بيض السمك المحلَّل والسمك المحرَّم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هو حكمُ بيض السمك هل هو تابع للسمك في الحليَّة والحرمة أو أنَّ بيض السمك مباحٌ مطلقاً حتى بيض السمك المحرَّم؟

 

الجواب:

الظاهر عدم الإشكال في إباحة بيض السمك المحلَّل المعبَّر عنه بالثروب تشبيهاً له بشحم البطن، وقد ادُّعي الإجماع على إباحته -كما في مستند الشيعة للنراقي-(1) وأفاد صاحب الجواهر أنَّه لم يجد خلافاً في ذلك، وأفاد بأنَّه يُمكن تحصيل الإجماع على ذلك(2).

 

وأما بيض السمك المحرَّم فالمعروف بين الفقهاء هو حرمته أيضاً، وادَّعى صاحبُ الجواهر الإجماع على حرمته لكنَّ صاحب المستند وصف الحكم بحرمة بيض السمك المحرَّم بأنَّه الأظهر الأشهر، ونسب لابن إدريس الحلِّي والعلامة في المختلف وبعض المتأخرين القول بالإباحة(4).

 

الاستدلال على حليَّة بيض السمك المحلَّل:

هذا وقد استُدلَّ للحكم بحليَّة بيض السمك المحلَّل بروايتين:

الأولى: رواية ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) إِنَّ الدَّجَاجَةَ تَكُونُ فِي الْمَنْزِلِ ولَيْسَ مَعَهَا دِيكٌ، تَعْتَلِفُ مِنَ الْكُنَاسَةِ وغَيْرِهَا، وتَبِيضُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْكَبَهَا الدِّيكُ، فَمَا تَقُولُ فِي أَكْلِ ذَلِكَ الْبَيْضِ؟ فَقَالَ لِي: إِنَّ الْبَيْضَ إِذَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُه فَلَا بَأْسَ بِه وبِأَكْلِه، وهُوَ حَلَالٌ"(5).

 

الثانية: رواية دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الشَّاةِ والْبَقَرَةِ رُبَّمَا دَرَّتِ اللَّبَنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضْرِبَهَا الْفَحْلُ، والدَّجَاجَةُ رُبَّمَا بَاضَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْكَبَهَا الدِّيكُ؟ قَالَ: فَقَالَ (ع): كُلُّ هَذَا حَلَالٌ طَيِّبٌ لَكَ، كُلُّ شَيْءٍ يُؤْكَلُ لَحْمُه فَجَمِيعُ مَا كَانَ مِنْه مِنْ لَبَنٍ أَوْ بَيْضٍ أَوْ إِنْفَحَةٍ فَكُلُّ هَذَا حَلَالٌ طَيِّبٌ ورُبَّمَا يَكُونُ هَذَا قَدْ ضَرَبَه الْفَحْلُ ويُبْطِئُ وكُلُّ هَذَا حَلَالٌ"(6).

 

أقول: الروايتان من حيثُ السند ضعيفتان لاشتمال كلٍّ منهما على الإرسال، وأمَّا من حيث الدلالة فرواية ابن أبي يعفور تكون صالحة للاستدلال بها على المطلوب لو كان عنوان البيض صادقاً عرفاً على ما يُعبَّر عنه بثروب السمك والذي هو محلُّ البحث، فما ورد في الرواية هو: "أنَّ الْبَيْضَ إِذَا كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُه فَلَا بَأْسَ بِه وبِأَكْلِه وهُوَ حَلَالٌ" وصدق عنوان البيض على ثروب السمك غير محرَز، وإنَّما يُطلق عليه عنوان بيض السمك تجوزاً، وذلك لاشتراكه مع البيض من جهة أنَّ كلاً منهما مبدأ النشوء والتكوُّن.

 

وأمَّا رواية داود بن فرقد فيُمكن التمسك بعموم قوله: "كُلُّ شَيْءٍ يُؤْكَلُ لَحْمُه فَجَمِيعُ مَا كَانَ مِنْه مِنْ لَبَنٍ أَوْ بَيْضٍ أَوْ إِنْفَحَةٍ فَكُلُّ هَذَا حَلَالٌ طَيِّبٌ" فإنَّ ثروب السمك وإنْ لم يكن بيضاً لكنَّه من السمك المحلَّل، فيكون مشمولاً لعموم قوله: "فَجَمِيعُ مَا كَانَ مِنْه .. فَكُلُّ هَذَا حَلَالٌ طَيِّبٌ" فبناءً على انجبار ضعف سند الرواية بعمل المشهور فإنَّها تكون صالحة لإثبات الحكم بحليَّة ما يُسمَّى ببيض السمك.

 

وعلى أيِّ تقدير فيكفي لإثبات حليَّة ما يسمَّى ببيض السمك الرواياتُ التي دلَّت على حليَّة السمك نفسِه، فإنَّ المستظهَر عرفاً منها هو حليَّة جميع أجزائها وما يُعدُّ من توابعها إلا ما قام الدليل الخاصُّ على حرمته، ومع عدم القبول بهذا الاستظهار فإنَّه يُمكن البناء على حليَّة ثروب السمك -وغيره ممَّا لم يقم الدليل على حرمته- استناداً لأصالة الحِل. فالصحيح هو الحكم بحليَّة ما يُسمَّى ببيض السمك المحلَّل من غير فرق بين الخشن منه والأملس.

 

الاستدلال على حرمة بيض السمك المحرَّم:

وأمَّا بيض السمك المحرَّم فاستُدلَّ على حرمته بمفهوم الشرط في رواية ابن أبي يعفور والمقتضي لكون الْبَيْض إِذَا لم يكن ممَّا يؤكل لحمُه ففيه بأس، إلا أنَّ هذا الاستدلال مبتنٍ على أنَّ ثروب السمك بيضٌ عرفاً وهو غيرُ محرَز.

 

وكذلك استُدل بمفهوم الوصف في رواية داود بن فرقد حيث ورد فيها قوله (ع): "كُلُّ شَيْءٍ يُؤْكَلُ لَحْمُه فَجَمِيعُ مَا كَانَ مِنْه .. فَكُلُّ هَذَا حَلَالٌ طَيِّبٌ" فبمقتضى مفهوم الوصف هو أنَّ كلَّ شيء لا يُؤكلُ لحمه فلا تأكله. إلا أنَّ الصحيح هو عدم ظهور الجملة الوصفيَّة في المفهوم بمعنى انتفاء طبيعي الحكم بانتفاء وصف الموضوع، نعم هي تدلُّ على انتفاء طبيعي الحكم عن الموضوع المجرَّد عن كلِّ قيد ووصف منعاً للَّغويَّة لكنَّ ذلك لا يمنع من ثبوت الحكم لذات الموضوع بوصفٍ أو قيدٍ آخر.

 

وعليه فالعمدةُ في البناء على حرمة ما يُسمَّى ببيض السمك المحرَّم هو الروايات الدالة على حرمة السمك نفسه، وذلك لظهورها في حرمة أجزائها وما يُعدُّ عرفاً من توابعها، فإنْ تمَّ ذلك وإلا فالأصل الجاري في ما يُسمَّى ببيض السمك المحرَّم هو الإباحة.

 

البيض المشتبَه اتِّخاذه من السمك المحلَّل أو المحرَّم:

ثم إنَّه وقع الكلام في فرض اشتباه البيض وأنَّه متَّخذٌ من السمك المحلَّل أو هو متَّخذ من السمك المحرَّم فقيل إنَّ تمييز المحلَّل من المحرَّم يتمُّ بملاحظة وصف البيض، فإنْ كان خشناً فهو حلال وإنْ كان أملساً فهو محرَّم، وأفاد صاحب الرياض أنَّه يظهر عدم الخلاف بين الفقهاء في ذلك(7) وكذلك المحقق النراقي، فإنَّه أفاد أنَّ ظاهر الفقهاء الاتفاق على ذلك(8) واستظهر أيضاً صاحب الجواهر ذلك من كلمات الفقهاء، وأفاد أنَّه لم يقف على خبرٍ بالتفصيل المزبور(9) فإنْ تمَّ إجماعٌ على ذلك -ولا يتم ظاهراً- وإلا كان الفرض المذكور من موارد اشتباه السمك من حيثُ إنَّه من ذوات الفلس أو من غير ذوات الفلس أو قل اشتباه السمك من جهة أنَّه من السمك المحلَّل أو هو من السمك المحرَّم. 

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

13 / ذو القعدة / 1444ه

2 / يونيو / 2023م

-----------------------------------

1- مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج15 / ص70.

2- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص262.

3- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص262. 

4- مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج15 / ص70.

5- الكافي -الكليني- ج6 / ص325، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص166.

6- الكافي -الكليني- ج6 / ص325، سائل الشيعة -الحر العاملي- ج25 / ص81. 

7- رياض المسائل -السيد علي الطبأطبائي- ج12 / ص147.

8- مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج15 / ص71.

9- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص263.