حكم أكل لحم الخُطَّاف

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يحلُّ أكلُ الخُطَّاف أو يحرم؟

الجواب:

اختلف الفقهاء في حكم أكل الخُطَّاف فنُسب إلى الشيخ في النهاية والقاضي ابن البراج وابن إدريس الحلِّي القول بالحرمة بل نُسب إلى ابن إدريس الحلِّي دعوى الإجماع على ذلك(1) وفي المقابل نُسب إلى الشيخ المفيد والمحقِّق الحلِّي في النافع وعامَّة المتأخِّرين وأكثر مَن سبقهم القول بالإباحة(2).

مستند القائلين بحرمة الخُطَّاف:

ومدرك القائلين بالحرمة عددٌ من الروايات:

منها: صحيحة جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ قَتْلِ الْخُطَّافِ أَوْ إِيذَائِهِنَّ فِي الْحَرَمِ فَقَالَ: لَا يُقْتَلْنَ ثم قال: قال لي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) يَا بُنَيَّ لَا تَقْتُلْهُنَّ ولَا تُؤْذِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ لَا يُؤْذِينَ شَيْئاً"(3).

والاستدلال بالرواية مبتنٍ على أنَّ النهي عن القتل يُساوق النهي عن الأكل، إذ لو كان يسوغُ أكلُ الخُطاف لم يكن قتله منهياً عنه.

إلا أنَّه قد يُجاب عن ذلك بأنَّ القتل قد يكونُ محرَّماً تكليفاً لكنَّه أنَّه لو تمَّ قتله بالتذكية عصياناً أو جهلاً لم يكن أكلُه محرَّماً، إذ لا ملازمة بين حرمة القتل تكليفاً وبين حرمة الأكل لو اتَّفق وقوعه، تماماً كما لو ذكَّى أحدُهم شاةَ غيرِه دون إذنه فإنَّه وإنْ كان قد فعل حراماً إلا أنَّ فعله لا يقتضي الحكم بحرمة أكل لحمها على المالك للشاة والمأذون في الأكل. فالنهيُ عن القتل لا يُساوق التحريم للأكل، على أنَّ مفروض السؤال في صدر الرواية هو قتل الخطَّاف أو إيذاؤه في الحرم، فلعلَّ ذلك يمنع من انعقاد الإطلاق للنهي عن قتل الخُطاف، إلا أنْ يُقال إنَّ تعليل النهي عن القتل في ذيل الرواية - وهو قوله (ع): "فَإِنَّهُنَّ لَا يُؤْذِينَ شَيْئاً" ظاهرٌ في أنَّ النهي عن القتل للخُطاف مطلقٌ وأنَّه منهيٌ عنه في الحرم وفي غير الحرم.

نعم، التعليل المذكور يصلح قرينةً على أنَّ النهي عن قتل الخُطاف ليس تحريمياً وذلك لوضوح جواز تذكية الكثير من الحيوانات الداجنة وغيرها رغم أنَّها غير مؤذية. والمُستقرَب من ظاهر الرواية هو أنَّ المنهيَّ عنه هو القتل عبثاً وليس لغرض الأكل كما لعلَّ عطف الإيذاء على القتل مشعِرٌ بذلك.

ومنها: رواية عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ رَفَعَه إِلَى دَاوُدَ الرَّقِّيِّ أَوْ غَيْرِه قَالَ بَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) إِذْ مَرَّ رَجُلٌ بِيَدِه خُطَّافٌ مَذْبُوحٌ فَوَثَبَ إِلَيْه أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) حَتَّى أَخَذَه مِنْ يَدِه ثُمَّ دَحَا بِه الأَرْضَ فَقَالَ (ع) أعَالِمُكُمْ أَمَرَكُمْ بِهَذَا أَمْ فَقِيهُكُمْ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَنَّ رَسُولَ اللَّه (ص) نَهَى عَنْ قَتْلِ السِّتَّةِ مِنْهَا الْخُطَّافُ .."(4).

وأوردها الشيخ الطوسي في التهذيب عن الحسن بن داود الرقِّي إلا أنَّه قال في ذيلها: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن قتل الستة: النحلة والنملة والضفدع والصرد والهدهد والخطَّاف"(5)

والجواب عن الاستدلال بهذه الرواية هو ما ذكرناه من أنَّ النهي عن القتل لا يُساوق الحرمة للأكل، نعم قد يُتمسَّك في الرواية لاستظهار حرمة الأكل للخطاف بما ورد فيها من أنَّ الإمام (ع) أخذ الخطاف المذبوح من يد الرجل ودحا به الأرض، فلو لم يكن الخُطَّاف محرَّمَ الأكل لكان ذلك من الإتلاف للمال.

والجواب أنَّ دحو الخُطاف المذبوح على الأرض ليس من الإتلاف للمال، فإنَّ بوسع المالك أنْ يأخذه من الأرض وينتفع به، ثم إنَّ دحوه أو رميه على الأرض لو كان اتلافاً للمال لم يكن ثمة فرقٌ بين كونه مباحاً أو محرَّما فإنَّه مالٌ على كلا التقديرين، فلو فُرض كونه محرَّماً فإنَّه يجوز الانتفاع به بغير الأكل، لذلك لا يجوز إتلافه على مالكه. فالصحيح إنَّ الرمي على الأرض ليس من الإتلاف للمال حتى يُستظهر منه الحرمة. والمستظهَر أنَّ ما فعله الإمام (ع) -بناء على الرواية - كان لغرض التنبيه على مرجوحيَّة ذبح الخطاف المشدَّدة.

ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق في العيون والعلل بسنده إلى الإمام الرضا (ع) عن أمير المؤمنين (ع) قال: ".. وقد نهى عن أكل الصرد والخُطَّاف"(6).

وهذه الرواية ظاهرة في حرمة أكل الخُطاف إلا أنَّها ضعيفةُ السند لاشتماله على بعض المجاهيل، فلا تصلح دليلاً على الحرمة.

مستند المشهور القائلين بحليَّة الخُطاف:

وأمَّا مدرك القول بحليَّة أكل لحم الخُطاف فيكفي لإثباته عدم قيام الدليل على حرمته، فمضافا إلى عدم نهوض دليلٍ خاصٍّ على الحرمة فإنّه ليس من ذوات المِخلب ولا هو من المسوخ، فيكون مشمولاً لإطلاق ما دلَّ على حلِّية ما كان رفيفُه أكثريَّاً، ومشمولاً لما دلَّ على حلَّية ما له حوصلة من الطيور، وكذلك فإنَّ ثمة عدداً من الروايات نصَّت على إباحته:

منها: موثقة عمَّار بن موسى عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يُصيب خطَّافاً في الصحراء أو يَصيده، أيأكلُه؟ قال: هو ممَّا يُؤكل، وعن الوبر يُؤكل؟ قال: لا، هو حرام"(7).

فإنَّ هذه الرواية شديدةُ الظهور في الإباحة، ودعوى أنَّ قوله: "هو ممَّا يؤكل" صيغ بنحو الاستفهام الإنكاري أو لغرض التعجُّب خلافُ الظاهر. فإنَّ السائل يستفهم عن حكم أكل الخطاف، فالمنتظَر أن يكون الجواب بالنفي أو الإيجاب وقد جاء الجواب بالإيجاب، وجاء الجواب عن أكل الوبر بالنفي.

ومنها: موثقة عمَّار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ".. وعن الخطاف؟ قال (ع): "لا باس به هو ممَّا يحلُّ اكلُه، لكن كُره لأنَّه استجار بك، ووافى منزلَك، وكلُّ طيرٍ يستجيرُ بك فأجرْه"(8).

وهذه الرواية صريحةٌ في الحكم بإباحة أكل لحم الخُطاف، نعم هي ظاهرة في كراهة أكلِه، ومثل هذه الرواية تصلحُ لتفسير المراد من النهي عن أكله، وكذلك النهي عن قتله.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

16 / ربيع الأول / 1445ه

2 / أكتوبر / 2023م

--------------------------

1- مختلف الشيعة -العلامة الحلِّي- ج8 / ص290، مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج15 / ص87.

2- مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج15 / ص87، رياض المسائل -السيد علي الطبأطبائي- ج12 / ص166.

3- الكافي -الكليني- ج6 / ص224، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج23 / ص392.

4- الكافي -الكليني- ج6 / ص223، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص148. 

5- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج9 / ص20، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص148.

6- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص148.

7- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج9 / ص21، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص148.

8- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج9 / ص81، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج3 / ص411.