قتل المحرم للبق والبعوض والبرغوث

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل يجوز للمحرم قتل مثل البعوض والبقِّ والبراغيث؟

 

الجواب:

وقع الخلاف بين الفقهاء في ذلك(1) واستُدلَّ على حرمة قتلها حال الإحرام بصحيحة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: إِذَا أَحْرَمْتَ فَاتَّقِ قَتْلَ الدَّوَابِّ كُلِّهَا إِلَّا الأَفْعَى والْعَقْرَبَ والْفَأْرَةَ .."(2) فإنَّ عنوان الدوابِّ يشمل مثل البعوض والبق والبراغيث وشبهها، وكذلك يمكن الاستدلالُ على الحرمة بصحيحة زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع): هَلْ يَحُكُّ الْمُحْرِمُ رَأْسَه ويَغْتَسِلُ بِالْمَاءِ؟ قَالَ: يَحُكُّ رَأْسَه مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَ دَابَّةٍ.."(3) 

 

وفي مقابل ذلك استدل القائلون بالجواز بعددٍ من الروايات

الأولى: رواية ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْبُرْغُوثِ والْقَمْلَةِ والْبَقَّةِ فِي الْحَرَمِ"(4).

 

وهذه الرواية مضافاً لكونها مرسلة فإنَّ موضوع نفي البأس عن قتل المذكورات هو الحرم والبحث إنَّما هو عن قتلها حال الإحرام فلا تصلح هذه الرواية لمعارضة مثل: "إِذَا أَحْرَمْتَ فَاتَّقِ قَتْلَ الدَّوَابِّ كُلِّهَا".

 

الثانية: رواية زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (ع) قَالَ سَأَلْتُه عَنِ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الْبَقَّةَ والْبُرْغُوثَ إِذَا أَرَادَاه قَالَ نَعَمْ"(5).

 

ولا إشكال في سند الرواية إلا من جهة سهل بن زياد فبناء على عدم ثبوت وثاقته تكون الرواية فاقدة للاعتبار، وأما من جهة الدلالة فهي لا تصلح لإثبات جواز قتل المحرم للبقَّة والبرغوث مطلقاً، نعم هي ظاهرة في جواز قتلهما في فرض إرادتهما للمحرم بالإيذاء، فذلك هو مفروض السؤال والجواب، إلا أن يصح ما ورد في بعض النسخ -كما في الوسائل- من أنَّه قال: "سَأَلْتُه عَنِ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الْبَقَّةَ والْبُرْغُوثَ إِذَا رآه" لكن الظاهر أنَّ الصحيح هو ما ورد في نسخ الكافي ولا أقل من عدم إحراز ما هو الصحيح من النسخ فلا يصح لذلك الاستدلال بالرواية على جواز القتل مطلقاً.

 

الثالثة: رواية محمد بن إدريس في ( آخر السرائر ) نقلا من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن جميل قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقتل البقة والبراغيث إذا أذاه؟ قال نعم"(6).

 

والرواية من حيث السند ضعيفة للجهل بطريق ابن إدريس إلى كتاب نوادر البزنطي، وأما من جهة الدلالة فهي لا تصلح لإثبات حرمة قتل المحرم للبقَّة والبراغيث مطلقاً، فمفروض السؤال هو قتلها في حال إيذائها للمحرم.

 

وبذلك يتبيَّن أنَّه لا موجب لرفع اليد عمَّا دلَّ على عدم جواز قتل الدوابِّ كلِّها إلا أن تقصده بالإيذاء، ورغم ذلك فالأحوط عدم قتل مثل البقِّ والبرغوث في فرض الإيذاء، والاكتفاء بدفعها عن نفسِه.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

2 / ذو الحجَّة / 1445ه

9 / يونيو / 2024م

------------------

1- الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف- ج15 / ص159.

2- الكافي -الكليني- ج4 / ص363، وسائل الشيعة -الحرِّ العاملي- ج12 / ص444.

3- الكافي -الكليني- ج4 / ص366، وسائل الشيعة -الحرِّ العاملي- ج12 / ص534.

4- الكافي -الكليني- ج4 / ص364، وسائل الشيعة -الحرِّ العاملي- ج12 / ص542.

5- الكافي -الكليني- ج4 / ص364، وسائل الشيعة -الحرِّ العاملي- ج12 / ص542.

6- وسائل الشيعة -الحرِّ العاملي- ج12 / ص540.