علامات ظهور الإمام الحجة (عج) (2)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وخاتم النبيين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وافتح علينا أبوب رحمتك وانشر علينا خزائن علومك.
كنا قد تحدثنا في الجلسة السابقة عن بعض العلائم العامة للظهور المبارك، وكنا قد قرأنا شيئاً من الرواية الشريفة الواردة عن الرسول الكريم (ص)، ونقرأ في هذه الليلة إن شاء الله تعالى فقراتٍ أخرى منها،ثم ننتقل إلى الصنف الثاني من علامات الظهور.
قلنا إنَّ هذه الرواية كانت قد صدرت -بحسب النقل- عن الرسول الكريم (ص) في حجَّة الوَدَاع، وكان ذلك بفِناء الكعبة الشريفة، وقد كان رسول الله (ص) ممسكاً بحلقة باب الكعبة الشريفة، وكان بجانبه سلمان المحمدي -قدَّس الله نفسه الزكيَّة-، وقد أفاد رسول الله (ص)فيما أفاد، وبعد أن سأله سلمان: وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: "اي والذي نفسي بيده يا سلمان، فعندها يليهم أقوامٌ إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم يعني إن ضجُّوا من الظلم والاستبداد، وأنكروا على الظالمين والجبارين ما يمارسونه من ظلم وتعسُّفٍ واستبداد واستحواذٍ على مقدرات الناس، كانت الوسيلة المعتمدة عند هؤلاء الجبارين هو القتل. وإنْ سكتوا وتغاضوا عما يفعله الظالمون استباحوهم، استباحوا خيراتهم، ومنابع ثروتهم، وقدرتهم، واستحوذوا على كلِّ ما جعله الله عز وجل لعباده، فلا هم حين يُنكرون يسلموا، ولا هم حين يسكتون يأمنوا يقول (ص): "لَيستأثروا بفيئهم، ولَيطأُنَّ حرمتَهم، ولَيسفكن دماءَهم، ولتملأن قلوبهم غلاً ورعباً" ترى الرعيَّة تحمل حقداً وغيظاً على ولاتها الجبَّارين، وفي ذات الوقت ينتابها الرُّعب والرهبة والخوف والترقب للمزيد من القهر والظلم، فلا تراهم إلَّا وجلين خائفين مرعوبين. قال سلمان: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسول الله؟! قال:"اي والذي نفسي بيده يا سلمان، عندها يُؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب يعني هذه كناية عن أنَّ مَن سيلي شئون المسلمين هم أناس ليسوا من المسلمين، بل من المشرق والمغرب من الكفرة، هؤلاء هم مَن يلي أمر هذه الأمة، وهم الذين يسوسون نظامها، ويديرون دفتها فالويل لضعفاء أمتي منهم، والويل لهم من الله أولاً الويل لضعفاء الأمة، والويل يقع على الجميع لكن لماذا تم تخصيص الضعفاء؟ لأن الضعفاء لن تُستلَب خيراتهم وحسب، بل إنَّهم سيكونون في ركب الظالمين من المعسكر الشرقيّ والمعسكر الغربيّ، يحملون رايات الظالمين وأطروحاتهم، ويرِّوجون لها، ويُصبحون أذناباً لهاتين القوتين الكبيرتين، لذلك يكون الويل عليهم أشد. ثمة في الأمة من يتمسك بدينه وبعقيدته، فيُستباح حريمه، وتُسلب أمواله، ويلقى من الظالمين كلَّ اضطهاد، ولكن يبقى دينه منحفظاً متجذراً، وثمَّة آخرون من هذه الأمة، يُفتنون برايات الغرب ورايات الشرق، فيكونون المروجين لأطروحاتهم وأفكارهم.
إكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء:
ثم ماذا يترتب على ذلك من ترويج هؤلاء الفسقة؟ يقول الرسول الكريم (ص): "يا سلمان عندها يكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء" يعني يكون ما يترتب على استيلاء الآخرين -من غير أهل دين الله- على مقدّرات هذه الأمة، أن يشيع الفساد في أوساط هذه الأمة، فتشيع الفاحشة واللواط والسحاق، "الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ويُغار على الغلمان كما يُغار على الجارية" كيف يخشى الأب على بنته فيمنعهامن أن تخرج في الطريق فيسيء إليها الفسقة، ويتحرَّشون بها، كذلك تكون الخشية على صغار الأولاد من الفاسقين أهل الفحش والرذيلة، فكما يُخشى على النساء يُخشى على الغلمان، ولعلَّ المراد من قوله (ص): "ويغار على الغلمان .." هو أنَّه يعتدى على الغلمان كما يعتدى على النساء، وعلى أي تقدير فإنَّه لا نحتاج أن نُسقِط هذه الوعود النبويَّة على واقعنا، فوجود ذلك أبين وأوضح من أن يحتاج إلى بيان.
تشبُّه الرجال بالنساء:
"ويُغار على الغلمان كما يُغار على الجارية في بيت أهلها، وتتشبه الرجال بالنساء" هذا مظهر آخر من مظاهر الرَّذيلة التي تنشأ من استيلاء الآخرين على هذه الأمة، تتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال. التشبُّه يكون في الثياب، والتشبُّه يكون بالسلوك، فترى الولد مكسَّراً، يتأنَّث في مِشيته، يرغب إلى ما ترغب فيه النساء. وترى المرأة مسترجلة، تدخل إلى محافل الرجال، تتحدث وكأنها رجل جريء، لا حياءَ ولا خجل، هذا هو الإسترجال، فمعنى أن تكون المرأة مسترجلة هو أن تمشي مثلاً في الأسواق في وسط الرجال، جسدها يصطدم بجسد الرجل فلا تبالي، يتصفَّح الرجال وجهها وإهابها وجسدها فلا تبالي، تناقش وتشاجر وتُماكس في الأسواق وفي المجمَّعات وفي محافل الرجال دون أدنى مبالاة، وعندما يستنكر مؤمن ذلك أو يستهجنه يُقال له إنَّ ذلك منافٍ لحقوق المرأة في المساواة! فأصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً. ثم قال (ص): " وتركبن الفروج السروج "كناية عن أنَّ المرأة لا تبالي، تركب ما يركبه الرجال، وتقود ما يقوده الرجال، فتر كب الخيل فارعة دون حياء ودون خجل" فعليهنَّ من أمتي لعنة الله "قال سلمان: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسول الله؟! قال: "إي والذي نفسي بيده يا سلمان"
تزويق المساجد وزخرفتها:
وهل توجد مظاهر أخرى يا رسول الله؟ قال: بلى، هناك مظاهر أخرى للفساد الذي سيعمَّ هذه الأمة، قال: "إنَّ عندها تُزخرف المساجد كما تُزخرف البِيَع والكنائس" كيف يفعل اليهود ببيعهم، والنصارى بكنائسهم، كذلك يفعل المسلمون بمساجدهم، فتراها مزخرفة مزيَّنة، ولكن على غير هدى، تُزخرف المساجد وتُزيَّن ولكنها تكون أشبه شيء بالمقبرة لا تحفل بأحد، وإن حفلت بأحد حفلت بأجسادٍ دون قلوب، ودون أرواح. أين الذين تخشع قلوبهم من ذكر الله؟ لا وجود لهم في تلك المساجد! قال (ص): "وتُحلَّى المصاحف" أي تُذهَّب وتُفضَّض، ولكن للتباهي والتفاخر وتُحلَّى المصاحف، وتُطوَّل المنارات،وتكثر الصفوفات ترى الناس صفوفاً في المساجد، والقلوب متباغضة، والسُّنن مختلفة! قال سلمان: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسول الله؟!قال (ص): "إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تُحلَّى ذكور أمتي بالذهب" لاحظوا! كيف عبَّر النبي (ص) عن رجال الأمة فهو لم يُسمهم رجالاً، وإنما سماهم ذكوراً، فهم لا يخرجون عن الذكورية لكنهم ليسوا برجال، فما استحقوا أن يسميهم النبي (ص) رجالاً؛ وذلك لأنهم يلبسون الذهب والحرير والديباج. "وعندها تُحَلَّى ذكور أمتي، ويُلبس الذهب والحرير والديباج" كناية عن النِّعمة والرخاء، يرفلون في النعمة والرخاء، ولكن على غير هدى. ثم قال (ص): "ويتخذون جلود النمور صفاقاً" ما معنى هذه العبارة؟ يعني جلود السباع يُصنع منها الطبول والدفوف ثم تعقد المجالس والمحافل للإلتهاء بها، ونحن معاشر الشيعة وإن كنا بعيدين عن هذه الأجواء، ولكن يؤسفنا أن تتسلل مثل هذه الأمور إلى أوساطنا شيئاً فشيئاً، والذي يُدمي القلب أنها تتسلل في إطارٍ ديني، و قال سلمان: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسول الله؟! قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يظهر الزنا -والعياذ بالله-، ويتعاملون بالغيبة والرُّشا، ويُوضع الدِّين وتُرفع الدُّنيا "يُحيَّد الدين ويُحاصر في المساجد، وإذا نادى منادٍ ورفع عقيرته، وقال لابدَّ من أن يسود الدين، وأن يُحكَّم الدين، قالوا إنك رجعيّ متخلِّف، لا وجود للدين ولا محل للدين إلا في المسجد!".
يكثر الطلاق وتظهر القينات:
وقال سلمان: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسول الله؟! قال: إي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يكثر الطلاق" يكثر الطلاق، لأنهم يتزوَّجون عن نشوة، ثمَّ لا تبرح هذه النشوة أن تنتهي، فيحصل الطلاق، وعندها يكثر الطلاق فلا يُقام لله حد، ﴿وَلَنْ يَضُرُواْ اللهَ شَيْئاً﴾(1)، هم الخاسرون، وهم الذين أخطئوا حظهم حين عطَّلوا حدود الله تعالى. قال سلمان: وإن هذا لكائنٌ يا رسول الله؟! قال (ص): "اي والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها تظهر القينات" القينات: الراقصات، راقصات الأمة الإسلامية اليوم يسابقن راقصات الأمة المسيحية الكافرة، راقصات من كل مكانٍ يُجلبن إلى محافل المسلمين -مع شديد الأسف-، يضيف (ص): "وعندها تظهر القينات، والمعازف، وتليهم أشرار أمتي" الفُسَّاق والفجرة هم الذين يتحكمون بمصائر الناس ومُقدّرات هذه الأمة!
الحج للنزهة والتجارة:
نختم بهذه الفقرة: قال سلمان: وإنَّ هذا لكائنٌ يا رسول الله؟! قال (ص): والذي نفسي بيده يا سلمان، وعندها يحجُّ أغنياء أُمَّتي للنزهة" ويحج أوساطها للتجارة، ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة، فعندها يكون أقوامٌ يتعلَّمون القرآن لغير القرآن" أي لغير الله، ويتخذونه مزامير، ويكون أقوام يتفقهون لغير الله، يتعلم الفقه ولكن للسمعة والشهرة، وللمجادلة وللمراء، وتكثر أولاد الزنا -والعياذ بالله- ويتغنون بالقرآن، ويتهافتون بالدنيا، ثم قال: "ذاك إذا انْتُهِكَتْ المحارم، واكْتُسِبَتْ المآثم، وتسلَّط الأشرار على الأخيار، ويفشو الكذب، وتظهر اللجاجة، وتفشو الفاقة، ويتباهون في اللباس، ويستحسنون الكوبة والمعازف"، المعازف: هي المزامير وغيرها، وأما الكوبة: فهي النرد والشطرنج وسائر آلات القمار. نكتفي بهذا المقدار.
هذا ما يرتبط ببعض علامات الظهور التي عبرنا عنها بالعلامات العامة، والتي إذا ما وقعت فإنها تكون مؤشِّراً على قرب الظهور، ولكنَّ المراد هنا من القرب هو القرب النسبيّ، يعني لن يكون مقدار ما مضى أكثر من مقدار ما بقي.
القسم الثاني: العلامات الخاصّة
والحديث بعد ذلك عن علامات الظهور الخاصة، والتي يكون وقوعها في الخارج مؤشِّراً عن قرب الظهور، بنحوٍ لا يتعدى الزمن القصير -بمعناه الواقعّي، وليس بمعناه النسبي-، وقد قلنا أننا سنصنِّف علامات الظهور الخاصة إلى صنفين:
الصنف الأول: هي علامات الظهور التي لم توصف بالحتمية، وكذلك لم تثبت بطريق التواتر، بحيث نقطع بوقوعها.
وأما الصنف الثاني: فهي العلامات التي وصفت من قبل الرسول (ص) وأهل بيته (ع)، بالعلامات الحتمية الوقوع، وهذا ما سنُرجئه إلى ما بعد الحديث عن الصنف الأول.
الصنف الأول: العلامات غير الحتمية
ولعلنا نكتفي في الحديث عن الصِّنف الأول بثلاث علامات؛ نظراً لعدم سعة الوقت لاستيعاب جميع ما ورد في الروايات من علامات الظهور:
العلامة الأولى: الموت العام:
ورد في مجموعة من الروايات، أنه قُبَيْل الظهور بزمنٍ يسير يعمُّ الموت هذه الأرض، موتٌ أحمر، وموتٌ أبيض(2)؛ أما الموت الأحمر فهو القتل -وعبَّرت عنه الروايات بالسيف-، وأما الموت الأبيض فهو الطاعون، ولعل المقصود منه الأوبئة، فقد يتفق أن ينتشر وباء من الأوبئة في رقعة كبيرة من الأرض، فيترتب على ذلك موت الكثير من أبناء هذه الدنيا، قُبَيْل وقوع الظهور المبارك.
كم سيموت من البشر؟
الروايات أفاد بعضها أنه يموت جرَّاء القتل والطاعون ثلثا مَن على وجه الأرض، فلا يبقى إلا ثلث(3). وثمَّة روايات أفادت بأن الذي يبقى أقل من الثُلث، فقد ورد أنه يموت من كلِّ سبعةٍ خمسة(4)، يعني أقلَّ من الثُلث بقليل. وردت رواية عن مولانا أمير المؤمنين (ع) يقول: "بين يدي القائم (5) وهذا تعبير عن القرب المباشر، يعني في الزمن المتاخم لزمن الظهور بين يدي القائم موتٌ أحمر، وموتٌ أبيض، وجرادٌ في حينه، وجرادٌ في غير حينه. فأما الموت الأحمر فبالسيف وقلنا لعله يرمز إلى القتل، السيف كناية عن وسيلة القتل، وهي لا تختص بالسيف بمعناه التقليدي، وأما الموت الأبيض فالطاعون، والطاعون اسم يُطلق ويراد منه الوباء الذي له خاصية الانتشار سواء نشأ عن هذه الجرثومة او ذلك الفيروس، فأيُّ مرض فتَّاك ينتقل بالعدوى يُقال له طاعون في مصطلح العرب، "جرادٌ في حينه، وجرادٌ في غير حينه" الجراد الذي في حينه، قد يكون المقصود به الوباء الذي ينشأ عن بعض الجراثيم والفيروسات المعروفة، وجراد في غير حينه، لعله الطاعون الذي ينتشر دون سابق إنذار ودون أن يعرف له المتخصِّصون سبباً ظاهراً، وطبعاً هذه الرواية لم تحدِّد مقدار مَن سيموت جراء الموت الأحمر والموت الأبيض، فهي لم تحدد المقدار.
ثمَّة رواية أخرى يرويها سليمان بن خالد -رحمه الله- عن الإمام الصادق (ع) قال سمعت أبا عبد الله يقول: "قُدَّام القائم (ع) موتان موتان: موت أحمر، وموت أبيض. يقول: حتى يذهب من كل سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون".(6)
نحن لا نستغرب المسألة، الحرب العالمية الأولى والثانية كان نتيجتها هلاك الملايين، وطبعاً كانت آلة الحرب والوسائل التكنولوجية أقلّ مما هي عليه الآن، ومع ذلك ترتّب عن نشوب تلك الحربين موتٌ واسعٌ في أرجاء الأرض. وأما الأوبئة فيكفي التمثيل بوباء الإيدز، حيث يموت بسببه سنوياً ملايين الناس، فلو انتشر في الأرض أكثر من وباء أو اتفق ظهور وباءٍ أكثر فتكاً من الإيدز فما الذي سوف يقع؟! ثمة أوبئة أخرى قد ظهرت في الوقت الحاضر مثل أنفلونزا الطيور، وجنون البقر وغيرها، فهذه ونظائرها يمكن أن تقع قبيل ظهور القائم (ع) فيترتَّب عليها موتٌ واسع.
هذه الرواية حدَّدت مقدار مَن سيموت، ولكن لم تُعيِّن الزمن الذي سيقع فيه بالتحديد، كما أنَّ الرواية الشريفة أفادت بأنَّ الذي سيموت أكثر من الثلث، وأنَّ الذي سيبقى أقلُّ من الثلث، من كلِّ سبعة يموت خمسة.
ثمَّة رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع) "لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس فقيل: إذا ذهب ثلث الناس؛ فما يبقى؟!
فقال (ع): "أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي؟"(7) لعلنا نكون من الثلث الباقي إن شاء الله تعالى.
ورواية أخرى عن محمد ابن أبي نصر البيزنطي -رحمه الله- قال: سألت أبا الحسن الرضا .. إلى أن قال الإمام: "قُدَّام هذا الأمر بيوح قلتُ: وما البيوح؟ قال: قتل دائم لا يفتر"(8) حروب طاحنة، حرب تتلوها حرب.
وثمَّة رواية أخرى، عن الإمام علي (ع) أنه: "لا يخرج المهدي حتى يُقتل ثلث ويموت ثلث، ويبقى ثلث"(9). هذه الرواية صريحة فيما ذكرناه أولاً.
ثمَّة رواية مرسلة -طبعا ًلا يمكن الاعتماد عليها- أفادت أنَّ الحرب تبدأ في صفر، وتنتهي في صفر(10)، فإذا انتهت فهو أول خروج المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
طبعاً هذه الروايات الشريفات -التي نقلناها لكم- تعبِّر عن أنه سيكون قُبَيْل ظهور القائم حرب ووباء، يترتب عنهما موت الكثير من الخلق، طبعا الثلث والثلثان أرقام تقريبية، ولعلها ترمز إلى كثرة من سيُقتَل، ثم إنَّ الروايات -التي قرأناها- لا يبعد أنَّها تشير إلى أن هذا الأمر، وإن كان سيبدأ قُبَيْل الظهور إلَّا أنه سيستمر إلى زمن الظهور، فتكون هذه العلامة من العلامات المزامنة لعصر الظهور. وقد أطلقت العديد من الروايات على بعض الأحداث المزامنة لزمن الظهور عنوان العلامة، وذلك لا يضر بظهور الرواية في أنَّ الموت الأحمر والأبيض -مثلاً- سيتحقق قُبَيْل الظهور فإن ذلك لا يمنع من أن يبقى إلى زمن الظهور.
طبعاً الروايات تفتقر إلى بيان الكثير من التفاصيل التي كنا نتمنى لو أنها كانت واضحة، فالروايات لم تحدِّد المكان الذي سيكون فيه القتل، نعم يُشير بعضها إلى أنَّ القتل سيعم الأرض، كما يستفاد من إحدى الروايات التي قرأناها أن الموت الأحمر والموت الأبيض يعم الناس، -كلَّ الناس- سواءً كانوا في الأرض التي يقطنها المسلمون أو غيرها، وإن كانت الرواية التي وردت عن الإمام الصادق: "أما ترضون أن تكونوا من الثلث الباقي" تُشعر بأنَّ الموت العام سيكون في غير بلاد المسلمين أكثر منه في بلاد الإسلام- نعم لاجزم بهذا الأمر، لأن الروايات لم تُفصل ذلك-.
نكتفي من العلامة الأولى بهذا المقدار، وقلنا أنها لا ترقى إلى مستوى العلامة الحتميّة لأن الروايات لم تصفها بذلك. ولهذا يمكن أن يقع البداء في هذا الأمر: ﴿يَمْحُوْ اللهُ مَا َيشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَاب﴾(11).
العلامة الثانية: خروج الدجَّال:
تنويه: في البداية لابد من الإشارة إلى أن أكثر الروايات التي تحدَّثت عن خروج الدجال، وعن صفاته، وعن بعض ما سيمارسه حين خروجه، أكثر هذه الروايات لم تصل من طرقنا، وإنما وردت من طرق العامة، وهي أكثر من أن تُحصى، فهي بالغةٌ حدَّ التواتر الإجمالي، لذلك لا يسعنا إنكارها مطلقًا، ولكن لا يمكن التسليم بتفاصيلها، لأنَّ تفاصيلها روايات آحاد، فلا يصحّ التعويل عليها بنحوٍ جزميّ. وثمة روايات وردت في طرقنا تحدثت عن خروج الدجال، ولكنها روايات قليلة جداً في مقابل الروايات الكثيرة -التي تفوق حدَّ التواتر الإجمالي- التي وصلت من طرق العامة عن النبي الكريم (ص).
طبعاً قبل الحديث عن واقع هذه العلامة -وهل هي مُسلَّمة أو ليست مُسلَّمة، وعلى فرض التسليم بها فعلى أيّ حملٍ نحملها، وبأيِّ فهمٍ نفهمها-، قبل ذلك لابدَّ أن من الإشارة إلى مضامين الروايات التي وردت في الدجال من طرق العامة، وسنرجئ التعليق عليها، وبيان ما هو الفهم الصحيح لهذه الروايات -على فرض صدورها-، إلى ليلة أخرى -إن شاء الله-.
صفات الدجّال وأحواله:
1- رجلٌ عمره طويل:
الروايات الكثيرة التي وردت من طرق العامة، وصفت الدَّجال بأنه رجل طويل العمر. وهذه مفارقة غريبة! هم يؤمنون بالدَّجال وبأنَّ عمره يمتدُّ من أيام الرسول الكريم (ص) إلى زمن الظهور، والحال أنهم يستنكرون علينا الإيمان بوجود الإمام الحجة بن الحسن (ع).
على أيِّ تقدير، الروايات -الواردة من طرق العامة- يظهر منها أنَّ الدَّجال رجل طويل العمر.
2- أعور العين:
ووصفته بمجموعة من الصفات، فمن هذه الصفات -وقد وردت في روايات كثيرة-: أنه أعور العين، والعين العوراء هي العين اليمنى، بعض الروايات أفادت أنَّ عينه اليسرى ممسوحة(12). هذه هي الصفة الأولى التي وردت في روايات العامة كما قلنا.
3- جسيم، أحمر، وعينه كالعنبة:
الصفة الأخرى أنَّه (رجل جسيم أحمر، أعور العين، كأن عينه عنبة طافية)(13) العين السليمة على هيئة العنبة الطافية، يعني أنَّها جاحظة.
4- مكتوبٌ على عينه: كافر
هناك معنى غريب ورد في الروايات، سنتحدث عنه -إن شاء الله- وهو أنَّه مكتوب على عينه أنه كافر، وهذه الكتابة يقرؤها الكاتب وغير الكاتب(14)، يعني حتى الأميّ -الذي لا يُجيد القراءة والكتابة- يقرأ في عين الدَّجال هذا الوصف -أنه كافر-.و ورد أيضاً أنه ليس كافراً وحسب، بل يدَّعي الرُّبوبية، ودعواه تلك يسمعها الخافقان: يعني كلُّ مَن على وجه الأرض يسمع دعوى الدجال على أنه الرب، ورد أنه ينادي حتى يسمعه الخافقان فيقول: "أي أوليائي، أنا الذي خلق فسّوى، وقدَّر فهدى، أنا ربكم الأعلى"(15)، فيسمعه مابين الخافقين.
5- معه ماءٌ ونار:
وورد أيضاً أنَّ مع الدجال ماء ونار، وهذا المقدار ليس بمستغرب، ولكن الغريب ما ورد من أنّ ناره هي ماءٌ بارد، وماؤه نار تُحرق!! كيف يكون ذلك؟! غداً نوضحها -إن شاء الله-.
قلنا إنَّ كلَّ الروايات التي نبيِّن مضامينها الآن هي روايات عامية، تقول: إنَّ الدجال يخرج، وإنَّ معه نار وماء، "فأما الذي يراه الناس ماءاً فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماءٌ بارد عذب، يقول: فمن أدرك ذلك منكم، فليقع في الذي يراه ناراً"(16) فليس للمؤمن بحسب هذه الروايات أن يذهب للماء، الذي يراه ماءاً، بل يلزمه أنْ يتجنبه. وأما الذي يراه ناراً فيلزمه أن يقع فيه، فإنَّه ماء عذب طيب.
6- يخرج بين الشام والعراق على حمار:
وورد في مروياتهم أيضاً أنَّه يخرج بين الشام والعراق(17) -يكون هذا أحد المواطن التي يخرج فيها الدجال-، يخرج على حمار، مابين أذنيه ميل(18) -نحن نعرف أنَّ مابين الأذن والأذن بمقدار الكف أو أكثر بقليل- وأما حمار الدجال الذي يركبه، فبين أذنيه مقدار ميل! ثم تقول الرواية: ومعه جنة ونار، وجبل من خبز، ونهر ماء(19).
وورد أيضاً أنه يفتتن الناس به فيصدقونه، لماذا؟ لأن عنده إمكانيات غير عادية، فمن إمكانياته: أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر(20)، ويأمر الأرض أن تُنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم أسمن ما كانت(21) -حتى المواشي التي ترعى في نبات وفي خيرات الدجال تسمن في أقصر مدة، فتكون خواصرها ممتلئة، وضروعها مليئة باللبن-. وحركة الدجال بحسب هذه الرواية تفيد، بأنها لا تُبقي أرضاً إلا وطئتها، يعني أنَّ إمكانياته تنبسط على أكثر ربوع الأرض- واستثنت الروايات الواردة من طرق السنة مكة والمدينة(22).
أتباع الدجّال وأعوانه:
الدّجال له أتباع في مرتبة الجنود، وله أتباع متنفذون، أما أتباعه الجنود فهم أولاد البغايا والزنا. ومن هم المتنفذون؟ قال "وأهل الطيالسة الخضر". ما معنى "وأهل الطيالسة الخضر"؟ هذه كناية عن أرباب الأموال، والسمعة، والمتنفذين، والحكام. وهؤلاء يكونون وزراءه وأعوانه والمنِّفذين لمخططاته -مخططات الدجال-، هذا هو معنى أهل الطيالسة الخضر(23).
مصير الدجّال:
وأما مصير الدجال فقد أفادتروايات العامة ان مصيره هو القتل في دمشق عند المنارة البيضاء(24)، شرق دمشق -المقصود من دمشق هو الشام، وهي تشمل لبنان، والأردن-. ومن يقتله؟
أفادت روايات العامة -أكثرها -ان من يقتله هو المسيح عيسى بن مريم(25) (ع)، عندما ينزل من المنارة البيضاء فانه يقتله هناك شرقي دمشق. وأما ما ورد في بعض رواياتنا عن علي بن أبي طالب (ع) فمفادها أنَّ مَن: يقتل الدجال هو من يصلِّي خلفه المسيح(26). وعندنا روايات أفادت بأنَّ مهديّ هذه الأمة هو من سيقتل الدجال.
فكيف يقتله؟ سوف نتحدث عن ذلك إن شاء الله تعالى في الجلسة القادمة.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- سورة آل عمران / 176.
2- الغيبة -الشيخ الطوسي- ص 439.
3- الغيبة -الشيخ الطوسي- ص 339.
4- روى الشيخ الصدوق بسنده عن سليمان بن خالد قال: "سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: قدام القائم موتتان: موت أحمر وموت أبيض حتى يذهب من كل سبعةٍ خمسة، الموت الأحمر السيف والموت الأبيض الطاعون. كمال الدين". كمال الدين وتمام النعمة -الشيخ الصدوق- ص 655.
5- عن أمير المؤمنين (ع): "بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض وجراد في حينه وجراد في غير حينه". الغيبة -الشيخ الطوسي- ص 438.
6- كمال الدين وتمام النعمة -الشيخ الصدوق- ص655.
7- الغيبة -الشيخ الطوسي- ص 339.
8- الغيبة -الشيخ الطوسي- ص 339.
9- قرب الإسناد -الحميري القمي- ص384.
10- ومن كتاب عبدالله بن بشار رضيع الحسين (ع): "إذا أراد الله أن يظهر آل محمد بدأ الحرب من صفر إلى صفر وذلك أوان خروج المهدي (ع)" الصراط المستقيم -علي بن يونس العاملي- ج 2 ص 258.
11- سورة الرعد/ 39.
12- مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 386.
13- صحيح مسلم ج 1 ص 108.
14- مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 405.
15- بصائر الدرجات: 31.
16- مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 386.
17- صحيح مسلم ج 8 ص 197.
18- الخرائج والجرائح ج 3 ص 1142.
19- مجمع الزوائد للهيثمي ج 7 ص 350.
20- مسند احمد بن حنبل ج 3 ص 386.
21- سنن ابن ماجه ج 2 ص 1361.
22- مجمع الزوائد للهيثمي ج 7 ص 350.
23- مختصر بصائر الدرجات ص 32.
24- مسند احمد بن حنبل ج 4 ص 182.
25- صحيح مسلم ج 8 ص 198.
26- الايقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 299.