حـدود الـوقفيـة

السؤال:

وقفية المآتم الحسينية .. ماذا تعني؟

الجواب:

إن من الأسباب التي ينشأ عنها الشقاق والنزاع فيما يتصل بالحسينيات والنشاطات التي تمارس فيها هو الجهل أو الغفلة عن الحدود الشرعية المرتبطة بفقه الوقف، فلو أن المتصدين والمستفيدين من الوقوفات الإسلامية على دراية بحدود الله عز وجل فيما يرتبط بالوقفيات لأوصدوا عن أنفسهم باباً هو من أوسع أبواب الخلاف الذي عادة ما يحتدم عند اقتراب المناسبات الدينية، على أن للتعُّرف على فقه الوقف أثراً بالغ الأهمية في التحفظ على الوقوفات الإسلامية عن الضياع أو الصرف فيما لا صلة له بالوقفيات التي لأجلها حسبت الأعيان والأراضي، فكثيراً ما يتوهم المتولي على الوقف انه مطلق اليد فيتصرف في الوقف كيفما يشاء دون ملاحظة حدود الوقفية وحدود الولاية فقد يحابي على حساب مصلحة الوقف وقد يفرط فتضيع بعض مقدارات الوقف.

من هنا كان لزاماً على الأخوة المؤمنين التفقه في شئون الوقف حتى لا يقعوا في محاذير شرعية يطول بسببها الوقوف بين يدي الله عز وجل. ويجدر بنا في المقام الحديث عن محورين نظراً لأهميتهما، وسيكون ذلك بنحو الإيجاز.

المحور الأول

وهو يرتبط بحدود الوقفية حيث أن الذي له صلاحية تحديد دائرة الوقفية هو الواقف فلا يسوغ لأحد أياً كان اتصاله بالواقف التوسيع من حدود الوقفية أو التضييق من حدودها فتجاوز ما رسمه الواقف يعد تصرفاً عدوانياً بنظر الشريعة.

والواقف تارة يكون شخصاً أو عائلة وأخرى يكون جماعة من المؤمنين وفي كلا الفرضين إن كان ثمة وقفية مكتوبة أو منطوقة فاللازم هو الوقوف عند حدود ما رسمه الواقف فليس لأحد القول بأن الأجدر هو توسيع الاستفادة من الوقف كما ليس له استبدال المتولي الذي عينه الواقف لمجرد أن ذلك يوافق هوى الأكثرية مثلاً أو لمجرد وجود من هو أكثر صلاحاً منه. وإن لم يكن ثمة وقفية معروفة فإن سبيل التعرف عليها هو ملاحظة القرائن الموجبة للاطمئنان وإلا فالمرجع حينئذ هو الحاكم الشرعي.

المحور الثاني

وهو يرتبط بالحديث عمَّن له صلاحية تعيين المتولي الشرعي على الوقف من جهة وعن تحديد صلاحيات المتولي على الوقف من جهة أخرى. أما الجهة الأولى فالذي له حق التعيين هو الواقف نفسه سواء كان فرداً أو عائلة او جماعة وحينئذ لا يحق لأحدٍ عزله أو مزاحمته نعم لو افترض عدم كفاءة المعين من قبل الواقف فإن للحاكم الشرعي في ظرف موت الواقف أن يضم إليه من يقومه إن كان ذلك مناسباً لمصلحة الوقف وإلا كان له عزله واختيار من له الكفاءة وأما اختيار الناس من له الكفاءة بنظرهم وعزل المعين من قبل الواقف فهو غير سائغ شرعاً دون مراجعة الحاكم الشرعي وذلك لان الناس مسلطون على أموالهم وحين يعِّين الواقف من يسوس شأن الوقف فإنه ليس لأحد التدخل في ذلك إذ أن ذلك هو شأنه بعد أن كان الوقف مملوكاً له قبل حبسه على الجهة التي حددها نعم لهم أن يرشدوه إلى الأصلح. وأما مراجعة الحاكم الشرعي في ظرف موت الواقف فلأن ذلك من الأمور الحسبية والتي يجمع الفقهاء على أن مسؤولية التصدي لها في عهدة الفقيه الجامع للشرائط أو من ينوب عنه بإذنه. وعليه فليس للإدارات المنتخبة أو المعينة الحق في التصدي لشئون الوقف دون مراجعة المتولي الشرعي المعين من قبل الواقف، وفي ظرف عدم وجود متولٍ معين من الواقف فالذي له حق التعيين هو الحاكم الشرعي دون غيره وللإدارات المنتخبة أن تكتسب شرعية تصرفها بواسطة الرجوع للحاكم الشرعي.

وأما الجهة الثانية المرتبطة بصلاحيات المتولي فهي تُحدَّد بحدود ما يرسمه الواقف فليس ثمة من مرجعية سوى ما هو مكتوب في الوقفية لو كانت أو ما هو مذكور من قبل الواقف في مقام تحديد جهة الوقف ومع انعدام كلا الأمرين فالمرجع هو القرائن الكاشفة عن حدود جهة الوقف، وحينما لا يكون هذا ولا ذاك فالحاكم الشرعي هو صاحب الكلمة الفصل.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

20/ذي الحجة/1424هـ

المقال منشور في مجلة عاشوراء