نجاسة جنين الحيوان الذي لم تلجه الروح
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
ما هو حكم الجنين الذي تُسقطه الشاة أو البقرة قبل ولوج الروح فيه هل هو محكوم بالنجاسة أو الطهارة نظراً لعدم ولوج الروح فيه، وكذلك فرخ الطائر الذي يكون في البيضة؟
الجواب:
لا إشكال في نجاسة الجنين لو كان قد ولجته الروح ثم مات في بطن أمِّه قبل سقوطه، وذلك لصدق عنوان الميتة على مثله، وأمَّا لو سقط قبل أنْ تلِجَه الروح فهو -بحسب ما أفاده مشهور المتأخِّرين- محكوم أيضاً بالنجاسة بل أدُّعي الاتِّفاق على نجاسته، وادَّعى البعضُ عدم الخلاف كما أفاد ذلك السيد الحكيم (رحمه الله)(1).
مستند البناء على النجاسة:
وقد ذُكر للبناء على نجاسته وجوه عدَّة:
الوجه الأول: أنَّ السقط جزء منفصل من الحيِّ فيشمله ما دلَّ على نجاسة القطعة المبانة من الحيِّ مثل صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): مَا أَخَذَتِ الْحِبَالَةُ مِنْ صَيْدٍ فَقَطَعَتْ مِنْه يَداً أَوْ رِجْلاً فَذَرُوه فَإِنَّه مَيِّتٌ.."(2) ورواية أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّه قَالَ فِي أَلَيَاتِ الضَّأْنِ تُقْطَعُ وهِيَ أَحْيَاءٌ إِنَّهَا مَيْتَةٌ"(3) فإنَّ مثل هذه الروايات نزَّلت الجزء المنفصل من الحي منزلة الميتة، فليكن السقط الذي لم تلجه الروح كذلك حيث هو جزءٌ منفصلٌ من الحيِّ.
وأُجيب عن هذا الوجه:
أولا: بأنَّ السقط ليس من قبيل الجزء المٌبان من الحي، فهو مخلوقٌ مستقل ظرفه رحم الحيوان أو الإنسان تماماً كما هي البيضة، فهو ليس من قبيل ما تقطعه حبال الصيد من يدٍ أو رجل، وليس هو من قبيل أليات الضأن التي يتمَّ قطعها فإنَّ تلك أجزاء من الحي تمَّ بترها وأما السقط فهو خلْقٌ مستقل متكوِّن في رحم الحيوان. فلا تشمله أدلَّة نجاسة القطعة المبانة من الحي.
ثانياً: إنَّ ثمة فارقاً بين القطعة المبانة من الحيِّ الذي تصدَّت الروايات لتنزيلها منزلة الميتة وبين الجنين الذي لم تلجه الروح، فالقطعة المبانة من الحي مسبوقة بالحياة، وأما الجنين فالمفروض أنَّه لم تلجه الروح فهو ليس مسبوقاً بالحياة، وعليه فلا يُمكن التمسُّك بروايات نجاسة القطعة المبانة من الحي لإثبات نجاسة السقط الذي لم تلجه الروح، إذ لا إطلاق في الروايات يشمل مطلق ما ينفصل من الحي وإن لم يكن مسبوقاً بالحياة.
الوجه الثاني: الاستدلال بما ورد من أنَّ "ذكاة الجنين ذكاة أمِّه" وذلك بتقريب أنَّ مفاد الرواية هو أنَّ الجنين المحكوم بكونه مذكَّى هو الجنين الذي تمَّت التذكية لأمِّه، وأما الجنين الذي لم تتم التذكيةُ لأمِّه فهو غير مذكَّي أي هو ميتة، ولأنَّ السقط المنفصل من الحي لم تتم التذكية لأمِّه، إذ أنَّ أمَّه لازالت على قيد الحياة بحسب الفرض لذلك يكون هذا السقط من القسم الذي أفادت الرواية أنَّه من الميتة، فالجنين الميت بحسب مفاد الرواية على قسمين الأول ما تمَّت التذكية لأمِّه فهو محكوم بالتذكية والثاني هو الذي لم تتم التذكية لأمِّه فهو ميتة، ومفروض المسألة أنَّ السقط المنفصل من الحي من القسم الثاني فتشملُه أدلَّة نجاسة الميتة .
وأجاب السيد الخوئي (رحمه الله)(4) عن هذا الوجه بأنَّ الرواية أجنبية عن مفروض المسألة، فهي بصدد بيان حكم الجنين الميِّت بموت أمِّه، فهذا الجنين إمَّا أن تكون أمُّه قد ماتت بالتذكية ففي هذا الفرض يُحكم بتذكيته، وإمَّا أن تكون قد ماتت بغير التذكية فهو -أي جنينها- محكومٌ بكونه ميتة، فالرواية بصدد بيان حكم الجنين الذي مات بموت أمه، وليست بصدد بيان حكم الجنين الذي لم تلجه الروح ولم يكن قابلاً للتذكية في نفسه.
وبتعبير آخر: الرواية بصدد الحديث عن الجنين القابل للتذكية فهو إمَّا أن يموت بتذكية أمِّه أو يموت بموت أمِّه، ففي الفرض الأول أفادت الرواية أنَّه محكومٌ بالتذكية، وفي الفرض الثاني أفادت أنَّه محكوم بعدم التذكية، وأما الجنين الذي لم تلجْه الروح وسقط من الحي فهو غيرُ قابلٍ للتذكية، فهو خارج عن مفاد الرواية.
الوجه الثالث: أنَّ الجنين الذي سقط من بطن أمه قبل أنْ لم تلجْه الروح من مصاديق الميتة حقيقة، وذلك لأنَّ التقابل بين الموت والحياة من تقابل العدم والملكة، والمصحِّح لوصف الشيء بعدم الملكة هو قابليتُه للاتِّصاف بالملكة، فيصحُّ وصف الإنسان -الذي لم يُبصر منذُ ولادته- بالأعمى وعدم الملكة، وذلك لقابليته للملكة وهي الإبصار، فكذلك الجنين الذي لم تلجه الروح، فإنَّه وإنْ لم يكن مسبوقاً بالحياة ولكنَّ قابليته للحياة تُصحِّح وصفُه بالميتة تماماً كالأعمى غير المسبوق بالإبصار، فإنَّ المصحِّح لوصفه بالأعمى -رغم أنَّه لم يكن مسبوقاً بالإبصار- هو قابليتُه للملكة وهو الإبصار. فالجنين الذي سقط من بطن أمه قبل أن تلجه الروح ميتة حقيقة، فتشمله أدلَّة نجاسة الميتة.
وأجيب عن هذا الوجه بأنَّ موضوع أدلَّة نجاسة الميتة هو الحيوان المسبوق بالحياة فلا يشمل الذي لم تلجه الروح فهو غير مسبوق بالحياة.
وأجاب السيد الخوئي (رحمه الله)(5) عن ذلك بأنَّ هذا الجواب إنَّما يتمُّ في بعض أدلَّة نجاسة الميتة كالروايات التي تصدَّت لبيان حكم الدابَّة الميتة، والفأرة التي تقع في الماء أو الزيت إلا أنَّ ثمة أدلَّة على نجاسة الميتة يمكن التمسُّك بإطلاقها لإثبات نجاسة الميتة التي لم تلجها الروح وذلك مثل صحيحة حريز عن الصادق (عليه السلام) "كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب فاذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا توضأ منه ولا تشرب"(6) فإنَّ هذه الرواية تدلُّ على نجاسة الجيفة المُنتنة وهي تشمل بإطلاقها الجنين وتشمل كذلك المذكَّى لأنَّ كلاً منهما يُنتن فيصدق عليه عنوان الجيفة إلا أنَّه خرجنا عن الحكم بنجاسة المذكَّى بما دلَّ على طهارته فيبقى الجنين مشمولاً لإطلاق نجاسة الجيفة. وبذلك يتبيَّن حكم الفرخ فإنَّه يُعدُّ كذلك من الجيفة .
فالصحيح -كما أفاد السيد الخوئي- هو الحكم بنجاسة السقط الذي لم تلجْه الروح لكونِه من الميتة، ويتأكد ذلك بدعوى الإجماع وإن أشكل عليها السيد الحكيم (رحمه الله) بأنَّه غير محرز لعدم تعرُّض الأكثر لحكم هذه المسألة ولكنَّه أفاد بأنَّ مذاق الأصحاب والارتكاز المتشرعي يُساعد على البناء على نجاسة السقط الذي لم تلجْه الروح.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
9 / ربيع الأول / 1445ه
24 / سبتمبر / 2023م
1- مستمسك العروة الوثقى -السيد محسن الحكيم- ج1 / ص333.
2- الكافي -الكليني- ج6 / ص214.
3- الكافي -الكليني- ج6 / ص255.
4- التنقيح في شرح العروة -السيد الخوئي- ج2 / ص260.
5- التنقيح في شرح العروة -السيد الخوئي- ج2 / ص260.
6- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج1 / ص217.
7- مستمسك العروة الوثقى -السيد محسن الحكيم- ج1 / ص333.