علامات ظهور الإمام الحجة (عج) (1)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين حبيب اله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم وأكرمنا بنور الفهم وأفتح علينا أبواب رحمتك وانشر علينا خزائن علومك ..، أُحييكم أيَّها الأخوةُ الأعزاء، الحديث حول علامات الظهور.

المقدمة:

المراد من علامات الظهور:

علامات الظهور هي الأمارات والدلائل و العلائم التي تسبق ظهور الإمام الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه الشريف)، فتكون دليلاً على أنَّ الذي سيظهر أو انَّ الذي ظهر هو الحجَّة الموعود الذي بشَّرت به الرسالات على امتداد تأريخها الطويل، والذي مهَّدت له الرسالات، فكلُّ الرسالات، على امتداد تأريخها -الذي هو ضاربٌ في عمق الزمن- كانت تُمهِّد لذلك اليوم المبارك، حيث يبلغ الناس به مرتبة الكمال في العقيدة، وفي السلوك وفي العبادة، ويحيى العدل، وينطمس الظلم، ويسود الخير والصلاح، وتنتظم الأمور وفق الإرادة الإلهية، بعد أن كان انتظامها وفق إرادة الإنسان القاصر الذي طالما تخبَّط وتخبَّط، لذلك ورد في الروايات الشريفة أنَّه لن تبقى راية، ولن تبقى أطروحة إلَّا وستأخذ لها شوطاً من التجربة حتى يتعرَّف الناس على سقمها وثغراتها وضعفها وعدم صلاحيتها لأنْ تقود الإنسان إلى ما فيه صلاحه وكماله، عندها يكفر الناس بكلِّ الاطروحات، ويكفر الناس بكل الرَّايات(1)، ذلك لأنَّهم جرَّبوها فوجدوها غير صالحة لأنْ تقودهم نحو الكمال، وعندئذِ تَشرئبُّ قلوبٌ الناس العقلاء إلى مُصلحٍ يخرجُ فيملأ الأرض عدلاً وصلاحاً وخيراً، ويُبيد الظلم والاستبداد والقهر والتعسُّف.

تصنيف البحث:

سنصنِّف علامات الظهور إلى قسمين:

والقسم الأول يشتمل على صنفين من العلامات:

الصنف الأول:

هو ما يمكن أن نُعبِّر عنه بعلامات الظهور العامة التي تسبق الظهور المبارك.

الصنف الثاني:

هي العلائم التي نصَّت الروايات على أنَّها تسبق الظهور، ولكن لم تثبت لنا بمستوى التواتر، وبمستوى القطع، نعم وردت في رواياتٍ بعضها ضعيف السند وبعضها صحيح السند، ولكن لا تخرج عن كونها أخبار آحاد، لذلك لا يمكن الجزم بأنَّها من العلامات، فحتى لو تحقق مضمون ذلك الخبر فإنَّنا لا نجزم بأنَّه علامةٌ للظهور، وإنْ كنَّا نحتمل ذلك قوياً، وأيضاً حتى لو كانت هذه الأخبار ثابتة وصحيحة ومعتبرة إلّا أنَّها لا تتضمن حتمية هذه العلامة، أي بتعبير آخر: هناك علائم عبَّر عنها الرسول الكريم (ص) وأهل بيته (ع) بأنَّها من المحتوم، يعني حتميَّة حصولها قبل الظهور، وهناك علائم لم تُوصف بأنَّها بالحتميَّة الوقوع، فمثلاً: السفيانيّ، والصيحة والفزعة، والنداء في السماء وصفتها الروايات بأنَّها من المحتوم، وأنَّ وقوعها قبل ظهور الحجة (عج) أمر حتميّ، ولكن ثمَّة علائم لم تُوصف بذلك، وهذه كلُّها -التي صنفناها في الصِّنف الأول، وفي الصنف الثاني- نستعرضها في القسم الأول.

القسم الثاني: هي علامات الظهور التي عبَّرت عنها الروايات بالحتمية، وهي لا تتعدى خمس، أو أربع علامات، فهذه حتميَّة الوقوع كما أفاد أهل البيت (ع)، كما أنَّ الرِّوايات التي نصَّت على وقوعها كثيرةٌ، وتبلغ حدَّ التَّواتر، وإنْ لم تبلغ حدَّ التواتر فهي بالغة حدَّ الإستفاضة الموجبة للاطمئنان بصدورها عن أهل البيت (ع).

الصنف الأول من القسم الأول:

وهي العلامات العامة التي تسبق الظهور المبارك.

العلامة الأولى: امتلاء الأرض بالظلم والجور:

العلامات العامة كثيرة جداً إلاّ أنَّ أظهرها وأوضحها، وما تسالمت عليها الفِرَق الإسلامية، ونصَّت عليها الروايات الواردة -من طرقنا ومن طرق العامَّة-، هي شيوع الظلم والاستبداد والقهر، وتسلُّط الجبَّارين على مُقدَّرات الناس -كلِّ الناس- مسلمين وغير مسلمين، حتّى لا يبقى ملجأٌ يلتجأ إليه الناسمن الظلم، كلُّ مَن أراد أن يهرب من الظلم فإنَّ الظُّلم سيناله حتماً -مع تفاوتٍ في مستوى الظلم الذي يصيب كل إنسان، وكل فرد فرد-. وهذه حالةٌ غير طبيعيَّة! إذْ قد يعمُّ الظُّلم، وقد يصيب الظلم كثيراً من الناس، أمَّا أن لا يبقى أحدٌ إلَّا وينتابه شيءٌ من ظلم الظَّلمة والجبَّارين والمتسلِّطين! فتلك خصوصيَّة لآخر الزمان.

(2) ورد في بعض الرِّوايات أنه لو أراد أن يلجأ إلى ملجأ يختبأُ فيه من الظلم فإنَّه لن يتمكن من ذلك. فأقلُُّ ما يُصيب الإنسان من الظلم هي الضرائب التي تُفرض عليه بغير وجهِ حق أو أن يُحرم شيء من حقه، فالظلم هو أوضح وأشهر العلائم التي تسبق الظهور، وليس المقصود من الظلم هو وقوع الظلم في الجملة، وإنَّما هو عُمومُه وشيوعه.

العلامة الثانية: غربة الإسلام:

من العلائم التي أكَّدتها الروِّايات الشريفات -التي نصنِّفها في العلائم العامة- هي أنْ يعود الإسلام غريباً كما(3) بدأ، يتنكَّر الكثير للإسلام، وذلك بتضييع بعض حدوده، وعدم الالتزام بزواجره، وبأوامره، وتوصياته. ثم يترقَّى الأمر، فيتنكَّر الناس لصلاحيته كنظامٍ للحياة!، قد لا أُقيم حدَّاً من حدود الله، أما أنْ أقول إنَّ هذا الحدَّ الذي حدَّه الله -عزَّ وجَّل- ليس صالحاً فتلك مرتبةٌ أشدّ، وهذا نحوٌ من عدم الإيمان بالإسلام.

فيُحاصر الإسلام في مجموعة من الطقوس، والعبادات والعلاقة الشخصية بين الإنسان وربِّه. نعم سيبذل الجاحدون جهدهم من أجل أن يُحاصر الإسلام في المسجد، ويُمنع من أن يسود، وأن يكون هو الذي يدير الحياة. وهكذا ينحدر النّاس، فيعود الإسلام غريباً كما بدأ.

ونكتفي هنا بنقل رواية طويلة شيئاً ما، وردت عن الرسول (ص) وتتحدث عن بعض العلائم العامة التي تسبق الظهور، وسنعلِّق على بعض فقراتها، تقول الرواية أنَّه كان رسول الله (ص) في حجَّة الوداع بين جمع من الصحابة، وكان أقرب الصحابة إليه حينذاك سلمان (رحمه الله)، وكانوا حلقاً حول الرسول (ص) بجنب الكعبة الشريفة، أخذ الرسول (ص) بحلقة باب الكعبة الشريفة، ثم أقبل على الصحابة بوجهه الكريم فقال: "ألا أخبركم بأشراط الساعة؟"(4) أشراط الساعة تعبير يكاد يكون مساوقاً لأشراط الظهور؛ لأنَّ الظهور يسبق الساعة -لا نقول بقليل ولا بكثير، ولكن نسبياً تكون الساعة قريبة جدا ًبعد الظهور المبارك-.

تقول الرواية: وكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان فقال: "بلى يا رسول الله"، فقال (ص): "من أشراط القيامة إضاعة الصلوات ".

أولاّ: إضاعة الصلوات:

ما معنى إضاعة الصلوات؟ قد لا يكون المراد من إضاعة الصلوات هو تركها، فقد ورد عن أهل البيت (ع) أنَّ إضاعة الصلوات هي إضاعة حدودها، وإضاعة وقتها، يتوانى الإنسان فلا يصلي في وقت الصلاة، ولا يتحفَّظ على شرائطها، وأجزائها، وما يُعتبر في صحتها، فهذا من إضاعة الصلاة. الآية الشريفة تقول: ﴿أَضَاعُواْ الصَّلاة وَاتبعُواْ الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّاً﴾(5) فُسِّرت إضاعة الصلوات بإضاعة حدودها(6).

فعندما لا يكترث الإنسان المسلم بشروط صحّة الصلاة -مثلاً-، وهل أنَّ طهوره صحيحٌ أو غير صحيح؟ هل لباسه واجد ٌلشرائط الصحة أو لا؟ عندما لا يرعى المكلف وقت الصلاة، فيُصلي وقتَ ما فرغ من اهتماماته واشتغالاته الأخرى، فكلُّ شيءٍ هو أكثر أهميةً من الصلاة عنده، فهذا من إضاعة الصلاة.

ثانياً: اتّباع الشهوات:

ثم يضيف الرسول (ص)، فيقول: "من أشراط القيامة إضاعة الصلاة واتّباع الشهوات" الشهوات لا تنحصر بأمرٍ دون أمر، كلُّ ما ترغب إليه النفس، وتهفو إليه، وتستلذُّ به، فهو من الشهوات، فإذا كان اهتمام الإنسان الأكبر، وشغله الشاغل أن يحصل على ما يستلذ به وما يشتهيه، فهو ممن يتَّبع الشَّهوات. وأشدُّ منه مَن لا يكترث بالوسيلة التي يتحصَّل منها على الشهوات، فسواءٌ عنده تحصيلها بحلالٍ أو بحرام؛ يستكثر من المال دون أنَّ يعرف أنَّ هذا الطريق الذي اعتمده هو طريق مباحٌ أو مُحرَّمٌ، يتعرَّض لأعراض الناس، ويتصفَّح وجوه النساء، ويمارس الزنا -والعياذ بالل-، والفاحشة، دون أن تحجزه تقوى أو يردعه دين -فذلك من اتِّباع الشهوات، الذي أخبرت الرواية عن شيوعه قبل قيام الساعة ولا نحتاج إلى أن نُسقِط هذه الوعود النبوَّية على الواقع، فهي منطبقةٌ تمام الإنطباق على واقعنا -كما ترون-، فقد عمَّ الفساد، وشاع وذاع، وأصبح المنكر مأنوساً غير مستوحَشٍ بين الناس، فلا نستغرب ولا نستوحش عندما نرى آخرين يرتكبون الفاحشة، ولا نستقذر الفاحشة بل نستمرؤها ونهشُّ إليها، ما معنى كلّ هذه الحالة التي نحن عليها؟! أليس ذلك نتيجة البُعد عن التَّوصيات النبوية؟!

ثالثاً: الميل مع الأهواء:

ثم تُضيف الرواية: "إضاعة الصلوات، واتِّباع الشَّهوات، والميَّل مع الأهواء". لا دِين ولا تعقُّل! فليس منشأ الموقف الذي يقفه إنسان آخر الزمان هو الدين أو التعقل، فعندما أنتمي لأحدٍ فإنَّما أنتمي له لأنَّ في ذلك الإنتماء ما يناسب هواي ورغبتي، وليس لأن ذلك الانتماء مما يهدي إليه الدِّين، أو يُرشد إليه العقل! وعندما أسعى من أجل تحصيل أو تأسيس مشروع خيري، فإنَّ البَّاعث الدَّاعي لذلك ليس هو الدين أوالعقل، وإنَّما هي الأهواء والرَّغبات، من جاهٍ، أو مالٍ، أو حبوةٍ، أو أيِّ شيءٍ آخر يرتبط بالأنا والذات، والمصلحة الشخصية أو الفئوية، أما الدين والعقل فبعيدان، وليسا في الحسبان. هذا هو معنى قول الرسول الكريم -وهو الصادق المصدق- "الميل مع الأهواء".

رابعاً: تعظيم أصحاب المال:

ثم تضيف الرواية: "وتعظيم أصحاب المال". فصاحب المال تجده معظَّماً محترماً مبجَّلاً يُقام له ويُقعد. أما الفقير فهو منبوذ، لا يُرعى حقُّه! ترى الغنيّ يُوسَّع له في صدر المجلس، ويُخشى من تجاوزه؛ لا لأنه يملك عقلاً ورشداً، أو ديناً، وإنَّما لأنَّه يملك مالاً! فتعظيم أصحاب الدنيا والأموال والتخضع والتواضع لهم لأجل ثرائهم، هو مما نهت عنه الروايات الشريفة، بل وحذَّرت من مجالستهم، فقد ورد عن رسول الله (ص) قوله: "أربعٌ يُمِتْن القَلب، الذَّنب على الذَّنب .. والرابعة: قال (ص): مجالسة الأموات، قيل: وما الموتى؟ قال (ص): كل غني مترف"(7) أوليس نبحث عن مجالسهم في هذا الزمان، فنجالسهم، ونتخضَّع لهم؟!

وورد عن الإمام علي (ع) أنَّه قال: "التَكبُّر على المُتكبِّر، هو التواضع بِعَيْنهِ"(8)، وورد انَّه: "من أتى غنياً فتواضع لغناه ذهب ثلثا دينه"(9)، نعم، هكذا ورد عن أهل البيت (ع) فنحن نهدم ديننا في كلِّ يومٍ عندما نتخضَّع للكُبرَاء والأغنياء والأثرياء لأنهَّم أثرياء. أمَّا إذا كان ثريَّاً مُتديِّناً، ونقدِّره لأجل دينه، فذاك أمرٌ مُستحسّن، أما أن نتواضع للأغنياء لأنَّهم أغنياء فهذا هو مصداق الوعد النبوي الشريف "وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا"، ما معنى بيع الدين بالدنيا؟!

عندنا خياران، أو طريقان:

هذا طريقٌ إن التزمَته حفظتَ دينك، إلا انَّفيه ضياعاً للدنيا، أو لمكسبٍ من مكاسبها، وذاك طريقٌ فيه مكسبٌ من مكاسب الدنيا، ولكنَّ فيه تجاوزاً للدين، فحين أتجاوز الدِّين من أجل تحصيل هذا المكسب، فهذا هو بيع الدين بالدنيا، ومن أوضح مصاديق بيع الدِّين بالدُّنيا هو أن أكون في ركب الظالمين، أستجديهم وآخذ الأموال منهم، وأرتِّب على ذلك أنْ أُحقِّق كلَّ رغباتهم.

نموذج لباعة الدين بالدنيا:

تذكرون قضية حميد بن قحطبة؟! القائد العباسي الشهير، دخل عليه أحدهم في شهر رمضان وهو يأكل الطعام ويشرب الشراب! فاستغرب أشدَّ الاستغراب، صحيح أنَّ هذا الرجل كان من القادة العسكريين لبني العباس وأنَّه ممن عُرف بسفك الدماءالمحرَّمة إلا أنَّه لم يتوقع منه أن يتجاهر بهتك حرمة شهر رمضان، فعادةُ هؤلاء الكبراء انَّهم وإنْ كانوا يرتكبون أبشع الجرائم، لكنَّهم يتظاهرون بالإلتزام ببعض العبادات كالصوم.

فاستغرب الرجل مما رآه، قال ابن قحطبة للرجل حين وجد عليه أثر الاستغراب: أمستغربٌ أنت؟! قال له: نعم، أنت قائدٌ لخليفةٍ عباسي مسلم، ويسمي نفسه خليفة المسلمين، وهو في موقع رسول الله (ص) وأنت تأكل في نهار شهر رمضان؟! قال له: "أنا سأخبرك منذ متى أفطرت: في ليلة من الليال استدعاني هارون الرشيد، فذهبت إليه مرعوباً في منتصف الليل؛ قلتُ في نفسي: لعلَّ أحداً وشى عليَّ. رأيتُه جالساً، فسلَّمتُ عليه، فأجابني: بم تُفدِّي الخليفة؟ قلتُ: أُفدِّيه بمالي. قال: انصرف.و بمجرد أن مضيت أرجعوني. سألني مرّة أخرى: بم تُفدِّي الخليفة؟ قلت: أُفدِّيه بمالي، وولدي جميعاً. قال: انصرف. انصرَف، ثم أرجعوه، قال: بمَ تفدي الخليفة؟ قال: أفديه بمالي، وولدي، ونفسي. قال له: انصرف.ثم أُرجِع، قال: بم تُفدِّي الخليفة؟ قال: فعرفت غاية الرجل فقلتُ: أَفدِّيه بمالي، وولدي، ونفسي، وديني! ابتسم ثم. قال له: تُفدِّيني بدينك؟ قال له: نعم. قال: اخرج مع هذا الحاجب، وإئتمر بكلِّ ما يأمرك به.

يقول: فخرجتُ معه، فأدخلني طامورةً مظلمة، وجدتُ فيها ستين علوياً -بين شيخٍ وشابٍ وطفل-، فأعطاني السيف فقال: اضرب أعناقهم جميعاً، وارمِ برؤوسهم في بئرٍ كانت هناك! يقول: اقشعرَّ بدني، فرأيتُ الحاجب ينظر إليَّ، فتذكرتُ إنَّه إن عصيتُ كان مصيري الموت. ضربتُ عنق الأوَّل، فتجَّرأتُ فقتلتُ الثاني، وضربتُ عنق الثالث والرابع، حتى بلغت الستِّين، وكان آخرهم شيخاً كبيراً ينيف على الثمانين سنة، يقول: رقَّ قلبي قليلاً، إلاَّ أني قتلتُه، فأيُّ صومٍ بعد هذا؟!

كثيرٌ هممَن باعوا دينهم بدنياهم، بل -للأسف الشديد- بدنيا غيرهم، وشيءٍ من دنيا يحصلون عليها!!

ما تؤول إليه الأمور في عصر الظهور:

ثم تكشف الرواية عمَّا تؤول إليه الأحوال بعد حصول تلك العلامات في عصر الظهور فيقول (ص): "وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يُذاب قلب المؤمن في جوفه كما يُذاب الملح في الماء، لما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره" قال سلمان: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسول الله؟! قال: "إي والذي نفسي بيده يا سلمان، عندها يليهم أمراءٌ جَوَرَة، ووزراءٌ فَسقهَ، وعُرفاء ظَلَمة، وأُمناء خَونة. أي أنَّهم اسُتؤمنوا على مصالح الناس، لكنَّهم خونة. قال سلمان: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسول الله؟! قال: إي والذي نفسي بيده، يا سلمان عندها يكون المنكر معروفاً والمعروف منكراً أي يُصبح المنكر مأنوساً غير مستوحَش، والمعروف مُستنكراً عليه ومستوحشاً منه، "ويُؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويُصدَّق الكاذب، ويُكذَّب الصادق قال سلمان: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسول الله؟! قال: إي، والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها تكون إمارة النساء، ومشاورة الإماء، وقُعود الصِّبيان على المنابر، ويكون الكَذِب ظَرَفاً يعني يستظرفُ الناس بالكذب، "والزكاة مغرَماً" يعتبرون الزكاة والخمس الذي يُعطى الفقراء مغرَماً، ما معنى المغرم؟ يعني أنَّ الدفع والأداء للزكاة والخمس يكون عن غير رضا، كما يدفع المَدين لدائنه ما عليه، وكما لو أتلف أحدٌ مالاً فطُلب منه ضمانه، هذا الغريم يدفع ما استدانه وما وجب عليه ضمانه بمشقة، يدفعه بغير رضا، لأنَّه يستشعر الخسارة في ذلك وأنَّ دفعه يكون بغير عائد، وفإذا كان أداء الزكاة والخمس صدر عن هذا النحو من الشعور فهذا معناه اعتبار الخمس والزكاة مغرماً وكأنهما الجزية التي كان يدفعها أهل الكتاب وهم صاغرون. "والفيء مغنماً، ويجفو الرجل والديه ويبرُّ صديقه! ويطلع الكوكب المذنَّب" كلُّ ذلك سنتحدث عنه فيما بعد، ونكتفي بهذا المقدار.

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- كتاب الغيبة للنعماني: 282. عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: "ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولوا على الناس حتى لا يقول قائل: إنا لو ولينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل".

2- شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج 3 ص 385: ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم. ثم قال: ثم يبعث الله رجلا من أهل بيتي فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا يبقى السماء من قطرها شيئا إلا صبته مدرارا، ولا تدع الأرض من نباتها شيئا إلا أخرجته حتى يتمنى الاحياء الأموات.

3- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 25 ص 136: "بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله ثم يكون ماذا؟ قال ثم يرجع الحق إلى أهله".

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 15 ص 348. عن النبي (ص) أنه قال في حجة الوداع: إن من أشراط القيامة إضاعة الصلاة، واتباع الشهوات، والميل مع الأهواء وتعظيم المال، وبيع الدنيا بالدين، فعندها يذاب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره، ثم قال: إن عندها يكون المنكر معروفا، والمعروف منكرا، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ثم قال: فعندها إمارة النساء ومشاورة الإماء، وقعود الصبيان على المنابر، ويكون الكذب ظرفا، والزكاة مغرما، والفئ مغنما، ويجفو الرجل والديه ويبر صديقه، ثم قال: فعندها يكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها، ويشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ويركبن ذوات الفروج والسروج فعليهم من أمتي لعنة الله، ثم قال: إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس، وتحلي المصاحف، وتطول المنارات، وتكثر الصفوف والقلوب متباغضة، والألسن مختلفة، ثم قال: فعند ذلك تحلى ذكور أمتي بالذهب، ويلبسون الحرير والديباج، ويتخذون جلود النمر صفاقا، ثم قال: فعندها يظهر الربا، ويتعاملون بالغيبة والرشا، ويوضع الدين وترفع الدنيا، ثم قال: وعندها يكثر الطلاق فلا يقام لله حد ولن يضر الله شيئا، ثم قال: وعندها تظهر القينات والمعازف، وتليهم شرار أمتي، ثم قال: وعندها حج أغنياء أمتي للنزهة، ويحج أوساطها للتجارة ويحج فقراؤهم للرياء، والسمعة، فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله فيتخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقهون لغير الله، ويكثر أولاد الزنا، يتغنون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا، ثم قال: وذلك إذا انتهكت المحارم، واكتسب المآثم، وتسلط الأشرار على الأخيار، ويفشو الكذب، وتظهر الحاجة، وتفشو الفاقة، ويتباهون في الناس، ويستحسنون الكوبة والمعازف، وينكر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر -إلى أن قال:- فأولئك يدعون في ملكوت السماء الأرجاس الأنجاس . . . الحديث.

5- سورة مريم / 59.

6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 15 ص 343 باب 49 من أبواب جهاد النفس ح 13/ تفسير نور الثقلين ج3/ 351.

7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 ص198.

8- شرح نهج البلاغة ج 20 ص 298.

9- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 13 ص 348.