الحكمة من الأمر بالأذان في أُذن المولود
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
ما السرُّ في استحباب الأذان في أُذن المولود اليمنى والإقامة في الأذن اليسرى ؟.
الجواب :
هي سنَّة مأثورة عن الرسول (ص) وقد ورد في الروايات عن أهل البيت (ع) أنَّ فعل ذلك يُساهم في استقرار نفسيَّة المولود كما أنَّه حِرْزٌ له عن عبثِ الشيطان.
فمِن ذلك ما رواه الكليني بسنده عن أَبِي يَحْيَى الرَّازِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: إِذَا وُلِدَ لَكُمُ الْمَوْلُودُ أَيَّ شَيْءٍ تَصْنَعُونَ بِه؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا نَصْنَعُ بِه قَالَ (ع): " ..وأَذِّنْ فِي أُذُنِه الْيُمْنَى وأَقِمْ فِي الْيُسْرَى تَفْعَلُ بِه ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ سُرَّتُه فَإِنَّه لَا يَفْزَعُ أَبَداً ولَا تُصِيبُه أُمُّ الصِّبْيَانِ"(1)
أقول: يظهر من كلمات اللُّغويين أنَّ المراد من " أمِّ الصبيان" أنَّه داءٌ يُصيب بعض الصبيان، فقد أفاد ابنُ الأثير في النهاية في غريب الحديث أنَّ أم الصبيان ريحٌ تعرض للصبي وربَّما أدَّت إلى إصابته بالإغماء، وقريبٌ من ذلك ما أفاده ابنُ منظور في لسان العرب والطريحي في مجمع البحرين، وكذلك فُسَّر هذا العنوان في الطب القديم، فقد أفاد أبو علي ابن سينا في كتاب القانون أنَّ أُم الصبيان نوعٌ من الصرع. فهو إذن نوعٍ من الداء ينتاب الأطفال، ولذلك سمِّي بأم الصبيان. (2)
وأمَّا أنَّ الأذان والإقامة يدفعان عن الصبي هذا الداء فهو بمعنى أنَّهما يقتضيان ذلك، فلأنَّ الله تعالى هو الدافع للبلاء فجعل أسباباً لذلك، فكان منها العلاج بالأدوية، وجعل منها الصدقة والدعاء وتلاوة القرآن، وجعل منها كما هو مقتضى هذه الرواية الأذان في أُذن الصبيِّ اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى. وكلُّ ذلك إنَّما هو مقتضٍ للشفاء وليس علةً تامةً له فقد يحول دون الاستفادة من هذه المقتضيات مانعٌ فلا يترتَّب عليها الأثر المُنتظَر منها.
ومنه: معتبرة حَفْصٍ الْكُنَاسِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "مُرُوا الْقَابِلَةَ أَوْ بَعْضَ مَنْ يَلِيه أَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ فِي أُذُنِه الْيُمْنَى فَلَا يُصِيبَه لَمَمٌ ولَا تَابِعَةٌ أَبَداً"(3)
أقول: المراد من اللمَم نحوٌ من الجنون أو ما يشبه الجنون يعتري الإنسان ويُلمُّ به، والتابعة هي الشيطان .
ومنه: معتبرة السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): مَنْ وُلِدَ لَه مَوْلُودٌ فَلْيُؤَذِّنْ فِي أُذُنِه الْيُمْنَى بِأَذَانِ الصَّلَاةِ، ولْيُقِمْ فِي الْيُسْرَى فَإِنَّهَا عِصْمَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"
أقول: يعني أنَّه حرزٌ يحمي الصغار اقتضاءً من عبث الشيطان الذي يحرص على إيذاء الإنسان وذلك بأن يُلقي في رَوعه - مثلاً- ما يبعثه على الفزع أو القلق والاضطراب.
ومنه: رواية تحف العقول عن النبيِّ (صلَّى الله عليه واله) أنَّه قال لعليٍّ (عليه السلام): ياعلي اذا وُلد لك غلامٌ أو جارية فاذِّنْ في أُذنه اليمني وأقِم في اليسري فإنَّه لا يضرُّه الشيطان ابداً "(5)
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
-----------
1- الكافي- الكليني- ج6/ 23.
2- راجع مقالنا (حقيقة أم الصبيان)
3-الكافي- الكليني- ج6/ 23.
4- الكافي - الكليني- ج6/ 24.
5- تحف العقول- ابن شعبة الحراني- ص 13، وسائل الشيعة - الحر العاملي- ج20/ 131.