سندُ رسالةِ الحقوق

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل كتاب رسالة الحقوق فعلاً هو للإمام زين العابدين (ع)؟ وهل يُوجد سند صحيح لها؟

الجواب:

لا ريب أنَّ للإمام زين العابدين (ع) رسالة في الحقوق نقلها عنه أبو حمزة الثمالي (رحمه الله)، فقد استفاض نقل ذلك في كتب الحديث والرجال، فممَّن نقل ذلك الشيخ الصدوق في كتاب الخصال(1) وكتاب مَن لا يحضره الفقيه(2)، ورواه السيد ابن طاووس في كتابه فلاح السائل وأفاد أنَّه يرويها بإسناده عن رسائل الشيخ الكليني ويرويها الكليني بسنده إلى الإمام زين العابدين (ع)(3) وذكر الشيخ النجاشي في رجاله طريقه إلى الرسالة في ترجمة أبي حمزة الثمالي(4)، ورواها الشيخ ابن شعبة الحرَّاني من أعلام القرن الرابع الهجري في كتابه تُحف العقول إلا أنَّه لم يذكر سنده إليها(5).

ونصُّ الرسالة التي أوردها الحرَّاني في تُحفِ العقول مطابقٌ للنصِّ الذي أورده السيد ابن طاووس في كتابه فلاح السائل والذي رواه بإسناده إلى كتاب رسائل الشيخ الكليني ورواه الشيخ الكليني بإسناده إلى الإمام زين العابدين (ع).

واستظهر المحدِّثُ النوري أنَّ رسالة الحقوق التي كانت بيد الشيخ النجاشي متَّحدة مع النسخة التي رواها السيد ابن طاووس عن الكليني والتي أوردها الحرَّاني في تحف العقول(6). وذلك بقرينة عدم إشارة النجاشي إلى وجود اختلاف في النسخ كما هو ديدنه في موارد الاختلاف.

وطريقُ الشيخ النجاشي إلى رسالة الحقوق في غاية الاعتبار والصحَّة، فقد أفاد في ترجمة أبي حمزة الثمالي قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثنا الحسن بن حمزة قال: حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (ع)(7).

وأمَّا سند الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) إلى رسالة الحقوق فقد وقفنا له على طريقين، الطريق الأول ذكره في كتاب الخصال وهو ضعيف، والطريق الثاني ذكره في كتاب مَن لا يحضره الفقيه وهو طريقٌ معتبر، رواه عن علي بن أحمد موسى عن محمد بن جعفر الكوفي الأسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن عبد الله بن أحمد عن إسماعيل بن الفضيل عن ثابت بن دينار الثمالي عن سيد العابدين عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (ع)(8).

فهذا الطريق معتبر وإن استشكل بعضهم في عليِّ بن أحمد بن موسى شيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) وأفاد أنَّه مجهول الحال لعدم النصِّ على وثاقته إلا أنَّ الصحيح هو أنَّ عدم النصِّ على وثاقته لا تقتضي جهالته، فلا يضرُّ ذلك بصحَّة السند، وذلك لأنَّ عليَّ بن أحمد بن موسى وإنْ لم نجد له توثيقاً صريحاً إلا أنَّه يكفي لإثبات وثاقته ترضِّي وترحُّم الشيخ الصدوق عليه، فهو شيخه روى عنه كثيراً، وفي كلِّ موردٍ يروي عنه يُردف اسمه بالترضِّي أو الترحُّم، وهو أمارة على الوثاقة كما هو مقتضى التحقيق، وكما أفاد ذلك الوحيد البهبهاني في كتابه الفوائد الرجالية في الفائدة الثالثة: "إنَّ من أمارات الوثاقة والمدح والقوة ذكرُ الجليل شخصاً مترضِّياً ومترحِّماً عليه، وغير خفيٍّ حسن ذلك الشخص بل جلالته"(9).

وأفاد المحقق الداماد (رحمه الله) في كتابه الرواشح السماوية قال: إنَّ لمشايخنا الكبراء مشيخةٌ يوقِّرون ذكرهم ويُكثرون من الرواية عنهم والاعتناء بشأنهم، يلتزمون إرداف تسميتهم بالرضيلة عنهم أو الرحملة لهم، ألبتة فأولئك أيضاً فخماء وأثبات أجلاء ذكروا في كتب الرجال أو لم يُذكروا، والحديث من جهتهم صحيح معتمَدٌ عليه، نُصَّ عليهم بالتزكية والتوثيق أو لم يُنَص(10).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- الخصال -الشيخ الصدوق- ص564.

2- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج4 / ص513.

3- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج11 / ص169.

4- رجال النجاشي -النجاشي- ص116.

5- تحف العقول -ابن شعبة الحراني- ص256.

6- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج11 / ص169.

7- رجال النجاشي -النجاشي- ص116.

8- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج4 / ص513.

9- الفوائد الرجالية -الوحيد البهبهاني- ص53.

10- الرواشح السماوية -ميرداماد محمد باقر الحسيني الأستر آبادي- ص170.