﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ / بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّه نَحْمَدُه ونَسْتَعِينُه ونَسْتَغْفِرُه ونَسْتَهْدِيه ونَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِي اللَّه فَلَا مُضِلَّ لَه ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَه وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه انْتَجَبَه لِوَلَايَتِه واخْتَصَّه بِرِسَالَتِه وأَكْرَمَه بِالنُّبُوَّةِ أَمِيناً عَلَى غَيْبِه ورَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وصَلَّى اللَّه عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه وعَلَيْهِمُ السَّلَامُ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّه بِتَقْوَى اللَّه وأُخَوِّفُكُمْ مِنْ عِقَابِه فَإِنَّ اللَّه يُنْجِي مَنِ اتَّقَاه بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ ولَا هُمْ يَحْزَنُونَ ويُكْرِمُ مَنْ خَافَه يَقِيهِمْ شَرَّ مَا خَافُوا ويُلَقِّيهِمْ نَضْرَةً وسُرُوراً.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وإِمَامِ الْمُتَّقِينَ ورَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وصَلِّ عَلَى عليٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ووَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلِّ على السيدةِ الطاهرةِ المعصومة فاطمةَ سيدةِ نساءِ العالمين، وصلِّ أئمةِ المسلمين، الحسنِ بنِ عليٍّ المجتبى، والحسينِ بن عليٍّ الشهيد، وعليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدين، ومحمدِ بنِ عليٍّ الباقر، وجعفرِ بنِ محمدٍ الصادق، وموسى بنِ جعفرٍ الكاظِم، وعليِّ بن موسى الرضا، ومحمدِ بن عليٍّ الجواد، وعليِّ بنِ محمدٍ الهادي، والحسنِ بن عليٍّ العسكريِّ، والخَلفِ الحجَّةِ بنِ الحسنِ المهديِّ صلواتُك وسلامُك عليهم أجمعين.

اللهمَّ صلِّ على وليِّ أمرِك القائمِ المهديِّ، اللهمَّ افْتَحْ لَه فَتْحاً يَسِيراً، وانْصُرْه نَصْراً عَزِيزاً، اللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِه دِينَكَ وسُنَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّى لَا يَسْتَخْفِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ.

أمَّا بعدُ أيُّها المؤمنون:

فيقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ / بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾(1).

قبل أيام احتفلت منظمةُ الأمم المتَّحدة والمؤسَّسات الدولية بيوم الطفل العالمي وهو اليومُ الذي تمَّ اعتمادُه للتذكير بحقوقِ الطفل الأساسيَّة كحقِّه في الحياة، وحقِّه في الحماية من العنف، وحقِّه في عدم التمييز والاستغلال والابتزاز، وحقِّه في النمو، وحقِّه في رعاية أموالِه ومصالحِه، وحقِّه في الرعاية الصحيَّة، وحقِّه في التربية الصالحة، وحقِّه في التعليم، وهذه الحقوق الأساسيَّة -بقطع النظر عن سوء استغلالها والالتواء في تفسيرها من قِبل منظمات دوليَّة- هذه الحقوق قد أقرَّها الإسلامُ قبل أربعة عشر قرناً وأكَّد عليها وعاقبَ على الانتهاك لشيءٍ منها، وفرض وسائل قضائية ضامنة وصارمة لحماية هذه الحقوق والرعاية لها.

والملفتُ في هذا العام أنَّ العالم قد احتفلَ بيوم الطفل العالميِّ في الوقتِ الذي يقفُ عاجزاً عن حماية أطفال غزَّة من المجازرِ المروِّعة والإبادةِ الجماعية جرَّاء القصف الإسرائيلي الوحشي والمتعمَّد لمنازل الآمنين والمدارس والمستشفيات ومقرَّات الإيواء، وقد راح ضحيَّة هذا الاستهتارِ بالأرواح والدماء ما يزيدُ على خمسة آلاف طفلٍ غير المفقودين تحت الأنقاضِ وركامِ المباني المدمَّرة، والذين لم تختطفْ آلةُ الحربِ الصهيونيَّة أرواحَهم كان نصيبُهم منها جراحاتٍ نازفة وأطرافاً مبتورة وعاهاتٍ مستدامة، وعدد هؤلاء يشقُّ على الإحصاء، ومن أخطأتهم آلةُ الحرب من أطفال غزَّة كان حظُهم منها الرعبَ والذعر ومرارةَ الفقدِ واليُتم وقسوةَ النزوح وألمَ الجوعِ وضراوةَ الظمأ، فما من طفلٍ من أطفال غزَّة إلا ونالَه نصيبٌ من حربِ إسرائيل التي كانت تستهدفُهم بالدرجة الأولى بغية ابتزاز المقاومين والنيلِ من عزائمهم وثباتهم.

إنَّ منظمة الأمم المتَّحدة والمؤسسات المعنية تتحدَّث عن حقِّ الأطفال في التعليم والرفاه والرعاية الصحيَّة فأينَ هي من أطفال غزَّة الذين لم يُراعَ حقُّهم حتى في الحياة وحقُّهم في الاستقرار والأمن وحقُّهم في ضرورات المعاش، فلعلَّ أطفالَنا ليسوا أطفالاً بنظرهم أو لعلَّ الأطفالَ المعنيين بلزوم الرعاية لحقوقِهم هم أطفالُ الدولِ النافذة وإلا فبأيِّ سلاحٍ تُبضَّعُ أوصالُ أطفالِنا في غزَّة؟! أليس هو السلاحُ الذي تَهبُه الدولُ النافذةُ مجاناً لإسرائيل؟! ومَن يحمي هذه الدولةَ المارقة ويبعثُ بحاملات الطائرات لتسكين رَوعِها وإغرائها بالمزيد من الفتك والتدمير؟! ومَن يحول دونَ مُساءلتِها وإدانتِها على ما ترتكبُه من مجازرَ وجرائم الحرب بحقِّ الأطفال والنساء والآمنين أليست هي الدولُ النافذة التي تقودُ منظمةَ الأمم المتحدة وتتبجَّح بأنَّها الراعية لحقوق الإنسان وحقوقِ الطفل وحقوقِ المرأة، لقد فضح الصبحُ فحمةَ الدجى وتبيَّن للعالمِ حجمَ الكذبِ والنفاقِ الذي تنطوي عليه هذه الدول وأنَّها الراعيةُ للإرهاب والمثيرةُ للفوضى والمؤجِّجةُ للحروب وأنَّها لا تعرفُ معنىً للأخلاقِ والقيم وإنَّما توظِّفها لتمرير مشاريعِها الشيطانيَّة والخبيثة والله غالبٌ على أمره

أختمُ بالتنويه إلى ما يدعو إليه العلماء من اعتماد ما بين الثالث عشر من جمادى الأولى ويوم العشرينَ من جمادى الآخرة أي ما بين ذكرى استشهاد السيِّدة فاطمة (ع) وذكرى ولادتها يدعو العلماء إلى اعتماد ما بين هذين التأريخين موسماً للمرأة المسلمة تحت شعار (كفاطمةَ لعليٍّ) عليهما السلام فنظراً لما يحظى به موضوعُ الأسرة من أهميَّة بالغة في المنظور الإسلامي كونه اللبنةَ الأساس في بناءِ مجتمعٍ صالح، ونظراً للتحدِّيات الخطيرة التي تُهدِّدُ الأسرة في بنائِها واستقرارِها والتزامِها بقيم الدينِ الحنيف وضوابطِه لذلك يجدرُ بالإخوة الخطباء والمعلِّمين والمرشدين والمشاريع التعليمية والمؤسَّسات الدينية أن يتَّخذوا من هذا الموسم الشريف فرصةً لمعالجة الموضوعات المتَّصلة بالأسرة ويتَّخذوا من بيت عليٍّ وفاطمة (ع) منطلقاً لتكريس الوعي باستحقاق هذا البيت المقدَّس لأنْ يكون نموذجاً يُحتذى ومثلاً أعلى للأسرة الصالحة.

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور

9 من شهر جمادى الأولى 1445هـ - الموافق 24 نوفمبر 2023م

جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز


1- سورة التكوير / 8-9.