استثناء السبع آيات من كراهة قراءة الحائض للقرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

كراهة قراءة ما زاد على سبع آيات للحائض هل هو لجميع فترة الحيض أم لليوم الواحد أم للمرة الواحدة؟

الجواب:

المشهور بين الفقهاء رضوان الله عليهم هو كراهة قراءة الحائض للقرآن مطلقاً ما عدا سِوَر العزائم(1) فإنَّ قراءة شيءٍ منها محرَّمٌ على الحائض، ومعنى ذلك أنَّ الكراهة لقراءة ما عدا سور العزائم ثابتة بنظر المشهور حتى لما هو أقلَّ من سبع آيات، نعم ذهب بعض الفقهاء أنَّ الكراهة للحائض ثابتة لما زاد على سبع آيات، وبعضهم أفاد أنَّ الكراهة ثابتةٌ لِما زاد على سبعين آية(2).

مدرك استثناء السبع أو السبعين آية:

ومدركُ استثناء السبع آيات أو السبعين من الكراهة هو موثَّقة سماعة قال: سألتُه عن الجُنب هل يقرأ القرآن؟ قال: ما بينه وبين سبعِ آيات" قال: وفي رواية زرعة عن سماعة سبعين آية"(3).

إلا أنَّ الواضح من موثقة سماعة وروايته أنَّ موضوع نفي البأس أو نفي الكراهة عن قراءة السبع آيات أو السبعين هو الجُنُب، وتعديةُ الحكم المذكور من الجُنُب إلى الحائض من القياس(4) الذي هو فاقدٌ للحجيَّة عندنا نحن الإماميَّة.

وعليه فلا دليل على استثناء قراءة السبع أو السبعين من كراهة قراءة الحائض للقرآن فقراءة الحائض للقرآن مكروه مطلقاً فيما عدا سور العزائم والتي قام الدليل على حرمة قراءة الحائض لشيءٍ منها.

مستند كراهة قراءة الحائض للقرآن:

وأمَّا دليل كراهة قراءة الحائض لشيءٍ من القرآن مطلقاً -باستثناء العزائم- فهو عددٌ من الروايات وهي:

الأولى: ما رواه الشيخ الصدوق في الخصال بسندٍ معتبر عن السكوني، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: سبعة لا يقرؤون القرآن: الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمَّام والجُنُب والنفساء والحائض"(5).

الثانية: ما أورده القاضي النعمان في الدعائم قال: وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه أنَّه قال: إنا نأمر نساءنا الحُيَّض أنْ يتوضأن عند وقتِ كلِّ صلاة .. ولا يقربنَ مسجدا ولا يقرأن قرآنا"(6).

الثالثة: ما أورده في الدعائم أيضاً قال: وعن عليٍّ صلوات الله عليه أنَّه قال: "لا تقرأ الحائض قرآنا، ولا تدخل مسجدا .."(7).

فالرواية الثانية والثالثة وإنْ كانت كلٌّ منهما ضعيفة السند بالإرسال إلا أنَّ الرواية الأولى معتبرة لعدم الإشكال في سندها إلا من جهة السكوني وهو ثقةٌ ظاهراً، وبذلك تثبت كراهة قراءة الحائض للقرآن مطلقاً حتى فيما دون السبع آيات، والبناءُ على الكراهة دون الحرمة نشأ عن الجمع بين هذه الروايات ورواياتٍ عديدة معتبرة نصَّت على جواز قراءة الحائض للقرآن عدا سِوَر العزائم، فمقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين هو حمل الروايات الناهية -كمعتبرة السكوني- على إرادة الكراهة.

نعم ذهب صاحب الحدائق (رحمه الله) إلى نفي كراهة قراءة الحائض للقرآن فيما عدا العزائم وأفاد أنَّ الروايات الثلاث صادرة تقية، واستشهد على ذلك بقوله: فإنَّ العامة قد شدَّدوا في المنع، فما بين محرِّم ومكرِّه"(8) إلا أنَّ الصحيح هو أنَّه لا يُصار للحمل على التقية مع إمكان الجمع العرفي بين الروايات التي نصَّت على جواز قراءة الحائض للقرآن وبين الروايات الثلاث المذكورة.

وجهان للكراهة بناء على ضعف الروايات:

هذا لو تمَّ البناء على تماميَّة رواية السكوني سنداً وأمَّا بناءً على ضعفها فثمة وجهان لإثبات دعوى كراهة قراءة الحائض للقرآن مطلقاً حتى فيما دون السبع آيات:

الوجه الأول: هو قاعدة التسامح في أدلَّة السُنن بناءً على تماميتها وشمولها لأدلَّة الكراهة، فإذا تمَّ القبول بأنَّ القاعدة تقتضي جعل الحجيَّة لروايات الكراهة وإنْ كانت ضعيفة السند فإنَّ الروايات الثلاثة المذكورة والمقتضية لكراهة قراءة الحائض للقرآن تكون حجَّةً في إثبات الكراهة، وبذلك يثبت المطلوب.

الوجه الثاني: هو قاعدة جابريَّة الشهرة العمليَّة لدى القدماء لضعف السند، فتكون الروايات الثلاث بناءً عليها في قوَّة الروايات الصحاح من جهة صلاحيَّتها لإثبات الحكم الشرعي، وحيثُ إنَّ مشهور القدماء قد أفتوا بمضمون الروايات الثلاث لذلك يصحُّ الاستناد إليها -بناءً على القاعدة المذكورة- لإثبات الكراهة لقراءة الحائض للقرآن مطلقاً.

فإذا لم يتم القبول بكلا الوجهين، وكان البناءُ هو عدم صحَّة شيءٍ من الروايات الثلاث فالنتيجة هي جواز وعدم كراهة قراءة الحائض للقرآن مطلقاً عدا سور العزائم الأربع وذلك لسلامة الروايات المعتبرة الدالَّة على جواز قراءة الحائض لما شاءت من القرآن -عدا سور العزائم- مثل صحيحة زُرارة: قلتُ له: الحائض والجنب هل يقرءان من القرآن شيئاً؟ قال: نعم، ما شاءا إلّا السجدة"(9).

والحمد لله ربِّ العالمين

 

 

الشيخ محمد صنقور

8 / ذو القعدة / 1444ه

28 / مايو / 2023م

-----------------------------

1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج3 / ص222.

2- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج3 / ص223.

3- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج1 / ص128، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج2 / ص218.

4- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج3 / ص222.

5- الخصال -الصدوق- ص357، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص246.

6- دعائم الإسلام -القاضي النعمان المغربي- ج1 / ص128، مستدرك الوسائل -النوري- ج2 / ص26.

7- دعائم الإسلام -القاضي النعمان المغربي- ج1 / ص128، مستدرك الوسائل -النوري- ج2 / ص18.

8- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج3 / ص144، 276.

9- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج1 / ص27، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج1 / ص312.