حكم الجدْي المرتضع من لبن الخنزيرة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يحرم صغير الشاة لو ارتضع من لبن خنزيرة أو لبن انثى الكلب؟ وماذا لو ارتضع من لبن حيوانٍ طاهر ولكنَّه محرَّم الأكل كالسباع؟

الجواب:

إذا ارتضع صغير الشاة من لبن الخنزيرة فتارةً يرتضع منها بمقدار ينبت من لبنها لحمُه ويشتدُّ منه عظمه، وتارة لا يكون مقدار ما ارتضعه موجباً لذلك.

الارتضاع بمقدار اشتداد العظم ونبات اللحم:

أمَّا في الفرض الأول: فالظاهر عدم وقوع الخلاف بين الفقهاء(1) في حرمة المرتضع من صغار الشاة أو البقر أو غيرهما من الحيوانات المباحة وأنَّ هذه الحرمة مؤبَّدة وغير قابلة للاستبراء، وكذلك يحرم نسلُه.

والمُستند في ذلك ما ورد في الروايات عن أهل البيت (ع):

منها: موثقة حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) وأَنَا حَاضِرٌ عِنْدَه عَنْ جَدْيٍ يَرْضِعُ مِنْ خِنْزِيرَةٍ حَتَّى كَبِرَ وشَبَّ واشْتَدَّ عَظْمُه ثُمَّ إِنَّ رَجُلاً اسْتَفْحَلَه فِي غَنَمِه فَأُخْرِجَ لَه نَسْلٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا عَرَفْتَ مِنْ نَسْلِه بِعَيْنِه فَلَا تَقْرَبَنَّه، وأَمَّا مَا لَمْ تَعْرِفْه فَكُلْه فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجُبُنِّ ولَا تَسْأَلْ عَنْه"(2)

فقوله (ع): "مَا عَرَفْتَ مِنْ نَسْلِه بِعَيْنِه فَلَا تَقْرَبَنَّه" ظاهر في حرمة لحم نسل الحيوان الذي كان قد ارتضع من لبن الخنزيرة، وكذلك هو ظاهر في حرمة لحم المرتضع نفسه بمقتضى مفهوم الموافقة المعبَّر عنه بمفهوم الأولويَّة، إذ أنَّ الارتضاع من لبن الخنزيرة إذا كان موجباً لحرمة نسل المرتضع فهو موجبٌ لحرمة لحم المرتضِع بالأولويَّة بمعنى أنَّ العرف يفهمُ من الخطاب المتصدِّي لبيان حرمة نسل المرتضع أنَّه متصدٍ لبيان حرمة لحم المُرتضِع نفسه، فدلالة الموثقة على حرمة لحم المرتضع وحرمة لحم نسله ظاهرةٌ دون إشكال. نعم لا دلالة في الموثقة على أنَّ نمو لحم المرتضع واشتداد عظمه شرط في ثبوت الحرمة، وغاية ما تدلُّ عليه الموثقة هو أنَّ الحرمة ثابتة للمرتضع الذي نبت لحمه واشتدَّ عظمه بلبن الخنزيرة ولكنَّها لا تدلُّ على نفي الحرمة عن المُرتضع في غير هذا الفرض، ولهذا لو تصدَّت روايةٌ أخرى لإفادة أنَّ موضوع الحرمة هو مطلق المرتضع من لبن الخنزيرة فإنَّها لا تكون منافية لمفاد الموثقة.

ومنها: موثقة بِشْرِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) فِي جَدْيٍ يَرْضِعُ مِنْ خِنْزِيرَةٍ ثُمَّ ضَرَبَ فِي الْغَنَمِ قَالَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجُبُنِّ فَمَا عَرَفْتَ بِأَنَّه ضَرَبَه فَلَا تَأْكُلْه ومَا لَمْ تَعْرِفْه فَكُلْه"(3).

ودلالة الموثَّقة على حرمة لحم المرتضع من لبن الخنزيرة وحرمة نسله ظاهرة وتقريب الدلالة هو ذاته التقريب السابق في موثقة حنَّان، نعم هذه الموثقة لم تفترض في المُرتضع اشتداد عظمه ونمو لحمه من لبن الخنزيرة، ولهذا قد يقال بظهورها في الإطلاق، فلا يُعتبر في حرمة المرتضع وحرمة نسله أنْ يكون الارتضاع بمقدار ينبت به لحم المرتضع ويشتدُّ به عظمه.

إلا أنَّ الصحيح هو عدم ظهورها في الإطلاق، إذ أنَّ قوله في مفروض السؤال: "يَرْضِعُ مِنْ خِنْزِيرَةٍ" ظاهرٌ في التجدَّد والاستمرار وأنَّ الارتضاع لم يكن اتفاقياً أو قليلاً وهو ما يمنع من ظهور الموثقة في الإطلاق. وذلك وحده كاف للبناء على عدم ثبوت الحرمة لما هو أوسع من مفروض موثقة حنَّان. نعم أورد الشيخ الطوسي في التهذيب(4) موثقة بِشْرِ بْنِ مَسْلَمَةَ فجاء فيها: "جدي رضع من خنزيرة" بدلاً من يرضع، فلو كانت هذه النسخة هي الصحيحة لكانت الرواية ظاهرة في الإطلاق إلا أنَّه ونظراً لعدم إحراز ما هو الصحيح من النسختين لذلك لا يكون لدينا ما يدلُّ على الإطلاق، ولهذا يكون المرجع فيما عدا المقدار الذي أفادته موثقة حنَّان هو إطلاقات ما دلَّ على إباحة الجدي ونسلِه.

ثم إن الحرمة الثابتة للمرتضع ونسله تكون مؤبَّدة بمقتضى إطلاق موثقتي حنان وبشر من جهة الزمان، ويكفي لإثبات تأبيد الحرمة عدم قيام الدليل على ارتفاعها بمضي الوقت أو بالاستبراء.

الارتضاع بما دون اشتداد العظم ونبات اللحم:

وأما الفرض الثاني: وهو ما لو ارتضع الجدي وغير من صغار الدواب المحلَّلة من لبن الخنزيرة بمقدار لم يترتَّب عليه اشتداد عظمه ونبات لحمه فذهب جمعٌ من الفقهاء -ولعلَّه المشهور-(5) إلى كراهة أكل لحمه، ونُسب لبعضهم كراهة لحم نسله أيضاً(6) وأنَّه يستحبُّ استبراؤه سبعة أيام.

والظاهر أنَّ مستندهم في ذلك هو ما ورد في معتبرة السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) سُئِلَ عَنْ حَمَلٍ غُذِّيَ بِلَبَنِ خِنْزِيرَةٍ فَقَالَ(ع): "قَيِّدُوه واعْلِفُوه الْكُسْبَ والنَّوَى والشَّعِيرَ والْخُبْزَ إِنْ كَانَ اسْتَغْنَى عَنِ اللَّبَنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ اسْتَغْنَى عَنِ اللَّبَنِ فَيُلْقَى عَلَى ضَرْعِ شَاةٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يُؤْكَلُ لَحْمُه"(7).

ولو كان ذلك هو مستندهم للبناء على الكراهة -كما هو الظاهر- فلا يتم فإنَّ المستظهَر من الأمر في الرواية بالتقييد والإطعام من العلف أو اللبن المباح هو لزوم الاستبراء المقتضي لحرمة لحم المرتضع قبل الاستبراء.

ثم إنَّ مقتضى ترك الاستفصال في الرواية -بين فرضية الاشتداد وعدمه- هو الإطلاق، فيكون مفاد الرواية هو حرمة لحم المُرتضِع من لبن الخنزيرة سواءً اشتد به عظمه أو لا، ويكون مفادها أيضاً إمكان استبرائه مطلقاً في فرض الاشتداد وعدمه.

إلا أنَّ الظاهر بقرينة موثقة حنَّان أنَّ مفروض السؤال في معتبرة السكوني هو عدم الاشتداد بمعنى أنَّ اختلاف الجواب في موثقة حنَّان عن الجواب في المعتبرة يقتضي عرفاً استظهار أنَّ مفروض السؤال في معتبرة السكوني مختلفٌ عن مفروض السؤال في موثقة حنَّان، وحيث إنَّ السؤال في موثقة حنان صريح في افتراض الاشتداد فالمتعيَّن -ظاهراً- أنَّ مفروض السؤال في معتبرة السكوني هو الارتضاع الذي لم يترتَّب عنه اشتداد العظم ونبات اللحم.

وبتعبيرٍ آخر: هو أنَّه لو أُلقيت كلٌّ من موثقة حنان ومعتبرة السكوني للعرف لاستظهر بقرينة اختلاف الجواب أنَّ مفروض السؤال في معتبرة السكوني مختلفٌ عن مفروض السؤال في موثقة حنَّان، وحيث إنَّ مفروض السؤال في موثقة حنَّان صريحٌ في فرض الاشتداد لذلك فالمستظهَر عرفاً هو أنَّ مفروض السؤال في معتبرة السكوني هو عدم الاشتداد، فعدمُ الاستفصال فيها لا يقتضي استظهار الإطلاق.

اختصاص الحرمة بالارتضاع من لبن الخنزيرة:

هذا لو ارتضع الجدي أو غيره من صغار الدواب المحلَّلة من لبن الخنزيرة، وأمَّا لو ارتضع من انثى الكلب فلم يرد نصٌّ في ذلك، ولا يصحُّ تسرية الحكم الثابت للمُرتضِع من الخنزيرة إلى المرتضع من انثى الكلب لأنَّه من القياس الباطل، فالمرجع في حكم المرتضِع من انثى الكلب هو إطلاقات ما دلَّ على إباحة الأنعام وغيرها من الدواب المحلَّلة، ومنه يُعرف حكم المرتضِع من لبن السباع وغيرها من الحيوانات المحرَّمة.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

28 / ذو القعدة / 1444ه

17 / يونيو / 2023م

----------------------------------------

1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص282.

2- الكافي -الكليني- ج6 / ص249، وسائل الشيعة- الحر العاملي- ج24 / ص161.

3- الكافي -الكليني- ج6 / ص250، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص162.

4- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج9 / ص44.

5- جامع المدارك -الخونساري- ج5 / ص158.

6- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص282.

7- الكافي -الكليني- ج6 / ص250، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص162.