معنى: (من حقِّ العالم ألا تُكثِر عليه السؤال)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

روى الصدوق في الخصال عن أمير المؤمنين (ع) أنَّه قال: "من حقِّ العالم ألا تُكثِر عليه السؤال .."(1)، كيف نجمع بين مفاد هذه الرواية وبين النصوص الكثيرة التي تحثُ على كثرة السؤال والتعلُّم؟

الجواب:

الرواية متصدِّية لبيان الآداب التي ينبغي رعايتها في محضر العالِم، فممَّا ورد فيها قوله (ع): "من حقِّ العالِم ألا تُكثر عليه السؤال، ولا تسبقه في الجواب، ولا تُلح إذا أعرض، ولا تأخذ بثوبه إذا كسل، ولا تُشر إليه بيدك، ولا تغمز بعينك، ولا تسارَّه في مجلسه، ولا تطلب عوراته .."(2).

ومعنى قوله (ع): "من حقِّ العالِم ألا تُكثر عليه السؤال .." هو أنْ لا تُثقل عليه ولا تُبرمه بكثرة الأسئلة، فإنَّ ذلك مِن مقتضى الأدب، فإنَّ العالِم شأنه كشأن سائر الناس، لنفسه إقبالٌ وإدبار، وله مشاعر ومشاغل، ولجسده طاقة واستعداد محدود، فإذا أكثر عليه الناس من الأسئلة فإنَّه قد لا يوفِّي الإجابات حقَّها، لأنَّ نفسه قد تُدبر بذلك أو تكون طاقته قد استُنفذت فيمنعه ذلك عن الاسترسال في الإجابة عن الأسئلة فينتج من كثرة السؤال نقض الغرض وهو المعرفة والتعلُّم.

وليس معنى النهي عن كثرة السؤال للعالِم هو أنَّ كثرة السؤال لغرض المعرفة والتعلم أمر مرجوح، فإنَّ من الممكن أن تكون الكثرة للسؤال أمراً راجحاً ومستحسناً ولكن لعلماء متعدِّدين أو في مجالس متعددة حتى لا يترتَّب عن الكثرة التبرُّمُ أو الإعياء.

فالروايات الكثيرة التي حثَّت على كثرة السؤال لا تقتضي أن يكون ذلك مُستحسناً مطلقاً بقطع النظر عن الظروف والملابسات.

ولعلَّ معنى قوله (ع): "من حق العالِم ألا تُكثر عليه السؤال" هو أنَّ لا تكثر عليه ذات السؤال بعد الإجابة إذا لم تجدها وافية، فإنَّ ذلك منافٍ للأدب، فلعلَّ المسؤول تعمَّد إيجاز الإجابة أو إبهامها لغايةٍ في نفسه أو لعلَّ نفسه مدبرة وتضيق عن أنْ تسترسل في الجواب، ولعلَّه لا يُحسن أن يُجيب بأكثر ممَّا أجاب، فإعادة السؤال عليه كثيراً يُبرمه ويؤذيه.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- الخصال -الشيخ الصدوق- ص504.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج12 / ص214.