التعليقُ على روايات نوم النبيِّ (ص) عن صلاة الصبح

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هل يصحُّ اعتماد ما روي من أنَّ النبيَّ (ص) نام عن صلاة الفجر ألا يُعدُّ ذلك قدحاً في عصمته؟  

 الجواب:

الروايات التي تضمَّنت دعوى أنَّ النبيَّ الكريم (ص) نام يوماً عن صلاة الصبح حتى خرج وقتُها(1)، هذه الروايات وإن اشتمل بعضها على ما هو معتبرٌ سنداً إلا أنَّها غير قابلةٍ للتصديق – كما أفاد السيِّد الخوئي(2)- وذلك لمنافاتها لأصول المذهب، ولهذا يتعيَّن إمَّا طرحها أو حملها على التقية.

الوجه في منافاتها لأصول المذهب:

والوجه في منافاتها لأصول المذهب هو ما نعتقده - استناداً للروايات المستفيضة عن الفريقين الموجبة للاطمئنان بالصدور- من أنَّ النبيَّ الكريم (ص) تنام عينه ولا ينام قلبه(3)، ومعنى ذلك أنَّه لا يغيب بنومه عن الوعي، ولهذا يكون تلقِّيه للوحي حال النوم كتلقِّيه له حال اليقظة دون أدنى تفاوت كما هو المقطوع به عند عامَّة المسلمين وكما هو منصوص عليه في القرآن المجيد.

فمقتضى أنَّ قلب النبيِّ الكريم (ص) لا ينام هو عدم الذهول عن وقت الفريضة، فكما لا يذهلُ عن الفريضة في ظرف اليقظة كذلك فهو لا يذهل عنها في ظرف النوم لأنَّ حاله في ظرف النوم تماماً كحاله في ظرف اليقظة من جهة حضور القلب ووعيه، ولهذا فالبناءُ على تركه للفريضة ولو لمرَّةٍ واحدة في ظرف النوم يُساوق البناء على تركه للفريضة في ظرف اليقظة، لأنَّ وعيه وحضور قلبِه في الحالتين واحد، وحيثُ إنَّ ترك الفريضة لا يخلو إمَّا أن ينشأ عن التعمُّد وإمَّا أن ينشأ عن الغفلة عن أداء الواجب لذلك فهو ممتنع على النبيِّ الكريم (ص) لأنَّ تعمُّد الترك لأداء الواجب أو الغفلة عن أدائه منافٍ للعصمة الثابتة له صلى الله عليه وآله. هذا أولاً

وثانياً: إنَّ روايات نوم النبيِّ الكريم (ص) عن فريضة الصبح منافية لما دلَّ على أنَّ النبيَّ الكريم (ص) مؤيَّد بروح القدس والتي وصفتها الروايات بأنَّها لا تنام ولا تغفل ولا تلهو، فمِن ذلك ما رواه الشيخ الكليني بسندٍ معتبر عن الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: سَأَلْتُه عَنْ عِلْمِ الإِمَامِ بِمَا فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ وهُوَ فِي بَيْتِه مُرْخًى عَلَيْه سِتْرُه فَقَالَ: يَا مُفَضَّلُ إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى جَعَلَ فِي النَّبِيِّ (ص) خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْحَيَاةِ فَبِه دَبَّ ودَرَجَ، ورُوحَ الْقُوَّةِ فَبِه نَهَضَ وجَاهَدَ، ورُوحَ الشَّهْوَةِ فَبِه أَكَلَ وشَرِبَ وأَتَى النِّسَاءَ مِنَ الْحَلَالِ، ورُوحَ الإِيمَانِ فَبِه آمَنَ وعَدَلَ، ورُوحَ الْقُدُسِ فَبِه حَمَلَ النُّبُوَّةَ فَإِذَا قُبِضَ النَّبِيُّ (ص) انْتَقَلَ رُوحُ الْقُدُسِ فَصَارَ إِلَى الإِمَامِ، ورُوحُ الْقُدُسِ لَا يَنَامُ ولَا يَغْفُلُ ولَا يَلْهُو ولَا يَزْهُو، والأَرْبَعَةُ الأَرْوَاحِ تَنَامُ وتَغْفُلُ وتَزْهُو وتَلْهُو ورُوحُ الْقُدُسِ كَانَ يَرَى بِه"(4)

وظاهر الرواية وكذلك رواياتٌ أخرى أنَّ روح القدس بعد إفاضتها من عند الله تعالى في النبيِّ (ص)- وكذلك الإمام (ع)- تُصبحُ جزءً من كيانه وذاته وشخصيته، فهي أشبهُ شيءٍ بالملكة، وعليه فمعنى أنَّ روح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو هو أنَّ النبيَّ (ص) بعد أنْ صار واجداً لروح القدس فإنَّه لا ينام ولا يغفل ولا يلهو أي أنَّ قلبَه لا ينام ومداركه وحواسَّه لا تغيب عن الوعي وإنْ نام جسدُه بمقتضى بشريَّتِه.

مناقشة التوجيه لروايات نوم النبيِّ (ص):

ولو قيل إنَّه وإنْ كان من المسلَّم أنَّ النبيَّ (ص) لا ينام قلبُه ولا يغفل ولا يسهو إلا  أنَّ ذلك منحة منحَه الله تعالى إيَّاها وعليه فأيُّ مانعٍ في أنْ يحجب اللهُ جلَّ وعلا عنه هذه المنحة لوقتٍ يسير فيضربُ على حواسِّه فيستغرق في النوم إلى أنْ يفوته وقتُ الفريضة وذلك رعايةً لمصلحة نوعية راجحة وهي التسهيل على العباد حتى لا يقع مَن ينام منهم اتفاقاُ عن الفريضة  مورداً للعتاب والتعيير من الناس، إذ له أنْ يعتذر أن ذلك وقع للنبيِّ (ص).

والجواب أنَّ هذا التوجيه مخالف لظاهر نفس الروايات الذي تضمَّنت دعوى أنَّ النبي (ص) نام عن فريضة الصبح فهي قد اشتملت على ما يُعبِّر عن أنَّ النبيَّ (ص) شعر بالضيق والحزن لفوات وقت الفريضة، وعاتب بلالاً لأنَّه نام فلم يُوقظهم للصلاة ثم إنَّه كرِه أنْ يقيموا في الموقع الذي باتوا فيه، وأمر بالتحوُّل عنه، وقال – بحسب رواية زرارة (5)- "قوموا فتحوَّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة" فلو كان نومُه عن الفريضة مستنداً لمصلحةٍ راجحة اقتضتها الإرادة والعناية الإلهية لوقع ذلك من نفس النبيِّ (ص) موقع التسليم والرضا، إذ أنَّ إرادته واقعةٌ في صراط إرادة الله تعالى، فلو كان كذلك لما شعر بالحزن والضيق، ولما كره المقام في المكان الذي فاتته فيه الفريضة، ولما وصفه بوادي الغفلة تعبيراً عن مقتِ ما وقع لهم فيه من فوات الفريضة،  

وأوضح من ذلك كلِّه في المنافاة للتوجيه المذكور ما يظهر من بعض هذه الروايات من إسناد ما وقع لهم من فوات الفريضة إلى الشيطان حيث قال -بحسب صحيحة عبد الله بن سنان- : "نمتم بوادي الشيطان"(6) وقال - بحسب رواية دعائم الإسلام-: " تنحَّوا من هذا الوادي الذي أصابتكم فيه هذه الغفلة فإنَّكم بتّم بوادي الشيطان"(7) وهو قد بات معهم في ذات الوادي الذي وصفه بوادي الشيطان ووقع منه ما وقع منهم، وهو ما ينفي صحَّة التوجيه المذكور وهو أنَّ استغراق النبي (ص) في النوم إلى أنَّ فاتته الفريضة كان لغاية راجحة اقتضتها العناية الإلهية فإنَّ هذا التوجيه لا يستقيم مع ما أظهره النبيُّ (ص) من كراهة شديدة لما وقع له، فهذا التوجيه وإنّْ كان قد أشارت إليه رواية سعيد الأعرج (8) إلا أنَّ الروايات الأخرى تنفي صحة هذا التوجيه وهو ما يؤكد اضطراب الروايات في نفسها .

هذا مضافاً إلى أنَّه لو كان البناءُ هو القبول لهذا التوجيه لأمكن القبول بسهو النبيِّ (ص) في ظرف اليقظة عن بعض الفرائض أو نسيانه لبعض الوظائف ثم توجيه ذلك بأنَّ الله تعالى فعلَ به ذلك رحمةً بالعباد فلا يكونون مورداً للتعيير والعتاب إذا وقع منهم السهو والنسيان لبعض الفرائض!! وبهذا يتزلزل الوثوق والاطمئنان بعصمة النبيِّ (ص) إذ لا مانع من احتمال أنَّ ما فعله في هذا المقام أو ذاك وأنَّ ما قاله في هذا المشهد أو ذاك وأن ما تركه في هذا الظرف أو ذاك نشأ عن غفلةٍ أو نسيانٍ أو ضعف وأنَّ الله فعلَ به ذلك رحمةً بالعباد لكي لا يكونوا مورداً للعتاب والتعيير لو وقع منهم ذلك نسياناً وغفلة.

فإذا صار هذا الاحتمال قائماً امتنع الوثوق بعصمته (ص) ولم يصح الاستنان بمطلق ما يفعل وما يقول ولم يصح اعتماد تقريراته وسكوته وذلك لاحتمال أن يكون قد سكت غفلةً وأن يكون تركُه لبعض الشؤون نشأ عن السهو، وأنَّ ما فعله أو قاله في هذا المشهد أو ذاك كان قد ذهَلَ فيه عن بعض ما ينبغي رعايته، وبهذا لا موضع لمثل قوله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(9) فلا يصح الأخذ بأمره والانتهاء عن نهيه قبل التثبُّت من أنَّ أمره ونهيه لم ينشئا عن غفلةٍ أو ذهولٍ عن بعض الحيثيات، وكيف للناس التثبُّت من ذلك في مطلق الأمور مع البناء على أنَّه يجوز على النبيِّ(ص) السهو والغفلة والذهول والنسيان ؟!

وبذلك يصحُّ للمضلِّين والمنافقين أنْ يعتذروا عن كلِّ فعلٍ أو قولٍ للنبيِّ (ص) لا يعجبهم ولا يروق لهم أنَّه ربما صدر منه سهواً أو غفل عن بعض الحيثيات التي ينبغي الرعاية لها ولا دافع لهذا الاحتمال بعد البناء على جواز السهو والغفلة عليه (ص).

وبما ذكرناه يتَّضح أنَّ التوجيه الذي ذكره البعض لروايات نوم النبيِّ (ص) عن صلاة الصبح لا يصحُّ وأنَّ المتعيَّن هو طرحُ هذه الروايات لمنافاتها لأصول العقيدة أو حملها على التقية.

تعليق الشيخ المفيد على روايات نوم النبيَّ (ص):

ولقد أجاد الشيخ المفيد رحمه الله تعالى فيما أفاده تعليقاً على هذه الروايات، قال: "والخبر المروي أيضا في نوم النبيِّ ( عليه السلام ) عن صلاة الصبح من جنس الخبر عن سهوه في الصلاة ، وإنَّه من أخبار الآحاد التي لا تُوجب علماً ولا عملاً ، ومَن عمل عليه فعلى الظنِّ يعتمد في ذلك دون اليقين .."(10)

فهو قد اعتبر روايات نوم النبيِّ (ص) عن صلاة الصبح كروايات سهو النبيِّ (ص) في الصلاة، فكما أنَّ روايات سهو النبيِّ (ص) في الصلاة منافيةٌ للعصمة الثابتة (ص) كذلك هي روايات نوم النبيِّ (ص) عن صلاة الصبح منافية لعصمته، وبذلك تكون منافية لأصلٍ من أصول العقيدة . على أنَّ الروايات المذكورة لا تعدو كونها أخبار آحاد، وأخبارُ الآحاد لا حجيَّة لها فيما يتَّصل بشؤون العقيدة.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

21 شوال 1446ه

20 أبريل 2025م

-----------------------

1- منها: صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس ، ثم استيقظ فعاد ناديه ساعة وركع ركعتين ثم صلى الصبح وقال : يا   بلال ، مالك ؟ فقال بلال : أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله ، قال : وكره المقام وقال : نمتم بوادي الشيطان" وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج4/ 283. ومنها : صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة ، قال : فقدمت الكوفة ، فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني ، فلمَّا كان في القابل لقيت أبا جعفر ( عليه السلام ) فحدَّثني أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عرَّس في بعض أسفاره وقال : من يكلؤنا  ؟ فقال بلال : أنا، فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس، فقال : يا بلال ما أرقدك ؟ فقال : يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة ، وقال : يا بلال أذن ، فأذن ، فصلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ركعتي الفجر ، وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ، ثم قام فصلى بهم الصبح..". وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج4/ 286. ومنها: صحيحة سَعِيدٍ الأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع يَقُولُ نَامَ رَسُولُ اللَّه ص عَنِ الصُّبْحِ واللَّه عَزَّ وجَلَّ أَنَامَه حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْه وكَانَ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِلنَّاسِ ألَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلاً نَامَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ لَعَيَّرَه النَّاسُ وقَالُوا لَا تَتَوَرَّعُ لِصَلَوَاتِكَ فَصَارَتْ أُسْوَةً وسُنَّةً فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ نِمْتَ عَنِ الصَّلَاةِ قَالَ قَدْ نَامَ رَسُولُ اللَّه ص فَصَارَتْ أُسْوَةً ورَحْمَةً رَحِمَ اللَّه سُبْحَانَه بِهَا هَذِه الأُمَّةَ" الكافي - الكليني- ج3/ 294.

2- المستند في شرح العروة الوثقى – السيد الخوئي- ج11/  341.

3-الكافي- الكليني- ج1/ 388، ج 8/ 140، الأمالي- الصدوق- 612، الخصال- الصدوق-428، 528، عيون أخبار الرضا (ع) – الصدوق- ج1/ 192، من لا يحضره الفقيه – الصدوق- ج4/ 418، صحيح البخاري- البخاري- ج1/ 44، ج1/ 208، ج4/ 168، ج8/ 203، صحيح مسلم – مسلم النيسابوري- ج2/ 180، سنن الترمذي-الترمذي- ج3/ 353، 354، المستدرك على الصحيحين- الحاكم النيسابوري- ج2/ 431، السنن الكبرى – البيهقي- ج1/ 122، ج7/ 62. وغيرها

4- الكافي – الكليني- ج1/ 272.

5- وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج4/ 286.

6-وسائل الشيعة – الحر العاملي- ج4/ 283.

7- دعائم الإسلام- القاضي النعمان المغربي-ج1/ 141.

8-الكافي - الكليني- ج3/ 294.

9- سورة الحشر: 7.

10- عدم سهو النبي-الشيخ المفيد- ص 27.