معنى قوله (ع): (إِنَّ مَنْ تَعَرَّفَ بِكَ غَيْرُ مَجْهُولٍ ..)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

في المناجاة الشعبانيَّة وردت هذه الفقرة:" إِلهِي إِنَّ مَنْ تَعَرَّفَ بِكَ غَيْرُ مَجْهُولٍ .."(1).

فما هو المقصود هنا من قوله: "غَيْرُ مَجْهُولٍ"؟

 

الجواب:

يُحتمل أنَّ المراد من الفقرة المذكورة هو أنَّ مَن كان معروفاً بالإيمان الصادق بالله فإنَّه تعالى لا يتجاهله، ولا يُعرض عنه بل يكون موضعاً لتوفيقه ورعايته وحياطته ورحمته ومغفرته كما قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾(2) وكما قال جلَّ وعلا: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾(3) وذلك في مقابل المُعرِضِ عن ربِّه فإنَّه يكون منسياً بمعنى أنَّه يكون متروكاً مخذولاً كما قال تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾(4) وقوله تعالى: ﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾(5) فغير مجهول بمعنى غير منسيٍّ والذي هو تعبير آخر عن أنَّه غير مخذول وغير مجفيٍّ. 

 

وبيان ذلك: إنّه يمكن تصنيف العباد إلى صنفين:

عبدٌ أقرَّ بالعبودية لله تعالى وآمنَ به وصدَقَ في إيمانه وإخلاصه في العبوديَّة وكان متقيداً في سلوكه بأمر الله تعالى ونهيه بحيث أصبح يُعرفُ بأنَّه من أهل الإيمان والعبودية الصادقة لله تعالى فهو يعرف بالله ويُنسب إليه لشدَّة قربه وإخلاصه، مثل هذا الصنف من العباد لا يكون مجهولاً عند الله تعالى أي لا يكون منسياً مخذولاً.

 

وثمة صنف آخر لا يكون كذلك فهو مجهولٌ مخذول مُعرَض عنه ، فالمجهول في الفقرة المذكورة بمعنى المنسي المغفول عنه وهو يساوق معنى الخذلان . وغير المجهول هو الذي يكون محلاً للعناية والتوفيق والتسديد.

 

 

والاحتمال الثاني: أنَّ الباء في قوله: "تعرَّف بك" للاستعانة، فيكون المراد من الفقرة المذكورة هو أنَّ من طلب المعرفة والهداية مستعيناً بك ومن طريقك فإنَّه لا يُخذل ولا يخيب سعيُه في الوصول إلى مبتغاه، بل يحظى منك بالعناية والتوفيق لما سعى إليه من المعرفة والهداية. كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾(6) وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾(7).

 

فقوله (ع): غير مجهول تعبير كنائي يُراد منه نفي الإهمال والإغفال، فيقال مثلاً: (إحسانُ زيدٍ لي غير مجهولٍ عندي) يعني لن أُقابل إحسانه بالإهمال والتضييع بل سوف أُكافئه على إحسانه، كذلك هو معنى الفقرة المذكورة فإنَّ مفادها أنَّ مَن استعان بالله في طلب المعرفة به والهداية إليه فإنَّه لن يتمَّ تجاهلُه وتضييعُ سعيِه بل سيحظى بالعناية والمدَد من الله تعالى. فمن تعرَّف بالله واستعان به في طلب المعرفة والهداية إليه فإنَّه لن يكون مجهولاً عند الله مغفولاً عنه بل سيحظى منه بالعناية والتوفيق للهداية .

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

8 / شعبان المعظم / 1444ه

1 / مارس / 2023م

------------------------------

1- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص298.

2- سورة البقرة / 152.

3- سورة البقرة / 40.

4- سورة التوبة / 67.

5- سورة طه / 126.

6- سورة العنكبوت / 69.

7- سورة محمد (ص) / 17.