موقف المأموم الواحد إلى يمين الإمام

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

في صلاة الجماعة إذا كان المأموم واحداً رجلاً هل يتعيَّن وقوفه إلى يمين الإمام أو يصحُّ منه الوقوف خلفه؟

 

الجواب:

المشهور بين الفقهاء رضوان الله عليهم هو استحباب وقوف المأموم الرجل إذا كان وحده إلى يمين الإمام ويصحُّ منه الوقوف خلفه ونُسب إلى الشيخ الطوسي في الخلاف دعوى الإجماع على ذلك وكذلك هو منسوب إلى غيره من الأعلام كما أفاد صاحب الجواهر(1) وفي مقابل ما عليه المشهور نُسب إلى ابن الجنيد القول بوجوب وقوف المأموم الواحد على يمين الإمام وأنَّه لو خالف بطلت صلاته(2) وذهب إلى القول بالوجوب صاحب الحدائق رحمه الله (3) واستند في ذلك إلى ظهور الروايات في تعيُّن وقوف المأموم الواحد إلى يمين الإمام وليس في المقابل -كما أفاد- ما يوجب رفع اليد عما يقتضيه هذا الظهور، فالروايات المتصدية لبيان حكم هذا الفرض عديدة:

 

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) "قال: الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه، يقوم عن يمينه، فإنْ كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه"(4).

 

فهذه الرواية متصدِّية لبيان الكيفية التي تكون عليها صورة صلاة الجماعة إذا كان المأموم واحداً وقد أفادت أنَّه يكون بحذائه من جهة يمينه وحيث لم يذكر الإمام (ع) كيفية أخرى لهذا الفرض فذلك يقتضي تعيُّن هذه الكيفيَّة.

 

وبذات التقريب يُمكن أن يقرَّب به الاستدلال بما رواه الصدوق بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: "أنَّه سئل عن الرجل يؤم الرجلين؟ قال يتقدمها ولا يقوم بينهما. وعن الرجلين يصليان جماعة؟ قال: نعم يجعله عن يمينه"(5) فإنَّ الكيفيَّة التي أفادها الإمام (ع) حين يكون المأموم واحداً هو القيام عن يمين الإمام وذلك يقتضي التعيُّن.

 

ومنها: صحيحة زُرَارَةَ قَالَ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه ع مَا يَرْوِي النَّاسُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَه بِخَمْسٍ وعِشْرِينَ صَلَاةً فَقَالَ صَدَقُوا فَقُلْتُ الرَّجُلَانِ يَكُونَانِ جَمَاعَةً فَقَالَ نَعَمْ ويَقُومُ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ"(6).

 

ومنها: موثّقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام): "أنّه كان يقول: المرأة خلف الرجل صفّ، ولا يكون الرجل خلف الرجل صفّاً، إنّما يكون الرجل إلى جنب الرجل عن يمينه"(7).

 

وهذه الرواية لعلَّها أصرح ممَّا سبق في تعيُّن وقوف المأموم الواحد إلى يمين الإمام، وذلك لأنَّها نفت أولاً أن يكون الرجل خلف الرجل صفاً وهو ظاهر في نفي المشروعيَّة ثم حصرت الكيفية في هذا الفرض بقيام الرجل إلى يمين الرجل وهو ظاهر في التعيُّن.

 

وثمة روايات أخرى عديدة متصدَّية لإفادة أنَّ الكيفية التي تكون عليها صورة صلاة الجماعة في فرض كون المأموم واحدا هي وقوف المأموم إلى يمين الإمام بحذائه فهي ظاهرة في تعيُّن هذه الكيفية ورفع اليد عن هذا الظهور -كما أفاد السيد الخوئي(8)- يحتاج إلى دليل. إذ أن العبادات توقيفية فحيث لم تنص الروايات على مشروعيَّة غير هذه الكيفية لذلك تكون هي المتعيِّنة.

 

نعم قد يُستدلُّ على استحباب قيام المأموم الواحد إلى يمين الإمام وعدم لزوم ذلك بصحيحة الحسين بن سعيد: "أَنَّه أَمَرَ مَنْ يَسْأَلُه عَنْ رَجُلٍ صَلَّى إِلَى جَانِبِ رَجُلٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِه وهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ وهُوَ فِي صَلَاتِه كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ: يُحَوِّلُه عَنْ يَمِينِه"(9).

 

فإنَّ هذه الرواية ظاهرة في صحة وقوف المأموم إلى يسار الإمام غايته أنَّ الوقوف إلى يمين الإمام أفضل ولذلك جاء الأمر بتحويله إلى يمينه، ولو كان الوقوف إلى يمين الإمام واجباً لكان ذلك مقتضياً للحكم ببطلان الصلاة وذلك لوقوع شطراً من صلاة المأموم إلى يسار الإمام بحسب مفروض الرواية فالأمر بتحويله وعدم الحكم ببطلان الصلاة يدلُّ على أن الوقوف إلى جهة اليمين مستحبٌّ وليس واجباً.

 

وذات المضمون ورد في رواية الحسين بن يسار المدائني أنَّه سمع من يسأل الرضا (عليه السلام) عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم ثم علمت وهو في الصلاة كيف يصنع؟ قال: يحوله عن يمينه"(10).

 

وأورد السيِّد الخوئي رحمه الله (11) على الاستدلال بالروايتين بما حاصله أنَّ أقصى ما تدلان عليه هو جواز وقوف المأموم الواحد إلى يسار الإمام وأنَّه مخير بين الوقوف إلى يمينه والوقوف إلى يساره وإن كان الوقوف إلى جهة اليمين أفضل لكنهما لا تدلان على صحة الوقوف خلف الإمام ليقال أن ذلك منافٍ لما نصَّت عليه الروايات من أن الوقوف خلف الإمام مختص بفرض تعدد المأموم فيكون ذلك مقتضياً للجمع بينها وبين الروايات الدالة على الأمر بوقوف الواحد إلى جهة اليمين على الاستحباب.

 

وبتعبير آخر: إنَّ صحيحة الحسين بن سعيد وكذلك رواية المدائني لا تنافيان ما دلَّ من الروايات على أنَّ الوقوف خلف الإمام مختصٌّ بالمتعدِّد، وذلك لأنَّ أقصى ما تدلُّ عليه الروايتان هو جواز وقوف المأموم الواحد إلى يسار الإمام، ولا دلالة فيها على جواز الوقوف خلفه ليكون مقتضى الجمع بينهما وبين الروايات التي أفادت أنَّ الوقوف خلف الإمام مختصٌّ بالمتعدِّد هو الحكم باستحباب الوقوف إلى يمين الإمام وجواز الوقوف خلفه.

 

ومحصَّل القول: إنَّ الروايتين لا تدلَّان على أكثر من صحَّة وقوف المأموم الواحد إلى يسار الإمام لذلك فهما لا تصلحان لرفع اليد عن ظهور الروايات في عدم صحة وقوف الواحد خلف الإمام.

 

هذا وقد استُدلَّ على الاستحباب بما رواه الصدوق بإسناده عن موسى بن بكر أنَّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصف وحده؟ قال: لا بأس إنَّما يبدو الصف واحد بعد واحد "(12).

 

فقد استُدلَّ على عدم تعيُّن وقوف المأموم الواحد إلى يمين الإمام بإطلاق نفي البأس عن وقوف الرجل في الصفِّ وحده فهو يشمل ما لو كان ثمة صفٌّ متقدِّم من المأمومين كما يشمل فرض كونه المأموم الوحيد، فإذا صحَّ بمقتضى الرواية أن يقف في صفٍّ وحده دلَّ ذلك على أنَّ المقصود من الأمر في الروايات السابقة بقيام المأموم الواحد إلى يمين الإمام هو الاستحباب.

 

إلا أنَّ الصحيح -بقطع النظر عن سند الرواية- هو أنَّها أجنبيَّة عن محلِّ البحث، فمفروض الرواية ظاهراً هو قيام المأموم وحده في صفٍّ مستقل وعدم دخوله ضمن الصف المتقدم اختياراً أو لعدم وجود متسع في الصفِّ المتقدِّم، فهي غير متصدِّية لبيان حكم ما لو كان المأموم واحداً والذي لا تنعقد الجماعة إلا به بل هي بصدد البيان لحكم مَن جاء وصلاة الجماعة قائمة أو جاء وصلاة الجماعة ستنعقد بدونه فهل يصحُّ منه القيام في صفٍّ وحده أو يتعيَّن عليه الوقوف ضمن الصفوف القائمة، فكان الجواب هو نفي البأس عن القيام في صفٍّ وحده. ويُؤكد أنَّ ذلك هو مفروض السؤال التعبير عن قيامه وحده بالصف، إذ لا معنى للتعبير عن قيامه وحده بالصف لولا وجود صفٍّ متقدِّم.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

9 / شوال / 1445ه

18 / أبريل / 2024م

----------------------

1- جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج13 / ص247.

2- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج11 / ص90.

3- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج11 / ص90.

4- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج3 / ص26، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج8 / ص341. 

5- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص385، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج8 / ص297.

6- الكافي -الكليني- ج3 / ص371، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج8 / ص296.

7- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج8 / ص344.

8- المستند في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج17 / ص393

9- الكافي -الكليني- ج3 / ص387، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج8 / ص344.

10- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج3 / ص26، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج8 / ص345.

11- المستند في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج17 / ص393.

12- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص389، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج8 / ص406.