شهادة الشريك لشريكه

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل تقبل شهادة الشريك لشريكه؟

الجواب:

الظاهر -كما في الرياض(1)- أنَّه لم يقع خلاف بين الفقهاء ولا أقل من الشهرة العظيمة في عدم نفوذ شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه كما لو شهد أحدهم أنَّ زيداً أقرض عمروا ألف دينار واتفق أنَّ الشاهد شريك لزيد في الألف دينار أو شهد أن زيداً أودع عمرواً هذه الدار واتفق أنَّ هذه الدار مشتركة بين الشاهد وبين زيد المشهود له، فهنا لا تُقبل شهادة الشاهد، وذلك لأنَّ له نصيباً فيما شهد به، وقد نصَّت على ذلك معتبرة سماعة قال: سألتُه عمّا يُردّ من الشهود قال: المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتّهم، كلّ هؤلاء تردُّ شهاداتهم"(2).

وقال الشيخ الصدوق في الفقيه: وفي حديث آخر قال: "لا يجوز شهادة المريب والخصم ودافع مغرم أو أجير أو شريك أو متهم أو تابع .."(3).

وعنوان الشريك الذي أفادت الرواية أنَّه ممَّن تُردُّ شهادته وإن كان يصدق على كلِّ من له شركة مع المشهود له إلا أنَّ الظاهر بمناسبات الحكم والموضوع أنَّ الرد يختصُّ بفرض كون المال المشهود به -لو ثبتت الدعوى- مشتركاً بين الشاهد وبين صاحب الدعوى المشهود له، ويؤكد ذلك بل يدلُّ عليه ما أفادته صحيحة أبان قال: سُئِل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه قال: تجوز شهادته إلّا في شي‏ء له فيه نصيب"(4).

ويؤيده أيضاً ما أورده في دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "لا تجوز شهادة الشريك لشريكه فيما هو بينهما، وتجوز في غير ذلك مما ليس فيه شركة"(5).

فالشريك العدل لا مانع من قبول شهادته إلا أن يكون له نصيب في المشهود به، إذ أنَّه في هذا الفرض يكون شاهداً وهو في ذات الوقت مدَّعٍ لا أقل في مقدار نصيبه، ولذلك فإنَّ مقتضى القاعدة هو عدم قبول شهادته في مقدار نصيبه حتى لو لم تنص على ذلك رواية لأنَّه بلحاظ مقدار نصيبه يكون مدعياً، والمدَّعي لا تصحُّ شهادته على دعواه، فلو كنَّا ومقتضى القاعدة لأمكن قبول شهادته فيما دون نصيبه إلا أنَّ مفاد الرواية هو ردُّ شهادته من رأس لمجرَّد أن له نصيب في المشهود به.

هذا وقد ورد في التهذيب بسندٍ صحيح عن عبد الرحمن قال: سألتُ أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء ادّعى واحد وشهد اثنان؟ قال: يجوز"(6) ومقتضى إطلاق هذه الرواية هو قبول شهادة الشريك حتى فيما له فيه نصيب إلا أنَّه يتعيَّن حملها بقرينة صحيحة أبان على فرض أنَّه ليس للشريكين نصيب فيما شهدا عليه، على أنَّ الكليني رحمه الله روى بطريق صحيح عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّه قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ ثَلَاثَةِ شُرَكَاءَ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى وَاحِدٍ قَالَ لَا يَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا"(7) والراوي عن عبد الرحمن في كلا الروايتين أبان بن عثمان فالظاهر -نظرا لاتحاد الراوي والمروي عنه ومفروض الرواية- هو اتِّحاد الروايتين، وبذلك يقع التعارض فيما هو المروي عن الإمام (ع) وبه تسقط الرواية بكلا طريقيها عن الاعتبار لعدم إحراز ما هو المروي عن الإمام (ع). ولو تمَّ البناء على تعدُّد الروايتين فالأُولى -التي أفادت النفوذ لشهادة الشريكين- تُحمل على افتراض أنْ لا يكون لهما نصيب فيما شهدا عليه، والثانية -التي أفادت عدم النفوذ لشهادتهما- تحمل على أنَّ لهما نصيباً فيما شهدا عليه ومنشأ هذا الحمل للروايتين هو التفصيل الوارد في صحيحة أبان فإنَّها صالحة لبيان المراد الجدي من إطلاق الإثبات والنفي في الروايتين.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

22 / جمادى الأولى / 1446ه

24 / نوفمبر / 2024م


1- رياض المسائل -السيد علي الطبأطبائي- ج13 / ص280.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج27 / ص378.

3- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج3 / ص40.

4- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج 27 / ص370.

5- دعائم الإسلام -القاضي النعمان المغربي- ج2 / ص511، مستدرك الوسائل -النوري-ج17 / ص429.

6- تهذيب الأحكام -الطوسي- ج6 / ص246.

7- الكافي -الكليني- ج7 / ص394.