معنى قوله (ع): "الشمس جزء من سبعين جزءًا من نور الكرسي .."

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما المقصود من هذه الرّواية؟:

عن صفوان بن يحيى، عن عاصم ابن حميد، عن أبي عبد الله (ع) قال: ذاكرتُ أبا عبد الله (ع) فيما يروون من الرؤية فقال: "الشمس جزءٌ من سبعين جزءًا من نور الكرسيّ، والكرسيُّ جزءٌ من سبعين جزءًا من نور العرش، والعرشُ جزءٌ من سبعين جزءً من نور الحجاب، والحجابُ جزءٌ من سبعين جزءً من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملأوا أعينَهم من الشمس ليس دونها سحاب"(1).

الجواب:

الرواية المذكورة كانت بصدد إثبات نفي إمكانيَّة الرؤية البصرية لله جلَّ وعلا. وذلك ردًا على مَن ادَّعى إمكانية الرؤية، وقد اعتمدَتْ لذلك ما يُمكن التعبير عنه بالإلزام بما لا يمكن الالتزام به وجدانًا، وذلك لغرض التنبيه على فساد الدعوى.

فمفاد الرواية هو أنَّه إذا كان من غير المقدور النظر بإمعان إلى ما هو أضعف بمراتب كثيرة من نور الستر فمن البديهي استحالة مجرّد النظر إلى نور العظمة الإلهيَّة.

وبتعبير آخر: إنَّ الالتزام بإمكانية الرؤية لله جلَّ وعلا يقتضي الالتزام بإمكانية النظر بإمعان إلى نور الشمس غير المحتجبة بالسحاب، ولأنَّ هذا اللازم ممَّا لا يمكن الالتزام به بقرينة الوجدان فالملزوم جدلاً وهو إمكانية الرؤية لله جلَّ وعلا يكون مستحيلاً بالبداهة، إذ لا يمكن الالتزام باستحالة الأضعف وهو النظر إلى نور الشمس بإمعان والالتزام في ذات الوقت بإمكانية النظر إلى الأشدِّ منه بمراتب كثيرة. فإذا كان الأول مستحيلاً تكون استحالة الثاني ضرورية.

وأما معنى أن الشمس جزءٌ من سبعين جزءًا من نور الكرسي فهو أنَّ نور الشَّمس رغم شدَّته فإنه يُمثِّل بالقياس إلى نور الكرسي جزءًا واحدًا من سبعين جزءً (70/1) من نور الكرسي، فليس معنى هذه الفقرة أنَّ نور الشمس مستمدٌّ من نور الكرسي كما توهَّم البعض بل المراد هو المقارنة بين مرتبة نور الشمس ومرتبة نور الكرسي، وهكذا هي نسبة نور الكرسي بالقياس إلى نور العرش، ونور العرش بالقياس إلى نور الحجاب، ونور الحجاب بالقياس إلى نور الستر.

وعليه تكون نسبة نور الشمس بالقياس إلى نور الستر تساوي جزءً واحدًا من أربعٍ وعشرين مليون وعشرة آلاف جزء وهو حاصل ضرب السَّبعين في نفسها أربع مرات هكذا: (70/1) × (70/1) × (70/1) × (70/1) = (24.010.000/1).

فيكون مفاد الرواية هو أنَّ الإنسان إذا كان لا يستطيع أنْ يملأ عينيه من نور الشمس الذي هو بالقياس إلى نور الستر لا يمثِّل أكثرَ مِن جزءٍ مِن أربعٍ وعشرين مليونًا وعشرةِ ألافِ جزءٍ فهو بالضرورة غير قادرٍ على رؤية جلال الله سبحانه وتعالى والذي هو أشدُّ نورانيةً بمراتبَ كثيرة -بل غير متناهية- من نور الستر.

ثم إنَّه من المحتمل قريبًا أنَّ مراد الإمام (ع) من السَّبعين هو التَّعبير عن الكثرة وليس مراده التحديد الدِّقيّ لنسبة نور الشمس إلى نور الكرسي وهكذا.

ولو كان الأمر كذلك فإنَّ النسبة حينئذٍ بين الشمس ونور الستر ستفوق العدد المذكور بمراتب لا يعلم أقصاها إلا الله تعالى.

وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أمرين دفعاً للوهم المقدَّر:

الأمر الأول: إنَّ مقايسة الإمام (ع) نور الشمس بنور الكرسي وهكذا إلى نور الستر لا يعني بالضرورة أنَّ نور الشمس مسانخٌ لتلك الأنوار فتكون الأنوار حقيقة واحدة إلا إنَّها متفاوتة من حيث الشدَّة والضعف.

بل إنَّ مقتضى الأدلَّة العقلية والنقلية هو أنَّ حقيقة نور الشمس ليست من سنخ حقيقة الأنوار المذكورة، نعم بينهما وجه شبهٍ وهو أنَّ كلاًّ من هذه الأنوار تُساهم في الكشف عن حقائقَ لا يُتاح دونها الكشف عنها. فلولا نور الشمس لتعذَّر على الإنسان الوقوف على الكثير من الحقائق الكونية المادية، وهكذا الحال بالنسبة للأنوار الأخرى فإنَّها تُساهم في الكشف عن الكثير من الحقائق ولكنَّها من سنخٍ آخر غير الحقائق المادية.

الأمر الثاني: إنِّ ما أفاده الإمام (ع) إنَّما كان لغرض الإفحام والإقناع للخصم المتوهِّم لإمكانية الرؤية لله جلَّ شأنه ولم يكن بصدد البرهنة على استحالة الرؤية لله تعالى. فالبرهان على استحالة الرؤية لله تعالى قد تصدَّى لبيانهِ أهلُ البيت (ع) في نصوصٍ أخرى كثيرة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- الكافي -الشيخ الكليني- ج1 / ص98.