ما يباح من طيور الماء

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما الذي يحلُّ من طيور البحر وما الذي يحرم؟

الجواب:

طيور البحر أو قل طيور الماء كطيور البرِّ يحلُّ منها ما كان مشتملاً على إحدى علامات الإباحة، وهي أن يكون دفيفُه أكثرياً أو تكون له قانصة أو حوصلة أو صيصة ويحرمُ منها ذوات المخلب والمسوخ إنْ وجدت وما كان صفيفُه أكثريَّا.ً

ويدلُّ على ذلك إطلاق ما دلَّ على ما يحلُّ من الطير وما يحرم فإنَّها غير قاصرةٍ عن الشمول لطيور الماء

فمن ذلك: صحيحة زُرَارَةَ أَنَّه قَالَ: سألتُ أَبِا جَعْفَرٍ (ع) فَقُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّه مَا يُؤْكَلُ مِنَ الطَّيْرِ؟ فَقَالَ: كُلْ مَا دَفَّ ولَا تَأْكُلْ مَا صَفَّ .."(1).

ومنها: موثقة سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عن أَبَي عَبْدِ اللَّه (ع): ".. وكُلُّ مَا صَفَّ وهُوَ ذُو مِخْلَبٍ فَهُوَ حَرَامٌ والصَّفِيفُ كَمَا يَطِيرُ الْبَازِي والصَّقْرُ والْحِدَأَةُ ومَا أَشْبَه ذَلِكَ، وكُلُّ مَا دَفَّ فَهُوَ حَلَالٌ .."(2).

فمقتضى إطلاق صحيحة زرارة وكذلك موثقة سماعة أنَّ ما كان من الطيور دفيفُه أكثريَّاً فهو مباح، وما كان صفيفُه أكثريَّاً فهو حرام سواءً كان من طيور البرِّ أو كان من طيور الماء.

ومنها: صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ قُلْتُ لَه: الطَّيْرُ مَا يُؤْكَلُ مِنْه؟ فَقَالَ: لَا يُؤْكَلُ مِنْه مَا لَمْ تَكُنْ لَه قَانِصَةٌ"(3).

ومنها: صحيحة زُرَارَةَ عن أبي جعفر (ع) ".. مَا كَانَتْ لَه قَانِصَةٌ فَكُلْ، ومَا لَمْ تَكُنْ لَه قَانِصَةٌ فَلَا تَأْكُلْ"(4).

فمقتضى إطلاق الصحيحتين أنَّ ما كانت له قانصة فهو مباح سواءً كان من طيور البرِّ أو كان من طيور الماء بل ورد التصريح بذلك في معتبرة مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "كُلْ مِنَ الطَّيْرِ مَا كَانَتْ لَه قَانِصَةٌ ولَا مِخْلَبَ لَه قَالَ: وسَأَلْتُه عَنْ طَيْرِ الْمَاءِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ"(5).

نعم ورد في معتبرة نجية بن الحارث قال: سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن طير الماء وما يأكل السمك منه يحلُّ؟ قال: لا بأس به كله"(6) فإنَّ ظاهر هذه المعتبرة هو إباحة مطلق طير الماء وإنْ كان مشتملاً على علامات المحرَّم من الطيور، ولعلَّه لذلك أفاد بعضُ الأعلام أنَّ الرواية محمولة على التقيَّة، إذ لا ريب في حرمة طير الماء الواجد لعلامات الطيور المحرَّمة

إلا أنَّ الصحيح عدم اقتضاء ذلك لحمل الرواية على التقيَّة، وذلك لأنَّ دلالتها على إباحة الطيور الواجدة لعلامات الحرمة إنَّما هو بالإطلاق، ولهذا يتعيَّن تفييدها بما دلَّ على أنَّ طير الماء كطير البرِّ، فما كان منه واجداً لإحدى علامات الحرمة يكون محرَّماً. وعليه فمقتضى الجمع بين المعتبرة وبين مثل معتبرة مسعدة هو أنَّ كل طيرٍ من طيور الماء فهو مباحٌ إلا أنْ يكون واجداً لإحدى علامات الحرمة كأن يكون من ذوات المخلب أو يكون صفيفه أكثرياً.

ويُحتمل أنْ يكون منشأ دعوى حمل معتبرة نجية بن الحارث على التقيَّة هو أنَّها صريحة في حليَّة طير الماء الذي يأكل السمك ولا إشكال في حرمته لأنَّه من السباع إلا أنَّ الصحيح أنَّ أكل الطير للسمك أو اللحوم لا يُصيِّره من سباع الطير، فسباعُ الطير هو ما كان له مخلب كما نصَّت على ذلك الروايات، ولذلك يحلُّ من طيور البر مثل الصُرَد رغم أنَّه يأكل العصافير(7)، فأكلُ الطير للسمك ليس من علامات الحرمة، فلا موجب لحمل الرواية على التقية.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

30 / ربيع الأول / 1445م

16 / أكتوبر / 2023م

-----------------------------

1- الكافي -الكليني- ج6 / ص247، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص152.

2-الكافي -الكليني- ج6 / ص247، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص152.

3-الكافي -الكليني- ج6 / ص247، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص150.

4- الكافي -الكليني- ج6 / ص248، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص151.

5- الكافي -الكليني- ج6 / ص247، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص151.

6- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج9/ 17، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24/ 158.

7- وفي كشف اللثام "الصرد طائر فوق العصفور يصيد العصافير، قال النضر بن شميل: ضخم الرأس ضخم المنقار، له برثن عظيم أبقع نصفه أسود ونصفه أبيض، لا يقدر عليه أحد، وهو شرير النفس شديد النفرة، غذاؤه من اللحم، وله صفير مختلف يصفر لكل طائر يريد صيده بلغته، فيدعوه إلى التقرب منه، فإذا اجتمعن إليه شد على بعضهن، وله منقار شديد، فإذا نقر واحدا قتل من ساعته وأكله، ومأواه الأشجار ورؤوس التلاع وأعالي الحصون، قيل: ويسمى المجوف، لبياض بطنه والأخطب لخضرة ظهره، والأخيل لاختلاف لونه، وقال الصنعاني: إنه يسمى السميط مصغرا" قلت: لعل شدة كراهته لكونه حينئذ شبيها بالسباع. جواهر الكلام -الشيخ محمد حسن النجفي- ج 36 / ص316.