توفير الشعر لمَن أراد الحجَّ هل يشمل اللِّحية

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

استحباب توفير الشعر لمَن أراد الحج هل يختصُّ بشعر الرأس أو يشملُ شعر اللِّحية؟

 

الجواب:

المشهور -ظاهراً- بين الفقهاء(1) أنَّ استحباب توفير الشعر بدخول ذي القعدة لمَن أراد الحجَّ يختصُّ بشعر الرأس دون اللِّحية، ويدلُّ على ذلك مثل صحيحة الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الرَّجُلِ يُرِيدُ الْحَجَّ أيَأْخُذُ مِنْ رَأْسِه فِي شَوَّالٍ كُلِّه مَا لَمْ يَرَ الْهِلَالَ قَالَ لَا بَأْسَ مَا لَمْ يَرَ الْهِلَالَ"(2).

 

نعم يظهر من العديد من الروايات الإطلاق:

منها: صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ:"أَعْفِ شَعْرَكَ لِلْحَجِّ إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ ذِي الْقَعْدَةِ ولِلْعُمْرَةِ شَهْرا"(3).

 

ومنها: صحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ - شَوَّالٌ وذُو الْقَعْدَةِ وذُو الْحِجَّةِ، فَمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَفَّرَ شَعْرَه إِذَا نَظَرَ إِلَى هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ، ومَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَفَّرَ شَعْرَه شَهْراً"(4).

 

ومنها: موثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)، قال: "خذ من شعرِك إذا أزمعت على الحجِّ شوال كلّه إلى غرَّة ذي القعدة"(5).

 

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قا: لا تأخذ من شعرك وأنت تريد الحج في ذي القعدة ولا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة"(6).

 

مناقشة ظهور الروايات في الإطلاق:

فهذه الروايات وما يقرب من مدلولها قد يُتمسَّك بها لإثبات دعوى شمول استحباب التوفير لشعر اللِّحية كما هو مقتضى إطلاق الأمر بإعفاء الشعر، وإطلاق النهي عن الأخذ من الشعر خصوصاً وأنَّ الروايات التي خصَّت الأمر بتوفير شعر الرأس لا تُنافي الأمر بتوفير مطلق الشعر، مضافاً إلى أنَّ الأمر الاستحبابي بالموضوع أو المتعلَّق الضيِّق لا يصلح لتقييد الأمر الاستحبابي بالموضوع الواسع وأنَّ الجمع العرفي بينهما يقتضي الحمل على تعدُّد المطلوب والتفاوت في الفضل، فيكون توفير شعر الرأس أفضل، وأفضلُ منه توفير شعر كلٍّ من الرأس واللِّحية.

 

إلا أنَّ هذا البيان يتمُّ لو كانت الروايات ظاهرةً في الإطلاق، لكنَّها ليست كذلك -كما أفاد السيد الخوئي (7)- فالرواياتُ المذكورة وإنْ أمرت بإعفاء الشعر الصادق على شعر اللِّحية إلا أنَّ ثمة ما يمنعُ من انعقاد ظهورها في الإطلاق، وهو أنَّ المستظهَر من الأمر بإعفاء الشعر هو كونُ ذلك مقدِّمة للحلق في الحج، والحلقُ إنَّما هو لشعر الرأس دون اللحية، ويؤكِّد ذلك أنَّ أحداً لم يفهم من الأمر بإعفاء الشعر شموله لمطلق شعر الجسد رغم تناول لفظ الشعر له، فذلك يُعبِّر عن أنَّ المتفاهم من الأمر بإعفاء الشعر هو ما يكون مقدَّمةً للحلق في الحج وهو شعرُ الرأس، فإنْ تمَّ اقتضاء هذه القرينة لاستظهار إرادة خصوص شعر الرأس من الأمر بإعفاء الشعر وإلا فلا أقلَّ من صلاحيتها للقرينيَّة، وهو ما يمنع من ظهورها في الإطلاق. وذلك كافٍ للبناء على عدم ثبوت استحباب الإعفاء لغير شعر الرأس.

 

ما يُمكن الاستدلال به على الشمول لشعر اللحية:

هذا وقد يُستدلُّ على شمول استحباب التوفير لشعر اللِّحية بروايتين:

الأولى: رواية سَعِيدٍ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "لَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ إِذَا رَأَى هِلَالَ ذِي الْقَعْدَةِ وأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ رَأْسِه ولَا مِنْ لِحْيَتِه"(8) وهي صالحة من حيث الدلالة على كراهة الأخذ من اللِّحية واستحباب توفيرها لكنَّها ضعيفة السند بسبب الإرسال.

 

الثانية: رواية أبي الصباح الكناني قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يُريد الحجَّ أيأخذُ شعره في أشهر الحج؟ فقال: لا، ولا من لحيته، لكن يأخذ من شاربه، ومن أظفاره وليُطل إن شاء"(9).

 

وهذه الرواية صالحة كذلك من حيث الدلالة على كراهة الأخذ من اللِّحية واستحباب توفيرها إلا أنَّها غير نقية السند لاشتماله على محمد بن الفضيل وهو ضعيف بحسب ما أفاده الشيخ في رجاله(10) نعم تكون الرواية تامَّةً سنداً لو كان المراد من محمد بن الفضيل هو محمد بن القاسم بن الفضيل -الثقة- نسبة إلى جده إلا أنَّ حمل ابن الفضيل على إرادة محمد بن القاسم بن الفضل خلاف الظاهر، ولا أقل من عدم إحراز من هو المراد من ابن الفضل هل هو الضعيف أو الثقة، ولذلك تكون الرواية ساقطة عن الاعتبار سنداً فلا تصلحُ لإثبات حكمٍ شرعي. نعم يصحُّ التمسُّك بها لإثبات الاستحباب -كما أفاد السيد الخوئي(11)- بناءً على تماميَّة قاعدة التسامح في أدلَّة السُّنن وهي غير تامَّة. نعم يحسن الالتزام بتوفير شعر اللِّحية مضافاً لتوفير شعر الرأس.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

25 / ذو القعدة / 1445ه

3 / يونيو / 2024م

2- الكافي -الكليني- ج4 / ص317، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج12 / ص319.

3- الكافي -الكليني- ج4/ 318 / ص، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج12 / ص317.

4- الكافي -الكليني- ج4 / ص317، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج12 / ص316.

5- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج5 / ص47، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج12 / ص316.

6- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج5 / ص46، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج12 / ص315.

7- المعتمد في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج 27 / ص351.

8- الكافي -الكليني- ج4 / ص318.

9- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج5 / ص48، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج12 / ص320.

10- الأبواب (رجال الطوسي) -الشيخ الطوسي- ص343

11- المعتمد في شرح العروة الوثقى -السيد الخوئي- ج27 / ص352.