مستند حرمة لحم الأرنب

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما هو حكم أكل لحم الأرنب، وما هي علَّته؟ وهل صحيحٌ ما يُقال إنَّ منشأ التحريم هو أنَّها تحيض؟ فإذا كان الأمر كذلك فالبقر أيضًا يحيض إلا أنَّه حلال؟

الجواب:

حكم أكل لحم الأرنب هو الحرمة، وأمَّا منشأ جعل الحرمة فعلم ذلك عند الله تعالى، فالكثير من الأحكام الشرعيَّة لا نعلم بملاكاتها ومنشأ جعلها، إلا أنَّ الذي نعلمه أنَّ الله تعالى لا يجعل الحرمة على شيءٍ إلا لمفسدةٍ شديدة اقتضت ذلك، كما أنَّه تعالى لا يجعل الوجوب على شيءٍ إلا لمصلحةٍ شديدة اقتضت ذلك، فأحكام الله تعالى تابعة للمصالح والمفاسد لكنَّ عقل الإنسان قاصر عن إدراك جميع أوجه المصالح والمفاسد، فهو وإنْ كان قد يُدرك بعض أوجه المصالح والمفاسد إلا أنَّ ذلك لا يُجدي بعد أن كان من المحتمل أن ماخفيَ عليه من المفسدة مثلا لوكان قد أدركها لأفضى ذلك إلى بنائه على الاِمتناع عما أدرك مصلحته بمقتضى الموازنة بين المصالح والمفاسد، وكذلك العكس، فلأننا عاجزون عن إدلااك جميع أوجه المصالح والمفاسد ولأننا آمناَّ بالله عزَّ وجلَّ وبحكمته المطلقة وبعلمه المطلق بواقع خلقه وما يُصلحهم لذلك فنحن نُسلِّم بشريعته وأحكامه.

دليل الحرمة:

وأمَّا دليل الحرمة فهي الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) و التي أفادت أنَّ الأرنب من المسوخ كمعتبرة محمد بن الحسن الاشعري، عن ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: "والارنب مسخ .."(1)، وكذلك ما ورد في معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (ع)، قال: المسوخ ثلاثه عشر -وعدَّ منها- الأرنب .."(2).

والمراد من المسوخ هو مجموعة من الحيوانات مسخ اللهُ عزَّ وجلَّ بعضَ العصاةِ من النَّاس على صورتها في غابر الزمان مثل القرد والخنزير، وهكذا الأرنب.

فقد ذكرت الروايات أنَّ الله عزَّ وجلَّ عاقب بعض العصاة من النَّاس فمسخهم على صورة هذه الحيوانات ثمَّ أماتهم، وقد ذكر القرآن الكريم أنَّ بعض بني إسرائيل لمَّا خالفوا الأمر الإلهي مسخهم قردة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ / فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾(3).

وقال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ﴾(4).

المسوخ لا يتناسلون:

ثم إنَّ هؤلاء العصاة الذين مسخهم الله تعالى على صور بعض الحيوانات وقع عليهم الموت بعد انقضاء الغاية الإلهية من مسخهم، فلم يتناسلوا، فليس ما نراه اليوم من هذه الحيوانات هم أولئك الذين مُسخوا في التاريخ كما ربما يتوهَّم البعض بل إنَّ مثل القردة والخناززير خُلقوا كما هم الآن من أول نشأتهم ثم تكاثروا إلى يومنا هذا، والمَسخ إنَّما كان بمعنى صيرورة بعض العصاة على هيئتهم ثم ماتوا بعد أنْ صاروا عبرةً و موعظةً للمتقين كما أفاد القرآن الكريم، وقد بين ذلك أهل البيت (ع) في أكثر من موضع:

فمن ذلك: ما رواه الصدوق في عيون أخبا الرضا (ع) باسناده عن علي بن محمد بن الجهم قال: قال الإمام الرضا (ع): "وإنَّ المسوخ لم يبقَ اكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت، وما تناسل منها شيء، وما على وجه الارض اليوم مسخ، وإنَّ التي وقعت عليها اسم المسوخية مثل القرد والخنزير والدب وأشباهها، إنَّما هي مثل ما مسخَ اللهُ عزَّ وجلَّ على صورها قومًا غضب الله عليهم ولعنهم، بإنكارهم توحيد الله وتكذيبهم رسله"(5).

وروى الصدوق أيضاً في العلل بإسناده عن عبد الله بن الفضل قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع) قول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ قال: "إنَّ أُولئك مُسخوا ثلاثة أيام، ثم ماتوا ولم يتناسلوا"(6).

إذا اتًّضح معنى المسوخ نقول إنَّ الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) أفادت أنَّ كلَّ حيوان مُسخ بعضُ العصاة على صورته - عقوبةً على معصية اقترفها وموعظةً للنَّاس - فذلك الحيوان محرَّم الأكل، فمِن هذه الرويات معتبرة سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (ع) -في حديث- قال: "وحرم الله ورسولُه المسوخ جميعًا"(7).

ومنها: رواية الحسين بن خالد عن أبي الحسن (ع) قال: وقد حرَّم الله لحوم الأمساخ ولحم ما مُثل به في صورها"(8).

وحيث كان الأرنب من هذه الحيوانات -كما اتَّضح ممَّا تقدم- لذلك فهو مشمول لهذا الحكم.

الأرنب بمنزلة السنور وسباع الوحش:

وأمَّا دعوى أنَّ منشأ تحريم الأرنب أنَّه يحيض فليس صحيحًا، فعلةُ التحريم -كما أفادت الروايات الواردة عن أهل البيت (ع)- هو أنَّه مسخ، فتلك هي التي يدور حكم الحرمة مدارها، نعم ورد في بعض الروايات أنَّ من علل تحريم الأرنب هو أنَّها بمنزلة السنور وأنَّ لها مخالب كالسباع، ثم ذكرت أنَّ الأرنب تتقذَّر بدم الحيض، وذلك ظاهرأ لغرض بعث الاستيحاش من أكلها في نفس المخاطَب، وهذه الرواية أوردها الصدوق في العلل والعيون بأسانيد عن محمد بن سنان، عن الرضا (ع) فيما كتب اليه من جواب مسائله في العلل: "وحُرم الارنب، لأنَّها بمنزلة السنور، ولها مخاليب كمخاليب السنور وسباع الوحش، فجرت مجراها مع قذرها في نفسها، وما يكون منها من الدم، كما يكون من النساء، لانَّها مسخ"(9).

فالأرنب وإنْ كانت من الحيوانات التي تحيض الا أنَّ مِلاك الحرمة -بحسب الروايات- هو أنَّها من المسوخ أو منه و في ذات الوقت هي بمنزلة السباع، فعلة تحريمها بحسب الروايات هو أنَّها منطبَق لهذين العنوانين، وأمَّا انَّها تحيض فذلك إنَّما ذكره الأمام (ع) ظاهرأ لإقناع المخاطَب أنَّها مسخ، ولغرض بعث الاستيحاش من أكلها في نفس المخاطَب, وأمَّا دعوى أنَّ الأبقار تحيض فلم يثبت ذلك، على أنَّ الحيض ليس منشأً للحرمة كما اتَّضح ذلك.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (الإسلامية) -الحر العاملي- ج16 / ص314.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص110.

3- سورة البقرة / 65-66.

4- سورة المائدة / 60.

5- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج2 / ص245.

6- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج1 / ص227.

7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص105.

8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص104.

9- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج1 / ص100.