الحسن والحسين (ع) يقبلان جوائز السلطان؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ورد في كتاب قرب الاسناد للحميري عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر الصادق (ع) عن أبيه الباقر(ع) قال: "إنَّ الحسنَ والحسينَ كانا يغمزانِ معاوية، ويقولانِ فيه، ويقبلان جوائزه".

فهل الرواية صحيحة وما معنى: "يغمزان معاوية ويقولان فيه"(1) وهل من المناسب صدور ذلك عن المعصوم (ع)؟ وجزاكم الله خير الجزاء

الجواب:

الروايةُ معتبرة من حيث السند، فليس في السند إشكال إلا مِن جهة الحسين بن علوان فهو عاميُّ المذهب لكنَّه ثقة، ولذلك فالروايةُ من حيثُ السند موثَّقة.

وأمَّا المراد من قوله (ع): "الحسن والحسين كانا يغمزان معاوية، ويقولان فيه" فهو أنَّهما عليهما السلام كانا يقدحان في إيمانه وتديُّنه، ويقدحان في شرعيَّة تسلُّطه على رقاب الناس، ويذكران معايبه ومساوئه، وهو مستحِقٌّ لذلك، وما يفعلانه (ع) يقعُ في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأمَّا قوله (ع): "ويقبلان جوائزه" فالمراد من الجوائز هي العطايا التي كان يُقسمها السلطان ويُنفقها على الرعية من أموال الخراج والمقاسمة والغنائم وعوائد أموال الدولة.

وأمَّا لماذا كان الإمامان (ع) يقبلان جوائز معاوية وعطاياه فهو لأنَّه كان سلطاناً، وكانت الأموال التي تحت يده هي أموال الدولة الإسلامية، وليست ملكاً شخصياً له وإنْ توهَّم هو ذلك، ولهذا ورد عن الإمام الرضا (ع) أنَّه سُئل عن مال بني أمية فقال(ع): ولبنى أميةَ مال؟!"(2).

فالأموال التي كانت بيده ملكٌ للدولة، فهي حقٌّ لرعايا الدولة، فما يصل إليهم من السلطان هو حقُّهم بل هو دون حقِّهم، لأنَّ ما يستحوذُ عليه من أموال المسلمين لمنافعه الشخصية أكثر بكثير ممَّا يُنفقه على الرعيَّة، ولهذا أجمع فقهاء المسلمين قاطبة على إباحة عطايا السلطان وإن كان جائراً(3).

وقد ورد عن الإمام أبي جعفرٍ الباقر (ع) أنَّه سئل عن جوائز المتغلِّبين فقال: "قد كان الحسن والحسين (ع) يقبلان جوائز المتغلِّبين مثل معاوية، لأنَّهما كانا اهلاً لما يصل إليهما من ذلك، وما في أيدي المتغلِّبين عليهم حرام، وهو للناس واسعٌ إذا وصل إليهم في خيرٍ وأخذوه من حقِّه"(4).

فالمراد من المتغلِّبين هم سلاطين الجور الذين تسلَّطوا على رقاب المسلمين بالقهر والغلبة، فالإمام – في الرواية- يُسئلُ عن حكم الجوائز التي يُقدِّمها هؤلاء السلاطين للناس هل يجوز قبولُها منهم أو لا؟

فأجاب الإمام الباقر (ع) بأنَّ الحسن والحسين (ع) كانا يقبلان جوائز المتغلِّبين، فالإمام (ع) أراد أنْ يستدلَّ على الجواز بما كان يفعلُه الإمامان الحسن والحسين(ع) ثم بيَّن مدرك الجواز، وأفاد أنَّهما كانا أهلاً لما يصلُ إليها، يعني أنَّ ما يصلُ إليهما كان حقَّاً من حقوقِهما لكون هذه الأموال هي أموال المسلمين وليست هي من أموال المتغلِّبين، ولهذا قال بعد ذلك "وهو للناس واسعٌ إذا وصلَ إليهم" أي أنَّه يجوز للناس قبول ما يصلُ إليهم من المتغلِّبين فهم في سعة من ذلك، وأفاد (ع) إنَّ استيلاء المتغلِّبين على الأموال حرامٌ عليهم، وهو للناس واسعٌ أي مباح.

وهذا هو معنى قول الإمام الصادق (ع) حين سأله أحدُهم عن عامل السلطان يُعطيه الدراهم والكسوة هل يجوز له أخذُها والانتفاع بها؟ فقال له (ع): "كُلْ وخُذْ منه فلكَ المَهنا وعليه الوِزْر"(5) يعني هو لك مباحٌ وسائغ والوزر، وأمَّا الإثم فهو على السلطان الجائر.

ثم إنَّه رغم جواز قبول جوائز السلطان الجائر شرعاً إلا أنَّ الإمامين الحسن والحسين (ع) لم يكونا ينتفعان من هذه الجوائز، فلم يكونا يُنفقان شيئاً منها -وإن كان يسيراً- على أنفسهما أو عيالهما، وإنَّما كانا يأخذانِ هذه الجوائز استنقاذاً لما يُتاح استنقاذه من يد السلطان فيُنفقانها على ذوي الحاجة من الناس، فقد أورد الشيخ الصدوق في العلل في حديث طويل ورد فيه: "أنَّه لا يُجاوز قدما عبدٍ حتى يُسئلُ عن أربع: عن شبابِه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله مِن أين جمعَه وفيما أنفقه، وعن حبِّنا أهل البيت، وكانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ابنا عليٍّ (ع) يَأخُذانِ مِنْ مُعاوِيَةَ الأْموالَ، فَلا يُنْفِقانِ مِنْ ذلِكَ عَلى أنْفُسِهِما وَلا عَلى عِيالِهِما ما تَحْمِلُهُ الذُّبابَةُ بِفيه"(6) فكانا لا ينتفعان بما يصلهما من السلطان ولو باليسير منه وإنَّما كانا يُنفقانه على ذوي الحاجة من الناس.

وخلاصة القول: إنَّ القدح في السلطان الجائر يقعُ في إطار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأما قبول عطاياه فهو جائز شرعاً، لأنَّ ما بيده من أموال حقٌّ لعموم المسلمين لكونها من أموال بيت مال المسلمين، فمفاد الرواية المذكورة في قرب الاسناد هو أنَّ الإمامين الحسن والحسين (ع) رغم رؤيتهما في معاوية أنَّه من سلاطين الجور إلا أنَّ ذلك لم يمنع من جواز قبول عطاياه، فالرواية بصدد بيان جواز قبول عطايا السلطان الجائر، والاستدلال على ذلك بما يفعله الإمامان الحسن والحسن(ع) والذي يكون فعلهما حجَّة لأنَّهما معصومان، ولا يفعلان إلا ما هو مباحٌ شرعاً.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

2 / ذو الحجة / 1444ه

21 / يونيو / 2023م

-----------------------------

1- قرب الاسناد -الحميري القمي- ص92. 

2- الدعوات -قطب الدين الراوندي- ص119، جامع أحاديث الشيعة -البروجردي- ج 17 / ص344.

3-الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج18 / ص261، جواهر الكلام -الشيخ حسن النجفي- ج22 / ص170، المغني -ابن قدامة- ج4 / ص308، عمدة القاري -العيني- ج9 / ص55.

4- دعائم الإسلام -القاضي النعمان المغربي- ج2 / ص324.

5- صحيحة أبي ولاد من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج3 / ص175، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج17 / ص213.

6- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج1 / ص218.