اختصاص الاستشفاء بطين قبر الحسين (ع) دون قبور سائر الأئمة (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

من المعلوم أنَّه يجوز تناول شيئاً يسيراً -لا يزيد عن مقدار الحمَّصة- من طين قبر الإمام الحسين (ع) للاستشفاء، فهل الحكم بالجواز يشمل طين قبر النبيِّ الكريم (ص) وقبور سائر الأئمة (ع)؟

الجواب:

المشهور بين الفقهاء رضوان الله عليهم أنَّ الحكم بجواز تناول الشيء اليسير من الطين للاستشفاء مختصٌ بطين قبر الإمام الحسين (ع) فلا يشمل الحكم بالجواز طين قبر النبيِّ الكريم (ص) وقبور سائر الأئمة (ع) وذلك لإطلاق ما دلَّ على حرمة الأكل للطين ولو بمقدارٍ يسير لا يزيد على حجم الحمصة، نعم استُثني من هذا الإطلاق طينُ قبر الإمام الحسين (ع) حيث دلَّت الروايات المستفيضة على أنَّه يجوز الاستشفاء بطين قبره الشريف وذلك بتناول شيءٍ يسير منه بقصد الاستشفاء، فتكون هذه الروايات مقيِّدة لإطلاق ما دلَّ على حرمة الأكل للطين. ويبقى ما عدا طين قبر الحسين (ع) تحت إطلاق أدلَّة حرمة الأكل من الطين.

ويُؤيِّد ذلك ما أورده الشيخ الصدوق في العيون بسنده عمرو بن واقد عن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام (في حديث) أنَّه أخبره بموته ودفنه، وقال: لا ترفعوا قبري فوق أربعة أصابع مفرَّجات، ولا تأخذوا من تربتي شيئا لتبركوا به، فإنَّ كلَّ تربة لنا محرَّمة إلا تربة جدِّي الحسين بن علي عليهما السلام فإنَّ الله عزَّ وجلَّ جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا"(1).

فهذه الرواية وإنْ لم تكن نقيَّةً من حيثُ السند ولكنَّها تصلح مؤيِّداً لاختصاص الاستثناء بطين قبر الحسين (ع) وأنَّ طين قبور سائر الأئمة (ع) باقٍ تحت إطلاق أدلَّة حرمة الأكل من الطين.

نعم أورد الشيخ جعفر بن قولويه في الكامل بسنده أبي عمرو شيخ من أهل الكوفة، عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلتُ: جعلتُ فداك إنِّي رأيتُ أصحابنا يأخذونَ من طين الحائر ليستشفون به هل في ذلك شيءٌ ممَّا يقولون من الشفاء؟ قال: قال: يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال، وكذلك قبر جدِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذلك طين قبرِ الحسن وعليٍّ ومحمد، فخُذ منها، فإنَّها شفاء من كلِّ سقم وجنة ممَّا تخاف، ولا يعدلها شيء من الأشياء التي يستشفى بها الا الدعاء .."(2).

فهذه الرواية لو تمَّت سنداً لأمكن القول بدخول طين قبور سائر الأئمة (ع) تحت الاستثناء وأنَّه يجوز الاستشفاء بالأكل من طين قبور سائر الأئمة (ع) إلا أنَّ الرواية ضعيفة السند لاشتمالها على عبد الله بن عبد الرحمن الأصم وهو ضعيف كما أفاد النجاشي مضافاً لجهالة أبي عمرو الذي يروي عن أبي حمزة الثمالي، ولم يعمل بها المشهور ليدَّعى انجبارها بعملهم بل أفاد صاحب البحار رحمه الله أنَّ مفادها مخالفٌ لسائر الأخبار ولِما ذهب إليه الأصحاب(3) على أنَّه يُمكن حمل الرواية على الاستشفاء بغير الأكل بأنْ يمسح بها موضع الألم كما يُمكن أن يتمَّ الاستشفاء بها من طريق وضع مقدارٍ يسيرٍ منها في الماء أو بعض الأشربة بحيث تُستهلكُ فيه ثم يتمُّ شربُ ذلك الماء أو الشراب بقصد الاستشفاء.

ولعلَّ مما يُؤيِّد ذلك ما أورده الشيخ جعفر بن قولويه في الكامل بسنده عن محمد بن مسلم، -في حديث:- أنه كان مريضا فبعث إليه أبو عبد الله عليه السلام بشرابٍ فشربه فكأنَّما نشِط من عِقال، فدخل عليه فقال: كيف وجدتَ الشراب؟ فقال: لقد كنتُ آيسا من نفسي فشربتُه فأقبلت إليك فكأنَّما نشطت من عقال، فقال: يا محمد إنَّ الشراب الذي شربته كان فيه من طين قبور آبائي، وهو أفضل ما نستشفي به فلا تعدل به فإنَّا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى منه كلَّ خير"(4) فإنَّ الواضح من الرواية أنَّ الطين الذي اشتمل عليه الشراب كان مستهلكاً.

وخلاصة القول: إنَّ فالعمدة في البناء على حرمة الأكل من طين قبور سائر الأئمة (ع) هو إطلاقات الروايات المتضمِّنة لبيان حرمة أكل الطين، وأنَّه لم يقم دليلٌ على استثنائه كما هو الحال في طين قبر الحسين (ع) الذي قام الدليل على استثنائه من الحكم بحرمة أكل الطين، نعم يجوز الاستشفاء بطين قبور سائر الأئمة (ع) بغير الأكل كما يجوز التبرُّك به واتِّخاذه حرزاً.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

21 / ربيع الثاني / 1445ه

6 / نوفمبر / 2023م

------------------------------

1- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص96، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص529.

2- كامل الزيارات -الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه- ص470.

3- بحار الأنوار -المجلسي- ج75 / ص156، ج98 / ص127.

4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص526، كامل الزيارات -الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه- ص464.