تصحيح صلاة المأموم بقاعدة لا تُعاد

المسألة:

صلَّى إمام الجماعة بالناس وهو مجنب وذلك لنسيانه ولم يتذكر إلا بعد الصلاة، فلا إشكال في فساد صلاته ولكن هل يمكن تصحيح صلاة المأمومين بقاعدة لا تُعاد أو لا؟

 

الجواب:

نعم يمكن البناء على صحَّة صلاتهم فرادى استناداً لقاعدة لا تُعاد إذا لم يقع منهم ما يُنافي صلاة المنفرد إلا ما كان من تركهم للقراءة، فترك القراءة حيث نشأ عن اِعتقادهم بصحَّة الجماعة وتحمُّلِ الإمام لها لذلك كان تركهم لها عن عذرٍ وهو كافٍ للبناء على صحَّة صلاتهم استناداً للقاعدة.

 

وجهُ الاستناد لقاعدة لا تُعاد في تصحيح الصلاة:

فقاعدة لا تُعاد تشمل بمقتضى إطلاقها عموم من أخلَّ بغير الخمسة المذكورات عن عذر، فلا تختص القاعدة بالناسي كما أفاد جمعٌ من الأعلام كما أنَّها لاتختصُّ به وبالجاهل القاصر بل تشمل مطلق المعذور وإنْ كان تركه لمثل القراءة وقع منه عن عمدٍ وإلتفات، فما لا تشمله القاعدة هو الإخلال عن علم واِلْتفات -تعمُّد- أو الإخلال عن جهلٍ تقصيري، وأمَّا الخلل الواقع عن تعمدٍ وإلتفات ولكنَّ منشأه الجهل بالواقع فهو مشمول لعموم القاعدة، والأمر كذلك بالنسبة للمأمومين في مفروض المسألة، فهم وإنْ كانو قد تركوا القراءة عن عمدٍ واِلتفات إلى تركها إلا أنَّ منشأ تركهم لها هو الاِعتقاد بصحَّة جماعتهم المقتضية لتحمُّل الإمام للقراءة، وحيث إنَّ علمهم بفساد الجماعة وقع بعد فوات محلِّ القراءة، لذلك فهم مشمولون لعموم قوله (ع): "لاتُعاد الصلاة إلا من خمسة"(1)، والقراءة ليست من الخمسة.

 

ونظير ذلك ما لو توهَّم المسبوق أنَّ الإمام في الركعة الاولى فترك القراءة ولم يلتفت إلى أنَّ الإمام في الركعة الاخيرة إلا بعد أنْ وجده يتشهَّد التشهُّد الاخير.

 

فإنَّه في مثل هذا الفرض يكون مشمولاً لقاعدة لا تُعاد وإنْ كان تركه للقراءة وقع عن اِلتفاتٍ إلى تركها.

 

هذا ويمكن الاستدلال على صحَّة الصلاة فرادى في مفروض المسألة بمثل معتبرة الحلبي عن أبي عبدالله (ع): من صلَّى بقومٍ وهو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة، وليس عليهم أنْ يُعيدوا"(2).

 

فرضُ إخلال المأموم بصلاة المنفرد:

هذا كلُّه في فرض عدم إخلال المأمومين بصلاة المنفرد إلا ما كان من تركهم للقراءة، وأمَّا لو زادوا أوزاد أحدهم ما هو مُغتفَر قي الجماعة كالركوع أو حفظ عليه الإمام شكاً من الشكوك المبطلة كالذي بين الاولى والثانية أو حفظ عليه الإمام شكاً من الشكوك الصحيحة فلم يعمل وفق ما تقتضيه هذه الشكوك لو كان منفرداً ففي مثل هذه الفروض لا يُمكن تصحيح الصلاة بقاعدة لا تُعاد، لأنَّ مثل الركوع داخل في عقد المستثنى أعنى الخمسة التى تُعاد الصلاة عند الاخلال بواحدٍ منها.

 

نعم قد يقال بصحَّة التمسك بإطلاق مثل معتبرة الحلبي لتصحيح صلاة المأمومين حتى في فرض وقوع الخلل عندهم أو عند أحدهم فيما يُغتفر في صلاة الجماعة دون صلاة المنفردة كزيادة ركوع أو عدم الاِعتناء بالشك لحفظ الإمام. إلا أنَّ الصحيح هو أنَّه لا إطلاق لمثل معتبرة الحلبي من هذه الجهة، فهى إنَّما كانت بصدد البيان من جهة الفرض المسئول عنه -وهي فساد صلاة الإمام لجنابته- والفروض المشابهة له والمذكورة في رواياتٍ آخرى ككفر الامام أو فسقه والذي لا يلازم وقوع خللٍ في صلاة المأمومين إلا من جهة ترك القراءة غالباً. فمفاد المعتبرة أنَّ فساد صلاة الإمام من جهة الجنابة لا يقتضي فساد صلاة المأمومين .

 

فليس للرواية تصدٍ لبيان حكم ما قد يتَّفق وقوعه من خللٍ في صلاة الجماعة فيكون مغتفَراً بسبب الجماعة، فمثل معتبرة الحلبى ليس لها تصدٍ من هذه الجهة حتى يُتمسك بإطلاقها لتصحيح صلاة المأموم لو وقع منه الخلل منه هذه الجهة.

 

فمفاد معتبرة الحلبي-بتعبيرٍ آخر- هو تصحيح الصلاة من الناحية المفروضة في السؤال، وليس لها نظر لما قد يتَّفق وقوعه من موجبات الفساد لصلاة المنفرد كالزيادة في الركوع، ولهذا يكون المرجع في مثل هذه الفروض هو إطلاقات ما دلَّ على فساد الصلاة بالزيادة في الركوع أو بوقوع الشك المبطل من المصلِّي.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج1 / ص279.

2- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج1 / ص404.