معنى: (اللَّه اللَّه فِي الأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما معنى قول أمير المؤمنين (ع) في وصيته "اللَّه اللَّه فِي الأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ"(1)؟

الجواب:

قوله (ع): "اللَّه اللَّه فِي الأَيْتَامِ"

أمَّا قوله (ع): " اللَّهَ اللَّهَ فِي الأَيْتَامِ" فمعناه اتقوا الله في الأيتام أو احذروا الله في الأيتام، أو اذكروا الله في الأيتام، فلفظ الجلالة مفعول به لفعلٍ محذوف تقديره اتقوا أو احذروا الله أو اذكروا الله، والغرض من التكرار التأكيد والتشديد.

ومعنى اتقوا الله في الأيتام هو أنَّه تعاملوا معهم بما تقتضيه التقوى لله تعالى، وكذلك فإنَّ معنى احذروا الله في الأيتام أنَّه تعاملوا معهم بما يناسب الحذر من سخط الله تعالى، ومعنى اذكروا الله في الأيتام هو أنَّه استحضروا ذكر الله ووصاياه حال تعاملكم مع الأيتام.

قوله (ع): "فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ"

وأمَّا قوله (ع): "فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ" فمعناه لا تُهملوا الاستدامة على إطعامهم، بأنْ تُطعموهم حيناً وتُهملوا إطعامَهم حينا آخر، يُقال أغبَّته الحمَّى إذا أصابته يوماً وعوفي منها يوماً، ويقال: شَرِبَت الإِبلُ غبَّاً إذا شربت يوماً وتركت ورود الماء يوماً، ومن ذلك ما رُويَ عن النبيِّ الكريم (ص) أنَّه قال: "زُرْ غِبّاً تَزْدَدْ حُبّاً"(2) أي لتكن زيارتك لصاحبك أو قريبك يوماً وتدع بعده يوما أو أياماً، فإنَّ ذلك أبقى للمحبَّة أو هي موجبةٌ لزيادتها، وفي مقابل إدمان الزيارة فإنَّه قد يُورث السأم والتضجُّر، وورد كذلك عن النبيِّ الكريم (ص): "أغبِّوا في عيادة المريض"(3) أي زره يوماً ودع زيارته يوماً أو أكثر خشية استثقاله.

وبعضهم أفاد أنَّ المراد من الغبِّ في الزيارة هو الزيارة في كلِّ أسبوع مرَّة . ولا يبعد عدم تعيُّن ذلك بل المقصود هو المراوحة بين الفعل والترك أي عدم المداومة ويختلف صدق ذلك باختلاف الموارد، ولعلَّ ممَّا يؤيده ما رواه الكليني في الكافي بسنده عن سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: مَرِضْتُ حَتَّى ذَهَبَ لَحْمِي فَدَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا (ع) فَقَالَ: أيَسُرُّكَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْكَ لَحْمُكَ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: الْزَمِ الْحَمَّامَ غِبّاً، فَإِنَّه يَعُودُ إِلَيْكَ لَحْمُكَ، وإِيَّاكَ أَنْ تُدْمِنَه فَإِنَّ إِدْمَانَه يُورِثُ السِّلَّ"(4) فإنَّ الظاهر من قوله (ع): "الْزَمِ الْحَمَّامَ غِبّاً" هو عدم المداومة بقرينة المقابلة بين هذه الفقرة وبين قوله (ع): "وإِيَّاكَ أَنْ تُدْمِنَه" فإنَّ الإدمان قد يصدق مع عدم الالتزام اليومي.

وعليه فمعنى: "فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ" يعني لا تُطعموهم يوماً وتتركوا إطعامهم يوماً أو أكثر بل أديموا الإطعام لهم، والمعنى الحرفي للفقرة المذكورة هو أنَّه لا تتعاهدوا أفواه اليتامى يوماً وتدعون التعاهد لها يوماً، وإنَّما استُفيد إرادة الإطعام لمناسبة ذلك للأفواه والتي هي طريق الإطعام. والظاهر أنَّ المقصود من الوصية المباركة هو الحثُّ على مطلق الرعاية للأيتام وإنَّما خصَّ الإطعام لكونه أظهرَ صوَرِ الرعاية.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

2 / شوال / 1445ه

11 / إبريل / 2024م

------------------------

1- الكافي -الكليني- ج7 / ص51.

2- المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص347.

3- النهاية -ابن الأثير- ج3 / ص336.

4- الكافي -الكليني- ج6 / ص497.