إذا شرب الحيوان المباح خمراً حتى سكر

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

إذا شرب الحيوانُ المباح خمراً حتى سكر فهل يحرم لحمه؟

الجواب:

الظاهر أنَّه لم يختلف الفقهاء في الحكم بعدم حرمة لحم الحيوان لو شرب الخمر سواءً سكر منه أو لم يسكر(1) نعم ذهب المشهور إلى وجوب غسل لحمِه قبل أكله، وكذلك أفتى المشهور -كما أفاد صاحب الجواهر-(2) بحرمة أكل ما في جوفه بل ادَّعى البعض الإجماع على حرمة أكل ما في جوفه.

مستند المشهور:

ومستندُ المشهور في الحكم بحرمة ما في جوفه ووجوب غسْل لحمه قبل أكله روايةُ زَيْدٍ الشَّحَّامِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي شَاةٍ تَشْرَبُ خَمْراً حَتَّى سَكِرَتْ ثُمَّ ذُبِحَتْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ؟ قَالَ: لَا يُؤْكَلُ مَا فِي بَطْنِهَا"(3).

وأُورد على الاستدلال بالرواية أنَّها ضعيفة السند لاشتمال سندها على أبي جميلة المفضَّل بن صالح، وهو ممَّن نقل النجاشي تضعيف الأصحاب له في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي قال : ".. روى عنه -أي عن جابر- جماعة غمز فيهم وضُعِّفوا، منهم: عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح، ومنخل بن جميل، ويوسف بن يعقوب"(4).

وفي مقابل ذلك ذهب عددٌ من الأعلام إلى وثاقته لرواية الكثير من الأجلاء عنه، ويكفي أنَّه من مشايخ صفوان بن يحيى والبزنطي وابن أبي عمير مضافاً إلى أنَّه ممَّن وقع في أسناد تفسير القمي. وأمَّا ما نقله النجاشي من غمز وتضعيف الأصحاب له فليس ظاهراً في اتِّهامهم له بالكذب بل المرجَّح أنَّ منشأ التضعيف هو اتِّهامه بالغلو، وذلك لا يضرُّ بالوثاقة، وعليه فلا يصلحُ ما أفاده النجاشي لمعارضة ما دلَّ على توثيقه فالصحيح أنَّ الرواية معتبرة سنداً.

وأمَّا دلالتها فهي وإنْ كانت ظاهرة في حرمة ما في جوف الحيوان الذي شرب الخمر إلا أنَّ ذلك ليس على إطلاقه، فمفروض السؤال هو الشاة التي شربت الخمر حتى سكرت، وعليه فجواب الإمام (ع) بالنهي عن أكل ما في جوفها ليس ظاهراً في حرمة ما هو أوسع من هذا الفرض، ولهذا تكون دعوى حرمة ما في جوف الشاة -التي شربت خمراً- مطلقاً ليس ممَّا يمكن الاستدلال عليها بمعتبرة زيد الشحام، وكذلك فإنَّ معتبرة زيد الشحَّام لم تشتمل على ما أفاده المشهور من لزوم غسل لحمِها قبل الأكل.

الاستدلال بمرسلة السرائر:

ولذلك استدلَّ عددٌ من الأعلام(5) بما أورده ابنُ إدريس الحلِّي في السرائر بقوله: "رُويَ أنَّه إذا شرب شيءٌ من هذه الأجناس -شاة أو بقرة أو غيرهما- خمرا، ثم ذُبح جاز أكلُ لحمِه بعد أن يُغسل بالماء، ولا يجوز أكلُ شيءٍ ممَّا في بطنه، ولا استعمالُه"(6).

والمصحِّح للاستدلال بما أورده هو أنَّه عبَّر عنه بقوله: "رُويَ" فما ذكره (رحمه الله) يُعدُّ رواية -وإنْ كان الظاهر أنَّه نقلها بالمعنى- نعم هي روايةٌ مرسلة، ولذلك ادَّعى مَن استدلَّ بها أنَّها منجبِرة بعمل المشهور، حيث إنَّ مفادها مطابِقٌ لفتوى المشهور خلافاً لمعتبرة زيد الشحام، فإنَّ مفادها أخصُّ من فتوى المشهور، على أنَّها غير متصدِّية للأمر بغسل اللَّحم قبل أكله، فمستندُ المشهور هو مرسلة السرائر، وليس معتبرة زيد الشحام.

ويُمكن الجواب عن ذلك بأنَّ من غير المُحرَز استناد المشهور إلى مرسلة السرائر، فلعلَّ فتواهم بحرمة ما في جوف الحيوان مطلقاً حتى لو لم يسكر بالشرب هو أنَّهم استظهروا ذلك من الإطلاق في معتبرة زيد الشحام لأنَّ التقييد بالسكر جاء في سؤال السائل وليس في جواب الإمام (ع) وأما إيجاب غسل اللَّحم قبل أكله، فلعلَّه نشأ عن استظهارهم سرعة نفوذ الخمر في اللَّحم، لذلك أفتوا بلزوم غسله فلم ينشأ الأمر بلزوم الغسل عن الاستناد لمرسلة السرائر، وعليه فلا جابر لضعفها. والمتعيَّن هو ملاحظة ما يقتضيه ظاهر معتبرة زيد الشحام.

وحيث إنَّ معتبرة زيد الشحام خالية من الأمر بغسل اللَّحم فحينئذٍ لا دليل على وجوب غسله قبل الأكل، واستظهارُ سرعة نفوذ الخمر فيه لا شاهد عليه، على أنَّه غير موجبٍ للغسل لعدم سراية النجاسة دون المباشرة، هذا مع البناء على تحقُّقها في الباطن.

ولأنَّ الدليل في المسألة يتمحَّض في معتبرة زيد الشحام لذلك فالمتعيَّن اختصاص حرمة ما في جوف الحيوان بفرض تحقُّق السكر بالشرب كما هو مقتضى ظاهر المعتبرة، إذ لا إطلاق في المعتبرة يقتضي البناء على حرمة ما في جوفها في فرض عدم تحقُّق السكر بالشرب كما لو شربت مقداراً لا يوجب السكر في العادة أو لم يُحرَز تحقُّقه. نعم لا يختصُّ الحكم بحرمة ما في الجوف بالشاة وإنْ كان هو مورد سؤال السائل، وذلك لأنَّ العرف يُلغي خصوصيَّة عنوان الشاة ويستظهر إرادة الإطلاق، فالحكم بحرمة ما في الجوف شامل لمطلق الحيوان المباح الذي شرب خمراً حتى سكر.

ثم أنَّ قوله (ع): "لَا يُؤْكَلُ مَا فِي بَطْنِهَا" لا يختصُّ بالأمعاء والمعدة -وإنْ كان هو القدر المتيقَّن- فإنَّ عنوان ما في البطن يشملُ مطلق ما في الجوف من القلب والكبد والكليتين وغيرها فإنَّ ذلك ومثله يدخل تحت عنوان ما في بطنها.

حكم الحيوان الذي شرب بولاً ثم ذُبح:

وفي المقام مسألةٌ يتمُّ التعرُّض لها في العادة بعد البحث في مسألة حكم الحيوان الذي شرب خمراً، وهذه المسألة هي ما لو شرب الحيوان بولاً فإنَّه يجب غسل ما في بطنه قبل أنْ يؤكل كما هو المشهور بل أفاد صاحب الجواهر أنَّه لم يجد خلافاً في ذلك(7).

ومستندُ ما عليه المشهور هو ما ورد في مرسلة مُوسَى بْنِ أُكَيْلٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) فِي شَاةٍ شَرِبَتْ بَوْلاً ثُمَّ ذُبِحَتْ؟ قَالَ: فَقَالَ: يُغْسَلُ مَا فِي جَوْفِهَا ثُمَّ لَا بَأْسَ بِه، وكَذَلِكَ إِذَا اعْتَلَفَتِ الْعَذِرَةَ ومَا لَمْ تَكُنْ جَلَّالَةً والْجَلَّالَةُ الَّتِي يَكُونُ ذَلِكَ غِذَاؤهَا"(8).

فقوله (ع): "يُغْسَلُ مَا فِي جَوْفِهَا ثُمَّ لَا بَأْسَ" جملة خبرية سيقت لغرض الإنشاء كما هو واضح، فهي ظاهرة في الوجوب إلا أنَّ الإشكال في سند الرواية لكونها مرسلة لكنَّ ذلك لا يضرُّ بحجيَّتها بناءً على تماميَّة كبرى انجبار ضعف السند بعمل المشهور، واحرازُ استناد المشهور إلى المرسلة غير بعيد، إذ ليس في البين رواية أخرى تدلُّ على المطلوب.

نعم يظهرُ من كلمات المشهور -كما أفاد صاحب الجواهر-(9) أن الحكم بوجوب غسل ما في الجوف لا يختصُّ بما لو ذُبحت عقيب شربها للبول بل يجب غسل ما في الجوف حتى لو تراخى وقت الذبح عن وقت الشرب بحيث يُحرَز معه الاستحالة، وهذا المقدار غير ظاهرٍ من المرسلة لكنَّه لا يمنع من إحراز أنَّ المرسلة هي مستندُ المشهور، فلعلَّهم استفادوا الإطلاق من كلمة "ثم" في قول السائل "فِي شَاةٍ شَرِبَتْ بَوْلاً ثُمَّ ذُبِحَتْ" فاستظهروا من كلمة ثم التراخي وأنَّه يجب الغسل حتى لو تأخَّر الذبح عن شرب البول طويلاً بنحوٍ يُحرَز معه الاستحالة، فالتزامُ المشهور بوجوب غسل ما في الجوف حتى في هذا الفرض لا يدلُّ على عدم استنادهم للمرسلة.

وكيف كان فإنَّ الظاهر من المرسلة أنَّ وجوب الغسل لِما في الجوف مختصٌّ بما لو وقع الذبح بعد الشرب للبول بحيث يصدق عرفاً أنَّها شربت البول ثم ذُبحت وكذلك هو الشأن فيما لو اعتلفت من العذرة ما لم تُصبح جلالة، فإنَّ مقتضى ظاهر المرسلة هو لزوم غسل ما في جوفها قبل الأكل إذا ذُبحت بعد وقتٍ يصدق معه عرفاً أنَّها اعتلفت من العذرة ثم ذُبحت.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

10 / ربيع الأول / 1445ه

26 / سبتمبر / 2023م

---------------------

1- رياض المسائل -السيد علي الطباطبائي- ج12 / ص173.

2- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص290. 

3- الكافي -الكليني- ج6 / ص251.

4- رجال النجاشي -النجاشي- 128.

5- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص290.

6- السرائر -ابن إدريس الحلِّي- ج3 / ص97.

7- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج 36 / ص292. 

8- الكافي -الكليني- ج6 / ص252.

9- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج36 / ص292.