيان حكم القرشيَّة، فالإطلاق في كلا الطائفتين الأولى والثانية غير مراد.

 

وببيان آخر -كما أفاد السيد الخوئي-(13) نقيِّد الطائفة الأولى الدالة بإطلاقها على أنَّ حدَّ اليأس لمطلق المرأة خمسون سنة نقيِّد هذه الطائفة بمرسلة ابن أبي عمير فتكون النتيجة هي أنَّ حدَّ اليأس للمرأة هو الخمسون إلا للقرشية، وبذلك تنقلبُ النسبة بين الطائفة الأولى بعد تقييدها والطائفة الثانية، فتصبح النسبة هي العموم والخصوص المطلق يعني أن الطائفة الأولى تكون أخص مطلقاً من الطائفة الثانية، فمفاد الطائفة الثانية هو أنَّ حدَّ اليأس ستون ومفاد الطائفة الأولى بعد تقييدها أنَّ حدَّ اليأس لغير القرشية خمسون سنة فنقيد الستين في الطائفة الثانية بغير القرشيَّة وهذا هو مذهب المشهور.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

6 / شعبان / 1444ه

27 / فبراير / 2023م

--------------------------

1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج3 / ص161.

2- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج3 / ص171، جواهر الكلام- الشيخ حسن النجفي- ج3 / ص161.

3- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج3 / ص171.

4- الكافي -الكليني- ج3 / ص107.

5- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج2 / ص336.

6- الكافي -الكليني- ج3 / ص107.

7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج2 / ص336.

8- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج2 / ص337.

9- الكافي -الكليني- ج3 / ص107.

10- الكافي -الكليني- ج3 / ص107.

11- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج2 / ص336.

12- التنقيح في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج7 / ص72.

13- التنقيح في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج7 / ص70.