معنى قوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ﴾(1)

المسألة:

إنَّ الله قد أخذ منَّا التعهد بالأصول وبالفروع، ويدلُّ على أخذ التعهد منّا بالأُصول قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ / أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾(2)، ويدلُّ على أخذ التعهد منّا بالأُصول والفروع قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ / وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ / وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾(3).

 

من الآيتين السَّابقتين وما فهمته من بعض قراءاتي من هنا وهناك أنَّ بعض التَّفاسير تُشير إلى أنَّ الله سبحانه وتعالى وقبل خلق الأبدان قد أخذ من بني آدم شهادةً على أنَّه رَبُّهُم الذي خلقهم فلا يأتون غدًا ويعتذرون.

 

فسؤالي هو أنَّنا لا نذكر هذا العهد الذي أخذه الله سبحانه وتعالى مِنَّا، فكيف يكون حُجَّة علينا؟

 

الجواب:

إنَّ العهد الذي أخذه الله تعالى على عباده هو الإيمان بوجود الله وبوحدانيته، وذلك مغروز في فطرة كل إنسان ومُدرَك بالعقل الفطري، فما من أحدٍ إلا وهو يُدرك ذلك، ولو اتَّفق أنْ نَسِيَهُ لكان التَّأمّل اليسير كافيًا لعودة الإذعان بهذه الحقيقة الفطرية إلى قلبه، ولذلك كان للأنبياء والهُداة دورُ التَّنبيه والتَّذكير بهذه الحقيقة.

 

فما يحتجّ الله به على عباده ليس هو كيفيَّة أخذ العهد ولا زمانه حتَّى يَدَّعِي الإنسان أنَّه نَسِيَه ولا يتذكّره وإنَّما يحتجُّ عليه بمتعلق العهد ومضمونه وهو ما لا يكاد ينساه من أحدٍ لو عاد إلى فطرته دون مكابرة.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة يس / 60.

2- سورة الأعراف / 172-173.

3- سورة يس / 60-62.