يوم عرفة وعيد الأضحى وفضل الأضحية

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين، اللّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ المُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغِيثُ المَكْرُوبَ، وَتُشْفِي السَّقِيمَ، وَتُغْنِي الفَقِيرَ، وَتَجْبُرُ الكَسِيرَ، وَتَرْحَمُ الصَّغِيرَ، وَتُعِينُ الكَبِيرَ، وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهِيرٌ، وَلا فَوْقَكَ قَدِيرٌ، وَأَنْتَ العَلِيُّ الكَبِيرُ، يا مُطْلِقَ المُكَبَّلِ الأسِيرِ، يا رازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، يا عِصْمَةَ الخائِفِ المُسْتَجِيرِ، يا مَنْ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا وَزِيرَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما مُحَمَّدٌ أَهْلٌ لِذلِكَ مِنْكَ يا عَظِيمُ، فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ المُنْتَجَبِينَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ، وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنّا، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً (ص) عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

عباد الله أُوصيكم ونفسي بتقوى الله والأخذ بهديه، واعلموا أنَّ خيرَ العباد مَن يجتمع فيه خمس خصال: إذا أحسنَ استبشر، وإذا أساءَ استغفر، وإذا أُعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا ظُلم غفر.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وإِمَامِ الْمُتَّقِينَ ورَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وصَلِّ عَلَى عليٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ووَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وصلِّ على السيدةِ الطاهرةِ المعصومة فاطمةَ سيدةِ نساءِ العالمين، وصلِّ أئمةِ المسلمين الحسنِ بنِ عليٍّ المجتبى، والحسينِ بن عليٍّ الشهيد، وعليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدين، ومحمدِ بنِ عليٍّ الباقر، وجعفرِ بنِ محمدٍ الصادق، وموسى بن جعفرٍ الكاظم، وعليِّ بن موسى الرضا، ومحمدِ بن عليٍّ الجواد، وعليِّ بن محمدٍ الهادي، والحسنِ بن عليٍّ العسكري، والخلفِ الحجَّةِ بن الحسن المهدي صلواتُك وسلامُك عليهم أجمعين.

 

اللهمَّ صلِّ على وليِّ أمرِك القائمِ المهدي، اللهم افْتَحْ لَه فَتْحاً يَسِيراً وانْصُرْه نَصْراً عَزِيزاً، اللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِه دِينَكَ وسُنَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّى لَا يَسْتَخْفِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ.

 

أمَّا بعدُ أيُّها المؤمنون:

: فيقولُ الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ / لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾(1).

 

فالأيامُ المعلومات -كما أُثر عن أميرِ المؤمنين (ع)- هي أيامُ العشر الأوائل من ذي الحجَّة(2) وهي مِن أشرفِ الأيام وأعظمها أثراً في تثمير العمل الصالح وإنمائه، فقد رُوي عن الرسول الكريم (ص) أنّه قال: "ما مِن أيامِ العملِ الصالحِ فيها أحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ من أيام العشر -يعني عشر ذي الحجَّة-"(3) وفي المأثور عن الأمام الصادق (ع): "اللَّهُمَّ هَذِه الأَيَّامُ الَّتِي فَضَّلْتَهَا عَلَى الأَيَّامِ وشَرَّفْتَهَا قَدْ بَلَّغْتَنِيهَا بِمَنِّكَ ورَحْمَتِكَ، فَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وأَوْسِعْ عَلَيْنَا فِيهَا مِنْ نَعْمَائِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وأَنْ تَهْدِيَنَا فِيهَا لِسَبِيلِ الْهُدَى والْعَفَافِ والْغِنَى والْعَمَلِ فِيهَا بِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى .."(4).

 

ومِن أفضلِ هذه الأيام وأكثرِها تأثيراً في تحصيل التوفيق للهداية إلى سبيل الهدى والعفاف هو يومُ عرفة، فالمحظيُّ فيه مَن حظي بالاجتهاد في الدعاء والابتهال إلى الله تعالى أنْ يمنحَه رضوانَه، وأنْ يمنَّ عليه بالاستقامة على دينِه وهدْي نبيِّه الكريم (ص) وهدْي الأوصياء من عِترته (ع) وأنْ يجعلَ عاقبته إلى خير. 

 

وأمَّا يوم الأضحى فهو كذلك من أعظمِ أيام الله تعالى وأشرفها، وقد ندبَ فيه الرسولُ الكريمُ (ص) أمَّته بعد الصلاة إلى التواصل والتراحم وصلة الأرحام والبرِّ بالإخوان وتعاهدِ أحوال الفقراء وذوي الخصاصة، ومن أعظم السُّننِ التي سنَّها رسولُ الله (ص) في هذا اليوم واليومين بعده هي التضحية بواحدٍ من الأنعام الثلاثة، فقد أُثر عن أمير المؤمنين (ع) أنَّه قال: "لو علِم الناسُ ما في الأُضحية لاستدانوا وضحّوا، إنَّه ليُغفرُ لصاحبِ الأُضحيةِ عند أولِ قطرةٍ تقطُرُ من دمِها"(5) ورُوي عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: "إنَّه يُغفرُ لصاحبِها عند أولِ قطرةٍ تقطُرُ من دمِها على الأرض، ولِيعلمَ اللهُ عزَّ وجلَّ من يتَّقيه بالغيب، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾"(6) وود أنَّ أمُّ سلمة (رضوان اللهُ عليها) جاءت إلى النبيِّ (ص) فقالت: "يا رسولَ اللهِ يحضرُ الأضحى وليس عندي ثمنُ الأُضحية فأستقرضُ وأضحِّي؟ فقال: استقرضي فإنَّه دينٌ مقضي"(7).

 

ويجزي في الأضحية الاشتراك كما يصحُّ للمكلف أنْ يُشرِكَ في أضحيتِه مَن شاء من الأحياء والأموات، فقد روى الشيخ الصدوق في الفقيه قال: "وضحَّى رسولُ الله (ص) بكبشينِ، ذبحَ واحداً بيدِه فقال: "اللهمَّ هذا عنِّي وعمَّن لم يُضحِّ من أهل بيتي" وذبَحَ الآخر، وقال: "اللهمَّ هذا عنِّي وعمَّن لم يُضحِّ من أُمتي"(8).

 

والمحور الثاني حول غزَّة والفظائع التي تُرتكب بحقِّ أبنائها الكرام ومنها المجزرةُ المروعة التي ارتكبها الكيانُ الغاصبُ أخيراً في مُخيم النصيرات، وهي إحدى المؤشِّرات الكثيرة والفاقعة التي تكشفُ عن الاستهتار المُريع بأرواح المسلمين ليس من قِبَل الكيان الصهيوني وحسب فما هو إلا رأسُ حربةٍ للدول النافذة تزجُّ بها غير عابئةٍ بالعواقب الكارثية التي تنشأ عن إغرائها وتسليطها.

 

فما يشغل اهتمامها هو التأمينُ لمصالحها ونفوذها، فالاستهتارُ بأرواح المسلمين والاستخفافُ بمعاناتهم نهجٌ نسجتْ عليه الدولُ النافذة سياستَها تِّجاه المسلمين على مدى قرون، وباعثُها على ذلك هو الاستكبار والاعتداد بالعِرق والاعتقاد الموهوم بالتمُّيُّز، فهؤلاء يحتقرون المسلمين ويستصغرونَ شأنَهم، لذلك فهم لا يعبئون بما يُسفكُ من دماء المسلمين بفعلِ أسلحتِهم وسياساتِهم وإنْ تظاهروا نفاقاً بالتعاطف، فهؤلاءِ يلبسون مسوكَ الضأنِ على قلوبٍ هي في التوحُّش أقسى من السباع الضارية وفي المكر أخبثُ من الأفاعي الرابضة، فمَن يلجأُ لمثلِهم طمعاً في حمايتهم فقد أبعدَ في الوهم، فليس دون المقاومة سبيلٌ يضمنُ الخلاص ويَحمي الحقوقَ ويُعطي المَنَعة ويَمنحُ الكرامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.

          

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ الطيبينَ الطاهرينَ الأبرارِ الأخيار، اللهمَّ اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءٍ منهم والأموات.

 

﴿إِنَّ اللَّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسَانِ وإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ويَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ والْمُنْكَرِ والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(9).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

خطبة الجمعة الثانية - الشيخ محمد صنقور

7 من ذي الحجَّة 1445هـ - الموافق14 يونيو 2024م

جامع الإمام الصّادق (عليه السلام) - الدّراز

--------------

1- سورة الحج / 27-28.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي-ج14 / ص271.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج14 / ص273.

4- مصباح المتهجد -الشيخ الطوسي- ص672.

5- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص440.

6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج14 / ص207.

7- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص213.

8- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص489.

9- سورة النحل / 90.