حكم سبِّ الدنيا

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يجوز سبُّ الدنيا باعتقاد أنَّ الدنيا سببٌ في وقوع المظالم، فإنَّ بعض الناس يسبُ الدنيا لذلك؟

الجواب:

الاعتقاد بأنَّ الدنيا سببٌ في وقوع الظلم على أحد اعتقادٌ باطل، فالدنيا ليست سوى الزمان والمكان اللذين يعيش الإنسان في إطارهما ثم ينتقل إلى عالم آخر، والظلم إنَّما يصدر من العاقل المختار وليس للزمان والمكان من عقلٍ واختيار، وعليه يكون سبُّ الدنيا من العبث وهو أمرٌ مرجوح لا ينبغي صدوره من المؤمن، وقد وردت رواياتٌ تنهى عن سبّ الدنيا، وسبِّ الدهر، وسبِّ الزمان، وهذه الروايات وإن لم تكن قد وردت من طرقنا إلا أنَّها تصلح لأنْ يُستشهد بها على مرجوحيَّة سبِّ الدنيا وسبِّ الدهر.

ورد عن الرسول الكريم (ص) أنَّه قال: "لا تسبّوا الدنيا، فنِعْمَ مطيَّةُ المؤمن، عليها يبلغ الجنَّة وينجو من النار"(1).

وورد عن الإمام عليٍّ (ع) أنَّه قال: "لا تسبُّوا الدنيا فإنَّ فيها تُصلُّون وفيها تصومون، وفيها تعملون"(2).

وفي سبِّ الدهر ورد عن الرسول الكريم (ص) أنَّه قال: "لا تسبُّوا الدهر فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول إنَّ الدهر والأيام والليالي لي أُجدِّدها وأبليها وآتي بملوكٍ بعد مولوك"(3).

وفي سبِّ الزمان ورد عن جابر عن الرسول (ص) أنَّه قال: "لا تسبُّوا الليل والنهار ولا الشمس ولا الريح فإنَّها رحمةٌ لقومٍ، وعذابٌ لآخرين"(4).

وبناءً على ما تقدم يتبيَّن أنَّ سبَّ الدنيا وكذلك الدهر أمرٌ مرجوح، نعم يصحُّ ذمُّ الدنيا لغرض التزهيد فيها والدعوة لعدم الاغترار بزخارفها، وذلك يعني الدعوة لعدم الانسياق مع رغبات النفس وشهواتها وليس بمعنى الذمِّ للزمان والمكان.

وكذلك يصحُّ ذمُّ الدنيا بمعنى ذمِّ الظلمة المالكين لمقدَّرات الناس والمستأثرين بحقوقِهم فيكون ذمُّ الدنيا بالمعنى الأول والثاني كنائي ومجازي.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- كتاب الدعاء -الطبراني- ص568.

2- كتاب الدعاء -الطبراني- ص568.

3- مسند احمد -الإمام احمد بن حنبل- ج2 / ص496، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج8 / ص71.

4- كتاب الدعاء -الطبراني- ص568، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج8 / ص71، الدر المنثور -جلال الدين السيوطي- ج5 / ص365.