كراهة ائتمام المسافر بالحاضر والعكس

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هو حكم صلاة المسافر الذي يقصر الصلاة خلف الحاضر وكذلك العكس؟

 

الجواب:

المشهور بين الفقهاء رضوان الله عليهم هو كراهة ائتمام المسافر بالحاضر وكذلك العكس، ونسب صاحب الجواهر للشيخ في الخلاف وظاهر الغنية أو صريحها الإجماع على الكراهة (1) وفي مقابل ما عليه المشهور نُسب إلى الشيخ علي بن بابويه وابنه الشيخ الصدوق رحمهما الله تعالى القول بعدم جواز ائتمام المُتمِّ بالمقصِّر وكذلك العكس، ويظهر من كلمات بعض الأعلام البناء على كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر دون العكس.(2)

 

ومستند البناء على الكراهة التي ذهب إليها المشهور روايتان:

الأولى: صحيحة أبي بصير المرادي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "لا يصلِّي المسافر مع المقيم، فإنْ صلَّى فلينصرفْ في الركعتين"(3)

 

ودلالتها على المطلوب ظاهرة، فإنَّ قوله (ع): "لا يصلِّي المسافر مع المقيم" وإن كان يقتضى بدواً الظهور في نفي الصحَّة إلا أنَّ قوله (ع) بعد ذلك: "فإنْ صلَّى فلينصرفْ في الركعتين" قرينة بيِّنة على عدم إرادة نفي الصحة من الفقرة الأولى وأنَّ المراد منها هو النهي المحمول على الكراهة. نعم لا تدلُّ هذه الرواية على أكثر من كراهة ائتمام المسافر بالحاضر دون العكس.  

 

الثانية: صحيحة أبي العباس الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لا يؤم الحضريُّ المسافر، ولا المسافر الحضري، فإنْ ابتلى بشيءٍ من ذلك فأمَّ قوماً حاضرين، فإذا أتمَّ الركعتين سلَّم ثم أخذ بيد بعضهم فقدَّمه فأمَّهم، وإذا صلَّى المسافر خلف قومٍ حضور فليتمَّ صلاته ركعتين ويسلِّم، وإنْ صلَّى معهم الظهر فليجعل الأوليين الظهر والأخريين العصر"(4)

 

ودلالة هذه الرواية ظاهرة أيضاً في المطلوب، فإنَّ قوله (ع): لا يؤم الحضريُّ المسافر، ولا المسافر الحضري" وإنْ كان يقتضي بدواً الظهور في نفي الصحَّة إلا أنَّ قوله (ع) بعد ذلك: "فإنْ ابتلى بشيءٍ من ذلك فأمَّ قوماً حاضرين.." قرينة على عدم إرادة نفي الصحة وأنَّ المراد من قوله : "لا يؤم الحضري المسافر.." هو النهي المحمول على الكراهة والمرجوحيَّة لوضوح عدم الحرمة التكليفية، إذ لو كانت الحرمة ثابتة لكان ذلك مقتضيا لعدم الصحَّة والحال أنَّ الرواية شديدة الظهور في الصحَّة. على أنَّ المسألة من المسائل الابتلائية خصوصا في ائتمام المسافر بالحاضر فلو كان الائتمام في هذا الفرض محرماً تكليفاً لشاع وذاع.

 

هذا مضافاً إلى ما نصَّت روايات عديدة من جواز ائتمام المسافر بالمقيم

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : "إذا صلَّى المسافر خلف قومٍ حضور فليتمَّ صلاته ركعتين، ويُسلِّم، وإنْ صلَّى معهم الظهر فليجعلْ الأولتين الظهر والأخيرتين العصر " (5) 

فإنَّ ظاهر الرواية هو الفراغ عن الجواز والتصدِّي إنَّما هو لبيان كيفيَّة ائتمام المسافر بالحاضر.

 

ومنها: صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) فِي الْمُسَافِرِ يُصَلِّي خَلْفَ الْمُقِيمِ؟ قَالَ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ويَمْضِي حَيْثُ شَاءَ" (6)

 

وكذلك فإنَّ هذه الرواية ظاهرةٌ في فراغ السائل عن أصل الجواز وإنَّما يسأل عن كيفية ائتمام المسافر بالمقيم والإمام (ع) أقرَّه على فراغه من الجواز وتصدَّى لجوابه عن كيفيَّة الائتمام.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

7 شوال 1445ه

16 إبريل 2024م

--------------------

1-جواهر الكلام - الشيخ حسن النجفي- ج13/ 377.

2-الحدائق الناضرة- الشيخ يوسف البحراني- ج11/ 154. جواهر الكلام - الشيخ حسن النجفي- ج13/ 377.

3- تهذيب الأحكام- الطوسي- ج3/ 165. وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج8/ 329.

4- تهذيب الأحكام- الطوسي- ج3/ 164. وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج8/ 330.

5- وسائل الشيعة - الحر العاملي- ج8/ 329. 

6-الكافي- الكليني- ج3/ 439. وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج8/ 329.