التذكية بنحرِ ما يُذبح وذبحِ ما يُنحر

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

المعروف عندنا أنَّ تذكية الإبل يكون بالنحر وهو الطعن في اللبَّة وأنَّ تذكية غير الإبل يكون بالذبح وقطع الأوداج الأربعة فماذا لو تمَّ ذبح الإبل بقصد التذكية بدل نحرها أو تمَّ نحر البقر مثلاً أو الغنم بدل ذبحها هل تقع التذكية بذلك أو لا؟

الجواب:

الظاهر أنَّه لم يقع خلاف -كما أفاد صاحب الرياض- في عدم وقوع التذكية بالذبح للإبل، وكذلك لا تقع التكية بنحر مثل البقر والغنم بل ادَّعى الشيخُ الطوسي في الخلاف وابن زهرة في الغنية وابن إدريس الحلِّي في السرائر الإجماع على ذلك كما أفاد صاحب الرياض رحمه الله وصاحب الجواهر رحمه الله(1).

ويُمكن أنْ يستدلَّ لذلك بصحيحة عَنْ صَفْوَانَ بن يحيى قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (ع) عَنْ ذَبْحِ الْبَقَرِ فِي الْمَنْحَرِ؟ فَقَالَ: لِلْبَقَرِ الذَّبْحُ، ومَا نُحِرَ فَلَيْسَ بِذَكِيٍّ"(2).

فهذه الصحيحة صريحة في نفي وقوع التذكية للبقر بالنحر وأنَّ المتعيَّن في تذكية البقر هو الذبح والذي يعني قطع الحلقوم وسائر الأوداج، نعم لا تدلُّ الرواية على عدم وقوع التذكية بالنحر لمثل الغنم فقوله(ع):"ومَا نُحِرَ فَلَيْسَ بِذَكِيٍّ" ظاهرٌ في أنَّ ما نُحر من البقر ليس بذكي، فلا دلالة في الرواية على أكثر من عدم وقوع التذكية بالنحر للبقر إلا أنْ يُتمَّم ذلك بعدم القول بالفصل.

وكذلك يمكن أنْ يستدلَّ على عدم حليَّة نحر المذبوح وذبح المنحور بمعتبرة يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي الْحَسَنِ الأَوَّلِ (ع): إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يَذْبَحُونَ الْبَقَرَ وإِنَّمَا يَنْحَرُونَ فِي اللَّبَّةِ فَمَا تَرَى فِي أَكْلِ لَحْمِهَا؟ قَالَ: فَقَالَ (ع) {فَذَبَحُوها وما كادُوا يَفْعَلُونَ} لَا تَأْكُلْ إِلَّا مَا ذُبِحَ"(3) وتقريب الاستدلال بهذه الرواية كتقريبه للرواية السابقة، وسندها وإنْ كان مشتملاً على سهل بن زياد إلا أنَّ ذلك لا يضرُّ باعتبارها.

وبذات المضمون أورد الفضل بن الحسن الطبرسي في (مجمع البيان) قال: قيل للصادق (عليه السلام): إنَّ أهل مكة يذبحونَ البقرَ في اللبَّة، فما ترى في أكلِ لحومها؟ فسكتَ هنيئة، ثم قال: قال الله تعالى:{فَذَبَحُوها وما كادُوا يَفْعَلُونَ} لا تأكلْ إلا ما ذُبح من مذبحِه"(4).

وكذلك يُستدلُّ بما أورده الصدوق في الفقيه قال: قال الصادق (عليه السلام): "كلُّ منحورٍ مذبوحٍ حرامٌ، وكلُّ مذبوحٍ منحورٍ حرامٌ"(5).

وهذه الرواية هي أظهر الروايات في الإطلاق إلا أنَّها ضعيفةٌ بالإرسال فلا تصلح لأكثر من التأييد إلا أنْ يُقال إنَّ ضعفها منجبرٌ بعملِ الأصحاب، إذ ليس في الروايات ما يُناسب فتوى المشهور بالإطلاق سوى هذه الرواية وهو ما يكشفُ عن أنَّها هي مستندهم فيما أفتوا به من عدم حليَّة ذبح المنحور ونحر المذبوح .

إلا أنَّ الصحيح هو أنَّ ذلك لا يكشف عن استنادهم -في الفتوى بالإطلاق- للرواية ليُبنى على انجبارها بعملهم، فلعلَّ منشأ الفتوى بالإطلاق هو الاستناد لصحيحة صفوان مع تتميم دلالتها بعدم القول بالفصل أو بإلغاء خصوصية البقر، ولعلَّ مستندهم هو أصالة عدم التذكية.

وكيف كان فإنَّ من المُحرز المقطوع به بمقتضى الروايات المستفيضة هو وقوع تذكية الإبل بالنحر، ووقوع تذكية سائر الحيوانات بالذبح، وأمَّا وقوع تذكية سائر الحيوانات بالنحر فلا دليل عليه، وليس ثمة إطلاق يُمكن التمسُّك به لإثبات وقوع تذكية سائر الحيوانات بالنحر فمثل قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾(6) وقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾(7) ليس في مقام البيان من جهة ما به تقع التذكية، لذلك يكفي عدم الدليل على وقوع التذكية لسائر الحيوانات بالنحر للبناء على عدم تحقُّق التذكية بالنحر، وأمَّا وقوع تذكية الإبل بالذبح فكذلك لا دليل عليه ظاهراً، فالروايات التي أفادت -مثلاً- "إِذَا فَرَى الأَوْدَاجَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ"(8) إنَّما هي بصدد بيان حكم ما تذكيته بالذبح وليست بصدد أنَّ التذكية تقع مطلقاً بالذبح، فهي ليست في مقام البيان من هذه الجهة أي أنها ليست بصدد بيان أنَّ فري الأوداج تقعُ به التذكية لمطلق الحيوان، وإنَّما هي بصدد بيان أنَّ الحيوان الذي فُرغ عن كون تذكيته بالذبح تكون تقع تذكيته بفري الأوداج، وعليه لا دليل على وقوع تذكية الإبل بالذبح وهو كافٍ للبناء على عدم وقوع التذكية بذبح الإبل.

ثم إنَّ البناء على عدم وقوع تذكية الإبل بالذبح وعدم وقوع تذكية سائر الحيوانات بالنحر هو ما تقتضيه أصالة عدم التذكية بمعنى أصالة عدم تحقُّق التذكية، للشك في تحققها للإبل بالذبح والشك في تحققها لسائر الحيوانت بالنحر.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

23 / جمادى الأولى / 1445ه

8 / ديسمبر / 2023م

----------------------------

1- رياض المسائل -السيد الطبأطبائي- ج12 / ص103، جواهر الكلام -النجفي- ج36 / ص119.

2- الكافي -الكليني- ج6 / ص228، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص14.

3- الكافي -الكليني- ج6 / ص229، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص14.

4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص15.

5- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج3 / ص329، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص15.

6- سورة المائدة / 3.

7- سورة الأنعام / 118.

8- الكافي -الكليني- ج6 / ص228.