استحقاقُ المسلمِ الميراثَ من الكافر

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

المعروف أنَّ الأب لو مات وكان له ولد كافر فإنَّه لا يرث من أبيه المسلم شيئاً، فماذا لو انعكس الأمر فمات الولد الكافر قبل أبيه المسلم فهل يرث الأب المسلم من ولده الكافر؟

الجواب:

الذي عليه مذهبُ الإماميَّة هو أنَّ المسلم يرث من الكافر، وأمَّا الكافر فإنَّه لا يرث من المسلم سواءً كان كفره أصلياً أو طارئاً بأن كان مسلماً ثم ارتدَّ عن الإسلام قبل موت المورِّث المسلم فإنَّ الكافر في كلا الفرضين لا يرث من المسلم ولكنَّ المسلم يرث من الكافر خلافاً لما عليه مذهب العامَّة من أنَّ المسلم والكافر لا يتوارثان، فكما لا يرثُ الكافر من المسلم كذلك لا يرث المسلم من الكافر.

الدليل على استحقاق المسلم الميراث من الكافر:

وأمَّا الدليل الذي يعتمده الإماميَّة في البناء على أنَّ المسلم يرثُ من الكافر فمضافاً إلى الإجماع المحقَّق، والمحكي في الاستبصار والانتصار والتحرير والمسالك والتنقيح وظاهر الكفاية كما أفاد المحقق النراقي في المستند(1) فإنَّ الروايات عن أهل البيت (ع) في استحقاق المسلم للميراث من الكافر مستفيضة:

منها: صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) يَقُولُ: "لَا يَرِثُ الْيَهُودِيُّ ولَا النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَ، ويَرِثُ الْمُسْلِمُ الْيَهُودِيَّ والنَّصْرَانِيَّ"(2).

منها: صحيحة جَمِيلٍ وهِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّه قَالَ: فِيمَا رَوَى النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ (ص) أَنَّه قَالَ: لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ فَقَالَ: نَرِثُهُمْ ولَا يَرِثُونَّا، لأَنَّ الإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْه فِي حَقِّه إِلَّا شِدَّةً"(3).

ومنها: موثقة سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ هَلْ يَرِثُ الْمُشْرِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، ولَا يَرِثُ الْمُشْرِكُ الْمُسْلِمَ"(4).

ومنها: صحيحة أَبِي وَلَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: الْمُسْلِمُ يَرِثُ امْرَأَتَه الذِّمِّيَّةَ ولَا تَرِثُه"(5).

ومنها: صحيحة أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "لا يرث الكافر المسلم وللمسلم أن يرث الكافر إلا أن يكون المسلم قد أوصى للكافر بشيء"(6).

معالجة ما يظهر منه المنافاة للروايات المذكورة:

هذه الروايات وغيرها تدلُّ بوضوح على استحقاق المسلم الميراثَ من الكافر إلا أنَّ بإزاء ذلك رواياتٍ قد يُستظهر منها عدم استحقاق المسلم للميراث من الكافر.

منها: موثقة حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألتُه يتوارث أهل ملتين؟ قال: لا"(7).

ومنها: موثقة جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الزوج المسلم واليهودية والنصرانية أنَّه قال: لا يتوارثان"(8).

ومنها: موثقة عبد الرحمن البصري قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): قضى أمير المؤمنين عليه السلام في نصراني اختارت زوجته الاسلام ودار الهجرة: أنها في دار الاسلام لا تخرج منها وأن بضعها في يد زوجها النصراني وأنها لا ترثه ولا يرثها"(9).

والجواب أمَّا عن الرواية الأولى والثانية فيتعيَّن حمل نفي التوارث على نفيه من الطرفين بمعنى أنَّ الرواية بصدد نفي أنْ يرثَ كلٌّ منهما للآخر، ولا تنفي أن يرث أحدُ الطرفين الآخر دون العكس، فهما لا يتوارثان أي لا يتبادلان التوارث، وأمَّا أن يرث أحدُ الطرفين -خاصَّة- الآخر دون العكس فالرواية ليست بصدد نفي هذه الفرضيَّة ويؤكد هذا الفهم بل يدلُّ عليه أنَّ ثمة روايات كصحيحة جميل وهشام نفت التوارث ثم ذيَّلت ذلك بإثبات استحقاق المسلم الميراث من الكافر دون العكس فهي بصدد الشرح لما روي من أنَّه لا توارث بين أهل ملتين. فتكون هذه الروايات دالةً على أنَّ المقصود من نفي التوارث بين أهل ملَّتين هو النفي من الطرفين.

على أنَّه لو تمَّ التسليم بظهور نفي التوارث بين أهل ملتين في أنَّه كما لا يرث الكافر من المسلم كذلك لا يرث المسلم من الكافر فإنَّ أقصى ما يقتضيه ذلك هو استحكام التعارض بين هذه الطائفة من الروايات وبين ما دلَّ على أنَّ المسلم يرثُ من الكافر فالمرجع بناءً على ذلك هو مرجِّحات باب التعارض وهي تقتضي ترجيح الروايات الدالَّة على استحقاق المسلم الميراث من الكافر وذلك أولاً لموافقتها لإطلاقات الكتاب العزيز كقوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾(10) فإنَّ مقتضى إطلاقها هو استحقاق الولد ميراث أبيه سواءً كان مسلماً أو كافراً غايته أنَّ هذا الإطلاق مقيد بما دلَّ على أن الولد الكافر لا يرث من الأب المسلم فيبقى ما عدا هذا الفرض مشمولاً لإطلاق الآية.

وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ﴾(11) فإنَّ مقتضى إطلاق الآية هو استحقاق الزوج الميراث من زوجته سواء كانت مسلمة أو كافرة وسواء كان هو مسلماً أو كافراً خرجنا عن مقتضى هذا الإطلاق بما دلَّ على أنَّ الكافر لا يرث من المسلم فيبقى ما عدا هذا الفرض مشمولاً لإطلاق الآية، وعليه فمع البناء على استحكام التعارض بين الروايات يتعين ترجيح الروايات الدالة على استحقاق المسلم ميراث الكافر لموافقتها لظاهر القرآن المجيد.

وكذلك يتعيَّن ترجيح الروايات الدالة على استحقاق المسلم لميراث الكافر بمخالفة العامَّة فإنَّ ما يدلُّ على الاستحقاق موافق للعامة فيحمل على التقية بعد فرض استحكام التعارض.

وممَّا ذكرناه يتَّضح الجواب عن موثقة البصري فإنَّه بعد استحكام التعارض والبناء على أنَّها لم تبنْ منه بإسلامها يتعيَّن ترجيح الروايات الدالة على استحقاق المسلم للميراث من الكافر وذلك لمواقتها لظاهر الكتاب ومخالفتها لمذهب العامة .

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

21 / جمادى الأولى / 1445ه

6 / ديسمبر / 2023م

-----------------------------

1- مستند الشيعة -المحقق النراقي- ج19 / ص21.

2- الكافي -الكليني- ج7 / ص143، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج26 / ص13.

3- الكافي -الكليني- ج7 / ص143، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج26 / ص15.

4- الكافي -الكليني- ج7 / ص143، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج26 / ص13.

5- الكافي -الكليني- ج7 / ص143.

6- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج9 / ص372، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج19 / ص345.

7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج26 / ص16.

8- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج26 / ص16.

9- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج26 / ص17.

10- سورة النساء / 11.

11- سورة النساء / 12.