الجلوس والأكل على مائدة يُشرب عليها الخمر

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل المحرَّم هو الجلوس على مائدةٍ يُشرب عليها الخمر أو المحرَّم هو الأكل على مائدة يُشرب عليها الخمر؟ وهل يحرم الطعام أو أنَّ المحرَّم هو الفعل "الجلوس أو الأكل"؟

الجواب:

يظهرُ من بعض الروايات أنَّ متعلَّق الحرمة هو الجلوس على مائدة يُشربُ عليها الخمر، ومقتضى ذلك هو حرمة الجلوس حتى في فرض عدم الأكل من المائدة، ويظهرُ من رواياتٍ أخرى أنَّ متعلَّق الحرمة هو الأكل على مائدةٍ يُشربُ عليها الخمر، ومقتضى ذلك هو أنَّ المكلَّف لو جلس على مائدةٍ يُشربُ عليها الخمر دون أنْ يأكلَ منها فإنَّ جلوسه لا يكون محرَّماً، نعم مقتضى كون المتعلَّق للحرمة هو الأكل هو أنَّه يحرم عليه الأكلُ على مائدةِ الخمر حتى لو كان قائماً أو مضجعاً.

متعلَّق الحرمة هو كلٌّ من الجلوس والأكل:

أمَّا ما دلَّ من الروايات على أنَّ متعلَّق الحرمة هو الجلوس فروايات عديدة منها: صحيحة هَارُونَ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) بِالْحِيرَةِ حِينَ قَدِمَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، فَخَتَنَ بَعْضُ الْقُوَّادِ ابْناً لَه وصَنَعَ طَعَاماً ودَعَا النَّاسَ، وكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) فِيمَنْ دُعِيَ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى الْمَائِدَةِ يَأْكُلُ ومَعَه عِدَّةٌ عَلَى الْمَائِدَةِ فَاسْتَسْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مَاءً فَأُتِيَ بِقَدَحٍ فِيه شَرَابٌ لَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ صَارَ الْقَدَحُ فِي يَدِ الرَّجُلِ قَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الْمَائِدَةِ فَسُئِلَ عَنْ قِيَامِه فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): مَلْعُونٌ مَنْ جَلَسَ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ جَلَسَ طَائِعاً عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ"(1).

وأمَّا الروايات التي يظهر منها أنَّ متعلَّق الحرمة هو الأكل فمثل معتبرة جَرَّاحٍ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه والْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَأْكُلُ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ"(2).

والظاهر أنَّه لا تنافي بين الطائفتين من الروايات فإنَّ كلَّ طائفة قد تصدَّت لبيان حكم فعل غير الفعل الذي تصدت الطائفة الأخرى لبيان حكمه، لذلك فمتلَّق الحرمة هو كلُّ من الجلوس والأكل، فيحرم بمقتضى الطائفة الأولى الجلوس مطلقاً أكل أو لم يأكل، ويحرمُ بمقتضى الطائفة الثانية الأكل على مائدة الخمر مطلقاً سواءً كان حين أكله جالساً أو قائماً أو مضجعاً، فمفاد كلٍّ من الطائفتين هو إثبات حكم لموضوع، لذلك لا موجب لتقييد إحداهما بالأخرى تماماً كما لو قيل يحرم ايذاء المؤمن ويحرم قذف المؤمن قإنَّه لا موجب لتقييد أحد الخطابين بالآخر بأن يقال مثلاً أنَّه يحرم إيذاؤه بالقذف دون غيره بل يتعيَّن الالتزام بحرمة الإيذاء وإن لم يكن بالقذف كما يحرم القذف وإن لم يستلزم الإيذاء.

المستظهر من معتبرة عمار حرمة المأكول:

وأما أنَّ المحرَّم هل هو الجلوس وفعل الأكل وحسب أو أنَّ الطعام يُصبح كذلك محرَّماً لكونه على مائدة يُشرب عليها الخمر؟

الظاهر من موثقة عَمَّارِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْمَائِدَةِ إِذَا شُرِبَ عَلَيْهَا الْخَمْرُ أَوْ مُسْكِرٌ فَقَالَ (ع): حُرِّمَتِ الْمَائِدَةُ"(3) هو أنَّ المأكول يُصبح كذلك محرماً حيث أُسندت الحرمة فيها إلى المائدة، وعليه فإنَّ الطعام الذي على المائدة وإنْ كان مباحاً ذاتاً ولكنَّه يُصبح محرَّماً لكونه على مائدة يُشرب عليها الخمر.

حرمة الجلوس والأكل على مائدة مطلق المسكر:

ثم إنَّ الرواية تدلُّ على أنَّ حرمة الجلوس والأكل لا تختصُّ بالمائدة التي يُشرب عليها الخمر بل تشمل مطلق المسكر، على أنَّه يمكن الاستدلال على ذلك حتى بمثل الروايات التي أفادت حرمة الأكل والجلوس على المائدة التي يُشرب عليها الخمر، وذلك بالاستعانة بالروايات التي نزَّلت مطلق المسكر منزلة الخمر، فإنَّها تقتضي ترتيب جميع آثار الخمر على مُطلق المسكر.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

26 / جمادى الأخرى / 1445هـ

8 / يناير / 2024م

-----------------------------

1- الكافي -الكليني- ج6 / ص268، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص232.

2- الكافي -الكليني- ج6 / ص268، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج24 / ص233.

3- الكافي- الكليني- ج6 / ص429، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج25 / ص374.