معنى قول الإمام السجاد (ع): (كلاَّ وربِّ الرَّاقصات)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما معنى قول الإمام السجاد (عليه السلام): "كلا وربِّ الرَّاقصات إلى منى"؟

 

الجواب:

الفقرة المذكورة وردت ضمن جواب للإمام السجاد (ع) ردَ به على أهل الكوفة دعواهم الاستعداد لنصرته، فكان فيما أجاب به عليهم -بحسب رواية الاحتجاج- قوله (ع): "هيهات هيهات!! أيُّها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات انفسكم، أتريدون أنْ تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل كلا وربِّ الراقصات إلى مني، فإنَّ الجرح لما يندمل .."(1).

 

والمُراد من الرَّاقصات هنا هو الإبل المُسرعة في السّير، ومنشأ التّعبير عنها بالرَّاقصات هو أنَّ الرَّقص يعني الارتفاع والانخفاض والاضْطِراب. فلأنَّ النَّاقة تقطعُ الفلوات والتي عادةً ما تكون غير مستوية فهي تنخفض براكبها تارةً وترتفعُ به أخرى فتبدو وكأنَّها ترقص براكبها، كما أنَّها تُوجب اضْطِراب راكبها لتمايُلِه عليها يمينًا وشمالاً خصوصًا في حالات السَّير السَّريع لذلك يُطلِق العرب على الإبل اسم الرَّاقصات.

 

قال الشَّاعر:

بزجاجةٍ رقصَتْ بما في قعرها ** رقْص القلوص براكبٍ مستعجل

 

والقلوص هي الإبل، فهو يشبّه الشَّراب الذي يَضطرب ويتمايل في قعر الكوز الزّجاجي باضطرابٍ وتمايُلِ الرَّاكب فوق النَّاقة إذا كان سيرها على عجل. وعليه يكون المُراد من الرَّاقصات إلى مِنى هو الإبل التي تحمل الحُجَّاج إلى مِنى، وقد تعارف بين العرب إضافةَ هذه الإبل إلى الله تعالى نظرًا لكونها تحمل وفد الله جلَّ وعلا إلى مكّة الشَّريفة والمشاعر المحرَّمة والتي هي منى والمُزدلفة.

 

يقول أبو طالب:

زعمت قريشٌ أنَّ أحمد ساحـرٌ ** كذبوا وربِّ الراقصات إلى الحرم

ما زلتُ أعرفه بصدقِ حديثـه ** وهو الأميرُ على الحرائر والحرم(2)

 

وقد تمثل عليٌّ (ع) في موردٍ بقول الشّاعر:

حلفتُ بربِّ الراقصاتِ عشيةً ** غدون خِفافًا يبتدرن المحصَّبا(3)

والمحصَّب هو الشعب الذي بين مكة ومنى.

 

ويقول مسلية الحدائي:

حلفتُ بربِّ الراقصات إلى منى ** طوالع من بين القصيمة بالركب(4)

 

وبما ذكرناه يتّضح معنى قول الإمام عليِّ بن الحسين (ع) لأهل الكُوفة: "كَلاَّ ورَبِّ الرَّاقصات، فإنَّ الجُرح لما يندمل"، فهو (ع) يُقسم بالله تعالى إنّ الجُرح ما زال ينزف. 

 

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج45 / ص113.

2- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج35 / ص125.

3- شرح نهج البلاغة -ابن أبي الحديد- ج1 / ص192.

4- مكاتيب الرسول -الأحمدي الميانجي- ج3 / ص140.