جعل القيمومة للرجل (الحلقة الرابعة)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
التفاوت التكويني بين الرجل والمرأة
المقدمة الثالثة: ذكرنا في المقدمة الثانية إن تفاوت الوظائف والمسئوليات الاجتماعية تخضع لتفاوت الملكات والاستعدادات التي تقتضيها طبيعة التكوين النفسي والعضوي للإنسان، وإن الخروج عن مقتضى طبيعة التكوين سلوك في الطريق غير الجادة، لأنه يفضي إلى عدم الإتقان في البناء الاجتماعي هذا إذا لم يفضِ إلى نقض البناء الاجتماعي. وهذه المقدمة تشكل كبرى كلية لا يتم بها المطلوب إلا أن تنضم إليها مقدمة أخرى تشكل صغرى القياس المنتج لصحة إناطة مسئولية القيمومة للرجل، وهذه الصغرى هي إثبات التفاوت التكويني بين الرجل و المرأة، وإن هذا التفاوت يناسب أن تكون وظيفة القيمومة للرجل دون المرأة.
وعليه نقول: إن وجود التفاوت في الاستعدادات والملكات أمر لا سبيل إلى إنكاره، وذلك لشهادة الوجدان والتجربة به، فثمة ملكات ومؤهلات اختصت بها المرأة دون الرجل كما إن ثمة استعدادات وقدرات اختص بها الرجل دون المرأة، وكل هذه الملكات والمؤهلات اقتضتها طبيعة التكوين النفسي والعضوي لكل منهما.
وهنا نشير إلى بعض ما يتصل بمحل البحث من تفاوت:
الأول: ذكر الباحثون من علماء النفس أن التجربة والبحث أثبتا اختلافات مطردة بين الرجل و المرأة، وانَّ هذه الاختلافات نبعت عن طبيعة التفاوت في الخلق والتكوين للرجل و المرأة.
الثاني: إن المرأة سريعة الانفعال والتأثر بدرجة أكبر من الرجل، وغالباً ما تتصرف تحت تأثير انفعالاتها ومشاعرها وأحاسيسها، وتظل أسيرة عواطفها رغم إدراكها لما يترتب على ذلك من مضاعفات، وعلى عكس ذلك يكون الرجل.
الثالث: إن المرأة أشد تأثراً بالمشاهد "العاطفية والمأساوية من الرجل".
الرابع: إن المرأة أكثر تديناً والتزاماً بالأعراف السائدة، وتتوجس كثيراً من مواجهة المواقف الصعبة.
الخامس: مشاعر الرجل تجنح كثيراً للمعارضة والعنف، وعلى عكس ذلك تكون المرأة، فهي غالباً ما تجنح للسلم، وتتخوف من استعمال العنف حتى مع ألد أعدائها، وحتى لو اختارته فإنها تبحث عن أيسر الوسائل، كالسم مثلاً.
ومن الملاحظ إن ظاهرة الانتحار عند المرأة أقل من الرجل كما أثبتت ذلك الإحصاءات المدونة، وحينما تختار الانتحار فإنها تتوسل بمثل الأقراص المنومة أو المواد المخدرة أو السامة، وعلى خلاف ذلك يكون الرجل، فهو يتوسل بمثل الشنق أو إلقاء نفسه من شاهق أو أمام سيارة أو في البحر أو إحراق نفسه بالنار أو رمى نفسه بالرصاص.
السادس: قدرة الرجل على كتمان السر أو الأخبار المزعجة أكبر من قدرة المرأة على ذلك، ولذلك يكون الرجل أكثر عرضة للأمراض المرتبطة بذلك.
السابع: كثيراً ما تتوسل المرأة بالبكاء والحيلة لمعالجة مشاكلها وذلك لخوفها وضعفها عن المواجهة.
الثامن: يستهوي المرأة من الرجال الرجل الشجاع ذو الشخصية القوية، وغالباً ما تبحث عن الرجل القادر على حمايتها، وأما الرجل فتستهويه المرأة الجميلة الرقيقة ذات العاطفة.
التاسع: ترغب المرأة في الهيمنة على قلب الرجل والنفوذ إلى مشاعره، ويغيظها مشاركة أحدٍ غيرها في هذا الموقع حتى لو كانت أمه فضلاً عما لو كانت زوجة أخرى بل يسؤوها أن تكون له تطلعات أو طموحات ليست ذات صلة بها، وأما الرجل فيسعى للحصول على امرأة يملك قيادها، ولذلك فهو لا يرغب في امرأة سليطة أو ذات تمرُّد بل ولا ذات استقلالية في اتخاذ قراراتها دون مراجعته.
العاشر: تحب المرأة الرجل الذي يقدِّرها ويعبِّر عن حبه لها، وتظل أسيرة الثناء والإطراء، وأما الرجل فلا يكترث كثيراً بذلك وإنما يتم اختياره للمرأة عندما يرى فيها ما يصبو إليه من جمال ورقة وعاطفة.
الحادى عشر: الرجل أقدر من المرأة على تحصيل العلوم البرهانية العقلية إلا إنه لا يتميز عنها في العلوم المتصلة بالآداب والفن والذوق.
هذه بعض الفوارق التي ذكرها مجموعة من علماء النفس بعد البحث والدراسة، وهنا نشير أيضاً إلى بعض الكلمات التي صدرت عن بعض علماء النفس المتصلة بمحل البحث.
البروفسور الأمريكي "دريك" ألف كتاباً ضخماً في أشكال التفاوت بين المرأة والرجل، وذلك بعد الدراسة والبحث سنين طويلة كما يدعي، يقول: "تختلف دنيا الرجل عن دنيا المرأة اختلافاً كلياً، فحينما لا تستطيع المرأة أن تفكر أو تعمل كما يفكر ويعمل الرجل فذلك لأن دنياهما مختلفات".
ويقول: "جاء في التوراة "خلق الرجل و المرأة من لحمة واحدة" أجل فمع أنهما خلقا من لحمة واحدة إلا إن لهما أجساماً متفاوتة، وهما مختلفان من زاوية التركيب اختلافاً أساسياً، مضافاً إلى أن إحساس كل من هذين الكائنين لا يماثل الآخر، وليس لهما في أي موقع رد فعل متشابهة إزاء الأحداث والوقائع، وحقاً انَّهما كالنجمين يتحركان حول مدارين مختلفين يمكنهما أن يفهما بعضهما البعض الآخر ويكمل كل منهما الآخر، ولكن لا يصيران واحداً على الإطلاق. من هنا استطاع الرجل و المرأة أن يعيشا معاً ويعشق كل منهما الآخر ولا يمل كل منهما مزاج الآخر وسجاياه".
ثم إن البروفسور "ريك" أقام مقارنة بين الرجل و المرأة ننقل بعض ما جاء فيها مما يتصل بمحل بحثنا "يميل الرجل للبقاء على حالاته الاعتيادية في كل يوم، أما المرأة فترغب أن تكون على الدوام كائناً جديداً وأن تنهض من نومها في كل يوم بهندام أكثر جدة".
"أفضل جملة يمكن للرجل أن يقولها للمرأة مقولة "عزيزتي أنت حبيبتي"، وأجمل كلمة تقولها المرأة للرجل الذي تحب هي "أنا أفتخر بك".
"يريد الرجل أن يدخل المرأة التي يحب دينه ومذهبه، كما يسهل على المرأة تغيير لقبها الأسري بعد الزواج، ويسهل عليها أيضاً تغيير دينها ومذهبها لأجل الرجل الذي تحب".
هناك عالمة نفس اسمها "كليود المسون" تقول: "بصفتي عالمة نفسية فإن لي ارتباطاً أعمق مع دراسة الميول النفسية للرجال، لقد كلفت منذ زمن بالبحث عن العوامل السيكلوجية للرجل و المرأة، وانتهى بحثي إلى النتيجة التالية:
1- تميل النساء للعمل تحت إشراف شخص آخر.
وتضيف قائلة: "أعتقد أن ميل النساء في النقطتين أعلاه ينشأ جراء كون النساء يتأثرن سلوكياً بالعنصر العاطفي بينما يحكم العقل سلوك الرجال، فقد شوهدت الكثير من النساء لا يتساوين مع الرجال في الاستعداد الذهني فحسب بل يتفوقن عليهم أحياناً في هذا المجال غير أن نقطة ضعف النساء تنحصر في عواطفهن الشديدة، فالرجال يفكرون على الدوام بطريقة أكثر عملية، تقييمهم أفضل، وقدرتهم على القيادة والتوجيه أكبر. إذن التفوق الروحي للرجال على النساء أمر صنعته طبيعة الخلق، ومهما حاولت النساء أن تناضل ضد هذا الواقع فلا محصلة لهذا النضال، يتحتم على النساء الرضوخ لهذا الواقع، أي حاجتهن لإشراف الرجال في حياتهن بحكم كون النساء أشد عاطفة وأرهف حساسية".
ويل ديورانت أحد علماء الغرب له كتاب اسمه "مباهج الفلسفة" عالج فيه مجموعة من البحوث المتصلة بقضايا الأسرة والجنس ننقل هنا بعض النتائج التي وصل إليها. ينقل هذا العالم الغربي "ديورانت" عن البروفسور "ستار ليتك" قوله: "إن الخلايا التناسلية لا تنتج البويضة والسائل المنوي حيث البلوغ فقط بل تصنع أيضاً صنفاً من الهرمونات التي تنفذ في الدم وتشكل أساساً للتغيرات الروحية والبدنية، فلا ينحصر الأمر في توفر الجسم عند هذا العمر على طاقات جديدة بل تتأثر الروح والخلق أيضاً بآلاف المؤثرات، يقول "لاند": "خلال سنين الحياة يأتي الزمن الذي تطرأ فيه التغيرات الجسمية بالتدريج على شخصية الرجل، وبالنسبة للمرأة فأهم التغيرات التي تطرأ على شخصيتها الرأفة والقدرة اللطيفة على كسب القلوب وتبعث اللطافة والنعومة في ميول الأقوياء".
وينقل أيضاً عن "لمبروز" قوله: "الأساس الطبيعي لعشق المرأة ينحصر في صفة ثانوية من أمومتها، ولا تنطلق كل الإحساسات والعواطف التي تربط المرأة بالرجل من العوامل العضوية بل تنبعث من غريزة الانقياد والتسليم والعيش تحت حماية الرجل، وقد خلقت هذه الغريزة للتكيف مع واقع أوضاع الجنسين".
يقول: "ويل ديورانت" في فصل تحت عنوان "النساء والرجال": "تميل المرأة بشكل أكبر للحصول على الحماية لا الحرب والذي يبدو إن غريزة القتال تنعدم عند الأنثى في بعض أنواع الكائنات، ولو اتفق أن نزلت الأنثى ميدان القتال فلأجل حماية أطفالها".
ويقول: "المرأة أكثر صبراً من الرجل وإن كانت شجاعة الرجل أكبر من المرأة في أمور الحياة الهامة والخطيرة إلا إن قدرة المرأة على الصمود المستمر أمام المتاعب اليومية أكبر من قدرة الرجل. نلمس قتالية المرأة في وجود آخر، فهي تحب الجنود وتميل إلى الرجل القوي وتثيرها الأعمال البهلوانية رغم إنها قد تكون ضحية هذا الميل، إن هذا الميل العميق للقوة والرجولة يغلب أحياناً على الميول الاقتصادية للمرأة العصرية بالشكل الذي تُرجِّح في بعض الأحيان الزواج بالمجنون الشجاع، فالمرأة تستسلم لقائد البلاد، وإذا كان انقياد المرأة في هذه الأيام أقل فلأن الرجال أقل اقتداراً وخلقاً لما عليه قبل".
ويقول: "ينحصر اهتمام المرأة في أمورها العائلية، ويشكل بيتها المحيط الأساسي الذي تحيا فيه، وإذا اتجهت المرأة نحو علاقات الحب المفتوحة فلا يرجع ذلك إلى إنها تلتذ بطعم الحرية في ذلك بل لأنها يئست من الحصول على حياتها الاعتيادية على الرجل المسئول، وإذا افتتنت في سني شبابها بالعبارات والمصطلحات السياسية وانفتحت عاطفياً على سائر الجوانب الإنسانية فإنها بمجرد العثور على الزوج الوفي تغمض بصرها عن كل ذلك، وتخرج نفسها وزوجها بسرعة عن ميدان هذه الفعاليات العامة، وتوحي لزوجها بحصر وفائه بأسرته وبيته".
ويقول: "المرأة تعرف دون أن تكون بحاجة إلى إعمال الفكر إلى أن الإصلاحات السليمة تنطلق من الأسرة فقط، حينما ترجح المرأة الرجل الوفي والملتزم بأسرته وأطفاله على الرجل الطائش الخياني فذلك عامل من عوامل حفظ النوع وبقائه...".
الكسيس كاريل العالم الفرنسي ذو الشهرة العالمية، له كتاب مشهور اسمه "الإنسان ذلك المجهول"، استنتج من خلال دراساته أن ثمة اختلافاً كبيراً بين الرجل و المرأة في التكوين والخلق، وإن هذا الاختلاف ينتج تفاوت الحقوق والواجبات، يقول: "إن للخصيتين والمبايض وظائف أعظم جانب من الأهمية، إنها تولد الخلايا الذكرية والإنثوية، وهي في الوقت نفسه تفرز في الدم مواداً معينة تطبع الخصائص الذكرية والإنثوية المميزة على أنسجتنا وأخلاطنا وشعورنا، وتعطي جميع وظائفنا صفاتها من الشدة، فالخصية تولد الجرأة والقوة والوحشية، ويؤثر المبيض في جسم المرأة بطريقة متشابهة ..".
ويقول: "إن الاختلافات الموجودة بين الرجل و المرأة لا تأتي من الشكل الخاص للأعضاء التناسلية ومن وجود الرحم والحمل أو من طريقة التعليم، إذ إنها ذات طبيعة أكثر أهمية من ذلك، إنها تنشأ من تكوين الأنسجة ذاتها ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيميائية محددة يفرزها المبيض، ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب يتلقى الجنسان تعليماً واحداً وأن يمنحا قوىً واحدة ومسئوليات متشابهة، والحقيقة إن المرأة تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها، والأمر صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء بالنسبة لجهازها العصبي، فالقوانين الفسيلولوجية غير قابلة للين مثل قوانين العالم الكوكبي، فليس من الممكن إحلال الرغبات الإنسانية محلها، ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي، فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن دون أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من الرجال، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحددة".
ثمّ يقول: "ولذا يجب أن تلقن الفتيات التدريب العقلي والمادي لا أن تبث في نفوسهن المطامع التي يتلقاها الفتيان. يجب أن يبذل المربون اهتماماً شديداً للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى وكذا لوظائفها الطبيعية، فهناك اختلافات لا تنقضي بين الجنسين، ولذلك لا مناص من أن تحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم متمدن".
هذا بعض ما وقفنا عليه من كلمات العلماء وعلماء النفس. والمتحصل من مجموع كلماتهم انَّ ثمة اختلافات جوهرية نفسية وعضوية اقتضتها طبيعة الخلق والتكوين، وإن هذه الاختلافات تحتم التفاوت في طبيعة الوظائف والمسئوليات التي تناط بكل منهما، وإن إغفال ذلك تبعاً للعواطف والشعارات الاعتبارية لا يصب في صالح البناء الاجتماعي، كما لا يخدم المرأة في شيء بل يسيء إليها وإلى ملكاتها التي ينبغي تفعيلها وتنشيطها.
وهنا نرى لزاماً علينا واستكمالاً للبحث إيقاف القارئ الكريم على مدى العلاقة بين طبيعة التكوين للرجل وبين وظيفة القيمومة، ولماذا لا تكون هذه الوظيفة متناسبة مع طبيعة التكوين للمرأة، وهذا ما سنبحثه في المقدمة الرابعة إن شاء الله تعالى.
والحمد لله ربِّ العالمين
من كتاب: مقالات حول حقوق المرأة
الشيخ محمد صنقور