تلقينُ الميِّت عند أهل السنة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل تلقين الميِّت مشروع عند إخواننا أهل السنة وما هو الدليلُ على ذلك؟

الجواب:

استحباب تلقين الميّت لا تختصّ به الشّيعة بل إنَّ الكثير من علماء السُنَّة قالوا باستحبابه، فقد ذكر محي الدّين النووي في كتابه المجموع في الجزء الخامس: "قال جماعاتٌ مِن أصحابنا يُستحبّ تلقين الميّت عقب دفنه، فيجلس عند رأسه إنسانٌ ويقول: "يا فلان بن فلان ويا عبد الله بن أمة الله اذكر العهد الذي خرجت عليه مِن الدُّنيا، شهادة أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ مُحمّدًا عبدُه ورسولُه، وأنّ الجنّة حقٌّ وأنّ النّار حقٌّ، وأنّ البعث حقٌّ، وأنّ السَّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَن في القُبور، وإنّك رضيتَ بالله ربًّا وبالإسلام دِينًا وبمحمّدٍ (ص) نبيًّا وبالقُرآن إمامًا وبالكعبة قِبلةً وبالمُؤمنين إخوانًا"، قال: "وزاد الشّيخ نصر: "ربِّيَ اللهُ لا إله إلاَّ هو عليه توكَّلتُ وهو ربُّ العرش العظيم"(1).

ثُمَّ قال: "هذا التَّلقين عندهم مُستحبٌّ، ممَّن نصَّ على استحبابه القاضي حسين، والمتولّي، والشَّيخ نصر المقدسي، والرَّافعي وغيرهم، ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مُطلقًا، وسُئل أبو عمر بن الصّلاح رحمه الله عنه فقال: "التَّلقين هو الذي نختاره ونعملُ به .."(2).

وأمَّا الرّوايات التي وردت من طُرق السُنَّة في مشروعيَّة التَّلقين:

فمنها: ما رواه البيهقيّ في السُّنن الكُبرى بسندٍ إلى أبي هُريرة قال: قال رسولُ الله (ص): "لقِّنوا مَوتاكُم لا إله إلا الله"(3).

قال البيهقيّ رواه مُسلم في الصّحيح عن أبي بكر وعُثمان ابنَي أبي شيبة، وروى البيهقي نصَّ هذا الحديث بسندٍ آخر إلى أبي سعيد الخدري وقال: أخرجه مُسلم في الصَّحيح.

هذا وقد ادَّعى البعضُ أنَّ المُراد من: "مَوتاكُم" في الرّواية هو المُشرِف على الموت أي الذي يكون في حالة النّزع والاحتضار إلاَّ أنَّ ذلك خلاف الظّاهر فإنَّ المتفاهم العُرفيّ مِن وصف أحدٍ بالميّت هو أنّه مُتلبّس بحدث الموت فعلاً ولا يُطلق على المُشرِف على الموت إلا بعناية زائدة على سبيل المُسامحة والتّجوُّز، وذلك ما يفتقر إلى قرينة مفقودةٍ في المَقام، فالمُستظهَر من قوله (ص): "لقِّنوا مَوتاكُم لا إله إلاَّ الله" هو الأمر بتلقين الإنسان بعد أنْ يموت وتزهق روحُه.

ومنها: ما رواه الهيثميّ في مجمع الزّوائد عن سعيد بن عبد الله الأودي قال: "شهدتُ أبا أمامة وهو في النّزع فقال: "إذا أنَا مِتُّ فاصنعوا بِي كما أمرَ رسول الله (ص)، فقال: إذا مات أحدٌ من إخوانكم فليُقم أحدٌ على رأس قبره ثُمّ ليقل يا فلان بن فلان فإنَّه يسمعه ولا يُجيب .. اذكر ما خرجت عليه من الدُّنيا شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله .."(4).

أقول: ذكر ابن الجوزيّ في كتابه دفع شُبَه التّشبيه أنَّ الحافظ بن حجر وصف حديث التَّلقين المذكور بأنَّ إسناده قويٌّ وصالح.

وذكر العجلوني في كتابه كشف الخفاء أنَّه أورد الحديث إبراهيم الحربيّ في "اتباع الأموات" عن ابن عبَّاس وابن شاهدين في ذكر الموت وضعَّفه ابنُ الصّلاح .. لكنّ قوَّاه الضياء في أحكامه ثُمَّ الحافظ ابن حجر أيضًا بِمَا لَهُ مِن الشَّواهد، ونسب الإمام أحمد العمل به لأهل الشَّام، وابن العربيّ لأهل المدينة وغيرهما لقُرطبة .. وقال ابنُ حجر في التّحفة: ويستحبُّ تلقين بالغٍ عاقلٍ أو مجنون سبق له تكليف ولو شهيدًا بعد تمام الدّفن لخبرٍ فيه، وضعفه اعتضد بشواهد على أنَّه مِن الفضائل فاندفع قول ابن عبد السَّلام أنَّه بِدعة .."(5).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- المجموع -محيى الدين النووي- ج5 / ص303.

2- المجموع -محيى الدين النووي- ج5 / ص304.

3- السنن الكبرى -البيهقي- ج3 / ص383.

4- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج3 / ص45.

5- كشف الخفاء -العجلوني- ج1 / ص316.