كيف انتشر الدِّين المسيحيّ؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وافتح علينا أبواب رحمتك، وانشر علينا خزائن علومك.
مقدَّمة:
نَودُّ في هذه الجلسة -بعد أن نبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك- أن نتحدَّث معكم حول كيفية انتشار الدين المسيحي، وذلك انسياقاً مع الجلَبَة التي يُثيرها الكثير من أعداء الإسلام، ودعواهم بأنَّ الإسلام قد انتشر بالسيف، والعنف والإرهاب، والقوة.
افتراءات صاحب القداسة!
وليس ذلك جديداً، ولا مستغرَباً بل إنَّ هذه الدعوى وهذه الفِرية كان قد روَّج لها الكثير من المستشرقين، والكثير من الغربيين، بل ومن المستغربين العلمانيين، إلَّا أنَّ الغريب في هذا الشأن أن يرفع زعيم الديانة المسيحية -على الإطلاق في العالم- أن يرفع عقيرته بهذه الفِرية، ويدَّعي زوراً وبهتاناً على نبيِّ الإسلام بأنَّه لم يأتِ بجديد! وأنه إذا قرأت- كما يزعم- تاريخ محمد (ص) فإنَّك لن تجد إلَّا ما هو غير إنسانيّ، ولن تجد سوى الإرهاب والعنف! فمحمدٌ- كما يزعم- جاء بما هو مناقض للإنسانية والرَّحمة. وزعم أنَّ الإسلام انتشر بحدِّ السيف!
وذلك مُستغرَب من مثل هذا الرجل الذي يدَّعي لنفسه الزَّعامة، والقداسة، والصِّدق، والسَّعي من أجل السلام، ومن أجل المحبة، ومن أجل الحوار مع الحضارات، وهو ينساق ضمن المُخطَّط الغربيّ الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب على الإسلام، بعناوين برَّاقة وجذَّابة. للأسف الشديد أن يصدر مثل ذلك من هذا الرجل القِدِّيس! كما يصفونه
فإذا كان زعماء السياسة يتحدَّثون بمثل هذه اللغة؛ فذلك مُنتظَرٌ منهم، إلَّا أنه ليس مُنتظراً من هذا الرجل صدور ما صدر عنه؛ فهو الرجل الذي يعرف جيداً كيف انتشر الدين المسيحيّ، ومن المُحتَّم أنَّه قد قرأ التأريخ الطويل المليء بالمجازر والوحشية التي مارسها القساوسة والرهبان وأرباب الكنائس، فمحاكم التفتيش في الكنائس الكاثوليكية لا يمكن أن تكون قد خفيت عليه، أو انمحت من ذاكرته.
ثمَّة فصولٌ في التأريخ مظلمة، كان يسودها السيف والقتل والتشريد والقمع والتعذيب والإرهاب، وكان يقودها قساوسة الكنائس -أسلافه-، حيث كانوا يمارسون مختلف أنواع الإرهاب والتعذيب؛ من أجل أن يقسروا الناس على اعتناق المذهب والديانة المسيحية.
ضحكٌ على الذقون:
كثيراً ما يروِّجون لهذه المقولة المنسوبة للسيد المسيح (ع): "إذا ضربك أحد على خدك الأيمن؛ فأدرْ له خدك الأيسر"(1)، ليقولوا للناس إننا لا نواجه الظلم بالظلم، والعنف بالعنف، بل نواجه العنف بالسلام والمحبَّة.. مثل هذه الترويجات لم يعد لها مكان، فنحن في عصرٍ يمكن لكلِّ أحدٍ أن يقف على حقائق الأمور. هم يروِّجون لهذه المقولة، ونسوا أو تناسوا، أو غطَّوا على آيةٍ وردت في واحد من أناجيلهم الرسمية، وهو إنجيل متَّى، حيث نسبوا للسيد المسيح أنه قال: "لا تظنوا أني جئتُ لأرسي سلاماً على الأرض، ما جئتُ لأرسي سلاماً، بل سيفاً، فإني جئتُ لأجعل الإنسان على خلافٍ مع أبيه، والبنت مع أمها، والكنَّة مع حماتها، وهكذا يصير أعداء الإنسان أهل بيته"(2) هذه آية وردت في إنجيل متَّى على لسان السيد المسيح! لماذا لا يُروَّج لمثل هذه الآية، ويُروَّج للآية الأخرى المنسوبة للسيد المسيح؟! -وهي أنه كان يقول: "إذا ضربك أحد على خدك الأيمن؛ فادر له خدك الأيسر"-.
مراحل انتشار الديانة المسيحية:
سأستعرض بنحو الإيجاز كيفية انتشار الديانة المسيحية، وسيتضح من خلال ما سنستعرضه أنَّ الذي انتشر بالسيف والقمع هو الدين المسيحيّ، وليس الإسلام.
المرحلة الأولى: مرحلة الضَّعف والإنكفاء:
في سِفْر أعمال الرُّسل قالوا: "صُلِب عيسى المسيح (ع) ولم يكن له من أتباع سوى الحواريين، وهم اثنا عشر حوارياً، و اثنان وسبعون تلميذاً"(3)، هؤلاء هم مجموع من آمن بعيسى قبل أن يُرفع، أو يُصلب -بحسب اعتقادهم-، وبقي هذا الدين منكفئاً مُستضعفاً، مغلوباً على أمره، لا يجرأ الكثير ممن اعتنق هذا الدين -على قِلَّتهم- أن يجاهر ويجأر باعتناقه؛ فكانت السطوة لليهود آنذاك، فاليهود جُلُّهم -بل كلُّهم إلَّا من ذكرنا- لم يؤمنوا بالمسيح، وهم قتلوا المسيح وصلبوه -كما يدَّعون-.
ثم بقي هذا الدين- كما قلنا- ضامراً لا يجدُ له من أتباع، إلَّا القِلَّة القليلة الذين بدؤوا يُبشِّرون بهذا الدِّين.. واستمر تبشيرهم -عبر التلامذة المُعبَّر عنهم بالرسل- في مختلف مدن فلسطين، وبعد ذلك في الشام، ومصر، والعراق. فبدأ ينتشر ببطء، وبقيَ على هذا الحال ضامراً، منكفئاً، إلى القرن الرابع الميلاديّ.
المرحلة الثانية: مرحلة القوة والبطش:
بعدئذٍ اعتنق قسطنطين -الإمبراطور الروماني- الديانة المسيحيّة وكان قبل ذلك وثنياً، ولم يكن يهودياً. الإمبراطور قسطنطين عاش في القرن الرابع الميلادي، في حدود ثلاثمائة وثلاث وسبعين (373)، أو واحد وستين (361) -في هذه الحدود-، ولمّا اعتنق الدين المسيحي بدأت مرحلة جديدة للديانة المسيحية. هذا الملك الجبَّار، الواسع النفوذ، اعتنق الديانة المسيحية، وأصدر مرسوماً امبراطورياً ملكياً بأنَّ الدين الرسميّ لروما هو الدين المسيحيّ، وأنَّ على الوثنيين -من أبناءِ روما، وأبناء الحاضرة الرومانية، والإمبراطورية القسطنطينية -أن تؤمن بالدِّيانة المسيَّحية- سواءً عن محض إرادة، أو عن قسر، فذلك لا يهم، فالكلُّ مُلزم باعتناق الدين المسيحي! وهذا هو تأريخهم، ونحن إنَّما نحكي تأريخهم(4).
بداية انتشار الدِّيانة المسيحية وقعت بعد أكثر من ثلاثمائة سنة من رحيل المسيح (ع)، وكانت على يد السلطان، على يد الإمبراطور الأعظم، فالدين المسيحي انتشر بمرسومٍ ملكيّ. ثم أخذ في الانتشار، وكلَّما اتسعت رقعة الإمبراطورية الرومانية اتَّسع معها نفوذ هذا الدِّين.. فالدِّين المسيحيّ يتَّسع باتَّساع السَّطوة والقوَّة، وهذا هو واقع التأريخ -أفهل هكذا انتشر الإسلام؟! سنجيب عن ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى-.
فصول من المرحلة الثانية:
سأقف على مجموعة من الفصول التأريخية التي تُعبِّر عن واقع هذا الدين -طبعاً نقصد المسيحيّ المُحرّف الذي هم عليه-، وكيف كان يمارس العنف والإرهاب والقوة من أجل أن يبسط نفوذه، ومن أجل أن يوسِّع من دائرة معتنقيه.
محاكم التفتيش، وصمةُ عارٍ سوداء في جبين الدين المسيحي، سوداء بامتياز، سوداء إلى النخاع، ملطخة بالدم والنجاسة. سأحكي لكم فصولاً من تأريخ هذا الدين -نحن لسنا بصدد التشهير، ولكن إذا كان بيتك من زجاج، فلا تقذف الناس بالحجارة-:
الفصل الأول: سقوط غرناطة:
المسلمون في سنة ثمانمائة وسبع وتسعين ميلادي (897م) دخلوا الأندلس -المسماة بأسبانيا فعلاً-، وانتشر الإسلام في الأندلس، واستولى المسلمون وملوكهم على بلاد الأندلس-كلِّ الأندلس-، واستمرَّ مُلكهم لما يقارب ثمانية (8) قرون، ثمانمائة سنة (800) كان المسلمون يحكمون بلاد أسبانيا -بلاد الأندلس-. هذا أمر تعرفونه.
في سنة (1492) ألف وأربعمائة واثنين وتسعين انتهى حكم المسلمين في الأندلس، ولم يتخلَّل الثمانية قرون أيُّ حكمٍ غير حكم المسلمين لهذه البلاد الكبيرة الواسعة.. وبعدها سقطت الأندلس؛ نتيجة وهْنِ ملوكها، واشتغالهم بالدنيا وزخارفها، لأنَّ همَّهم كان الجواري، والقيان، والغناء، والطرب، والعبث، واللعب، واللهو، والصيد. ضعفوا فوقع البلاء على المسلمين، لضعف ملوكهم وسقطت الأندلس في أيدي الأسبان، في أيدي ملوك أسبانيا، وبقيت من الأندلس غرناطة -أروي لكم هذا الفصل من فصول الوحشية المسيحية- بقيت غرناطة تحت حكم المسلمين- وهي مدينة، واسعة، وجميلة، تقع في جنوب أسبانيا- وأما بقية مدن اسبانيا فسقطت.. ثم حُوصرت هذه المدينة من قِبَل جنود أسبانيا.. في البداية أرسلوا خمساً وعشرين ألف جندي (25000) من جنود ملكة أسبانيا، فذهبوا إلى جميع مزارع وحقول غرناطة أحرقوها عن بكرة أبيها، حتى لا يجد مسلم ما يأكل! ثم إنَّ ملك أسبانيا جهَّز جيشاً جراراً وحاصروا الحصون والقلاع المتبقِّية بعد قتالٍ استمَّر طويلاً.. فاجتمع العلماء -علماء المسلمين في غرناطة- في قصرٍ يُسمَّى قصر الحمراء لملك غرناطة، واتفقوا على الاستسلام، إذ لا قِبَل لهم بهذا الجيش الجرار. فاتفقوا على أن يستسلموا، واختاروا الوزير ليقوم بإعلان الاستسلام، ولكن بعد إبرام المعاهدة بينهم وبين الأسبان. نقض الأسبان تلك المعاهدة المعاهدة التي نقضها زعيم الديانة المسيحية!
المعاهدة تضمَّنت أن يُسلِّم حكام غرناطة المدينة للأسبان بشروط:
- يضمنون لهم أن يخرج الحكام بأموالهم إلى أفريقيا. ثم تضمنت (68) ثمانية وستين بنداً، منها:
ـ أن يأمن الصغير والكبير على نفسه، وماله، ويأمنون على أهليهم.
ـ أن يبقى الناس في أماكنهم ودورهم، وألاَّ تُسلب عقاراتهم.
ـ أن تبقى لهم شريعتهم يتقاضون بها.
ـ أن تبقى لهم مساجدهم وجوامعهم.
ـ ألاَّ يُولَّى على المسلمين إلا مسلم.
ـ أن يُطلق سراح جميع أسرى المسلمين.
ـ أن لا يُرغموا على أن يدخلوا الدين المسيحي.
وقد وُقِّعت المعاهدة من قِبَل اثنين من طرفهم-:
الأول: هو الملك الأسباني.
الثاني: البابا -سلف هذا الرجل-، وهو البابا الذي في روما في نفس الموقع في الفاتيكان.
ما بعد المعاهدة:
وبعد إبرام المعاهدة، ما الذي حصل؟!
خرج حكام غرناطة إلى أفريقيا، وبقي المسلمون في مواقعهم -في بيوتهم، وفي حقولهم، ومساجدهم، وجوامعهم- ما الذي وقع؟!
وقع أمر رهيب، رهيب:
أولاً: مصادرة مساجد المسلمين وأوقافهم!
بعد أيام محدودة قام البابا -هذا البابا سلف الرجل بابا الفاتيكان- وبعث برسالة إلى ملك أسبانيا، قال له: أنه أُوْحي إليَّ أن السيد المسيح يأمرني بأن أُصادر كلَّ مساجد المسلمين، وأوقافها -على اتساع أوقاف المساجد والجوامع-. يقول: هذه رغبة السيد المسيح، أريدك أن تصدر مرسوماً ملكياً بمصادرة المساجد والجوامع.
فصُودرت المساجد، وصودرت أوقاف المساجد، وتم تحويل جامع غرناطة الكبير المعروف، الذي لا زال عمرانه يعبِّر عن تاريخ المسلمين، هذا الجامع الكبير حُوِّل إلى كنيسة، وبعض المساجد حُوِّلت إلى إسطبلات لخيول الباباوات والقساوسة والرهبان، وبعض المساجد أُحرقت، وبعضها حُوَّل إلى كنائس، هذا أولاً.
ثانياً: إحراق علماء المسلمين!
بعد ذلك وبرغبةٍ من السيد المسيح -كما يقول هذا البابا-، تم إعدام (200) مائتي عالمٍ من علماء المسلمين حرقاً! كيف كان الإعدام حرقاً؟!
صُلِبوهم على أعواد الصليب، مائتا عالمٍ من علماء المسلمين صُلِبوا على أعواد الصليب، وأُحرقوا جميعاً في ساحة احتفالٍ حضرها كثير من النصارى والمسيحيين، وهم يُصفِّقون لإحراق علماء المسلمين في غرناطة.
الفصل الثاني: محاكم التفتيش:
بعد ذلك بدأ هذا الفصل الرهيب، وهو فتح محاكمٍ يُعبَّر عنها بمحاكم التفتيش.
فمن كان قضاة محاكم التفتيش؟!
هم علماء المسيحية، هؤلاء هم قضاة محاكم التفتيش!
والغرض من محاكم التفتيش هو التفتيش عن ديانة الناس الذين هم في غرناطة، فمن ثبت أنه مسلمٌ يُقتل. -كما سيأتي إيضاح ذلك-.
وصدر مرسوم ملكيّ بإيعازٍ من البابا وبرغبةٍ من السيد المسيح، وهذا المرسوم يتضمَّن إحراق المصاحف، وكتب التفسير، وكتب الحديث، وكتب الفقه والعقيدة، فكلُّ مكتبات المسلمين في غرناطة أُحرقت.
وقُتل الكثير، حتى أحصى مؤرخون غربيون من قُتل في أسبانيا في هذه الحقبة التاريخية بنصف مليون (500000) مسلماً. نصف مليون مسلماً قتلهم المسيحيون لأنهم مسلمون! كانت الحرب عقائدية بامتياز. ولم يقف الأمر عند هذا الحد..
خياران لا ثالث لهما!:
صدر مرسوم ملكيّ بإيعازٍ من البابا وبرغبةٍ من السيد المسيح- هم يقولون-، وهذا المرسوم تم الإعلان عنه، وهو: أنَّ على المسلمين أن يختاروا أحد خيارين لا ثالث لهما:
الخيار الأول: أن يغادروا غرناطة إلى أفريقيا، ومن يختار هذا الخيار فعليه أن يخرج إلى أفريقيا دون أن يحمل شيئاً من أمواله، بل ودون أن يصطحب معه راحلته، وعليهم أن يخرجوا إلى أفريقيا مشياً على الأقدام -لا فرق بين الرجال، والأطفال، والنساء، والشيوخ- فكلُّ مَن يختار الخروج من غرناطة عليه أن يخرج منها ماشياً، بعد أن تُصادر جميع ممتلكاته!
الخيار الثاني: أن يُعدم علناً في ساحة غرناطة- ساحة من ساحات غرناطة-؛ باعتباره رافضاً للديانة النصرانية المسيحية.
خياران والنتيجة واحدة!
بطبيعة الحال فإنَّ الكثير من الناس اختاروا الخروج إلى أفريقيا مشياً. لكن المشكلة التي واجهوها، هي أنَّ القوافل التي خرجت مشياً -من نساء، وأطفال، ورجال، وشيوخ- قد واجهوا الجيوش التي كانت في الطرقات، والمسيحيين المتعصِّبين، فقًتل الكثير من هؤلاء، مما دعا الكثير ممن لم يخرجوا، ممن سمعوا بالمجازر التي وقعت في الطريق مابين أسبانيا وأفريقيا، إلى أن يُعلنوا تنصُّرهم، وأنهم على الدين المسيحي.
فدخل الكثير من المسلمين في الديانة المسيحية، تحت وطأة هذا القمع الرهيب.
شواهد من أهوال محاكم التفتيش:
وهنا سنتحدَّث عن شيء من تفاصيل ما كان يقع في محاكم التفتيش:
قلنا إنَّ محاكم التفتيش مُهمَّتها هي -كما يُعبِّرون- كثلكة المسلمين -يعني تحويلهم إلى الدين المسيحي الكاثوليكي-، فتكثلك الكثير من المسلمين قسراً، وخوفاً من محاكم التفتيش.. وطبعاً -كما قلنا- كانت محاكم التفتيش قد فُتحت بمرسوم ملكيّ، وكان الذي يُشرف على محاكم التفتيش هم علماء ورجال الدين المسيحيين.
أولاً: المظاهر الإسلامية حكمها القتل!
صدرت أوامر بأنَّ أيَّ مظاهر للإسلام ممنوعة، فاخذوا يفتِّشون، فإذا وجدوا أحداً من الناس يقتني في منزله لباساً عربياً فمعنى ذلك أنه لا زال مسلماً، فيُقتل! يمتحنونهم فإن وجدوا أحداً لا يشرب الخمر، أو لا يأكل الخنزير فمعنى هذا أنه لا زال في نفسه ميول للإسلام، فيُقتل! وإذا لم يوجد في بيته لحم خنزيرٍ، أو خمر فمعنى هذا أنه مسلم، إذاً يُقتل! إذا وُجد مَن يتكلَّم باللغة العربية فمعنى هذا أنَّ عنده ميولاً للإسلام، فحكمه أن يُقتل!
ثانياً: المُتَّهم مجرم حتى تثبت براءته!
تعال يا بابا الفاتيكان واقرأ تأريخك: المُتَّهم بأنه مسلم، أو عنده ميول للإسلام، أو بأنه نصراني قد أسلم، هذا المُتَّهم يؤخذ إلى محاكم التفتيش ليُقتل!
أنا سأروي لكم الخطوات التي تُتخذ مع كلِّ سجين؛ ليكتشفوا عقيدته:
الخطوة الأولى: يؤخذ هذا الرجل فيُقدَّم له كأس خمر، فإن تردَّد في شربه، فلا يحتاج لأن يُنتظر به إلى الخطوة الثانية، بل يُقتل.
أو يُقدَّم له طبقٌ فيه لحم خنزير، فإن أكل منه لم يُطلق سراحه، بل الخطوات التالية تنتظره؛ لأنه لا زال مُتَّهماً، وهذه إحدى مراحل التحقيق في محكمة التفتيش. فإذاً، هذه هي الخطوة الأولى.
الخطوة الثانية: إذا أكل من لحم الخنزير، وشرب شيئاً من الخمر، فإنهم يذهبون به إلى زنزانة.. يصف بعض الضحايا هذه الزنزانة -وسوف نصفها بشيء من التفصيل فيما بعد إن وسع الوقت-: الزنزانة هذه عبارة عن سجن سرِّي، لا يُعرف مدخله، ومن يُبتلى بالدخول في هذا السجن ينسى معنى الضياء، فليس ثمَّة شيء يُسمى نور في مثل هذه السجون. وهي في ذات الوقت مسكونة بالأفاعي والجرذان -الفئران- والحشرات، والأوبئة ولا يُقدَّم له طعامٌ إلَّا ما يُبقي الرمق.. كلُّ ذلك من أجل أن يُصاب السجين بحالة من الجزع والهلع، حتى يعترف بواقع حاله، وأنه هل لا زالت عنده ميول للإسلام أم لا! فليس مطلوباً منه الإقرار بأنه نصرانيّ، بل لابد من التثبُّت من أنَّه نصرانيٌّ واقعاً أو أنَّه متظاهر بالنصرانية!!
فلا يُقبل منه أن يقول أنا مسيحي فحسب، بل لابدَّ من الوقوف على ما في قلبه وشعوره!
من أساليب تعذيب السجين:
وأما أساليب التعذيب التي تُمارس مع هؤلاء السجناء: فتبدأ أولاً بمنع الطعام والشراب، ثم هناك جلد، وهناك نزع للأظفار، وهناك كيٌّ بالحديد المحميّ، وهناك جزٌّ للشعر، وهناك إلقاء للسباع والحيوانات الضارية الجائعة.. هذه كلها أساليب، معتمدة في سجون محاكم التفتيش، ومن الوسائل المتبعة في التعذيب الإخصاء وذرِّ الملح على جروح السجين ثم إنهم يعلِّقون السجين من يديه ويكتبون كلما يقوله، فلعله يقول: يا الله، فإذا قال: يا الله فهذه الخيانة العظمى التي حكمها الإعدام!
ثالثاً: الحكم على السجناء بعد طول العذاب:
بعد ذلك نتحدَّث عن أنواع الأحكام التي تصدر بحقِّ هؤلاء السجناء. إنَّ أيّ مُتَّهمٍ يدخل محكمة التفتيش يواجه أحد أحكامٍ ثلاثة:
الحكم الأول وهو نادر الوقوع، لكنه يقع في بعض الأحيان.
الحكم الأول: البراءة، بعد هذا التعذيب الطويل تثبت براءته، -محظوظٌ هذا الذي يخرج براءة من محاكم التفتيش-.
وبعد خروجه من السجن بريئاً يعيش بقيَّة حياته محطَّماً معاقاً، قد صُودرت تمام أمواله. ثم أنَّه يُصبح منبوذاً؛ لأن من يتصل به يكون متهماً، لذلك يتحاشاه الناس ويهجرونه حتى لا يُتهموا بأنْ لهم ميولاً للإسلام، فتظلُّ هذه التهمة تلاحقه بقية عمره هذا هو المحظوظ الذي يخرج من السجن مبرءً من تهمة التدُّين بالإسلام!
الحكم الثاني: الذي يصدر لبعض متهمي محاكم التفتيش، هو أن يُحكم عليه بالجلد، والذي يُحكم عليه بالجلد يُساق إلى مكانٍ عام، في احتفال بهيج يُدعى له الناس، فيُستخرج منْ حُكم عليهم بالجلد من السجن عراة، بقطع النظر عن كون هذا السجين امرأة، أو رجلاً، أو طفلاً، أو شيخاً- يخرجون بهم إلى الساحة العامة -وكلُّ ذلك موثَّق- ثم يُجلد كل واحدٍ مائة جلدة، أو مائتي جلدة، أو ثلاثمائة جلدة حسب الحكم الصادر في حقه.
هناك وثائق تأريخية تؤكِّد أنَّ طفلاً عمره اثنا عشرة سنة، جُلد مائتي جلدة في هذه الساحة! وشيخٌ عمره تسعون سنة، جُلد ثلاثمائة جلدة في هذه الساحة! وكثيرٌ ممن يُجلد يموت في وقت الجلد.
الحكم الثالث: وهو الأقسى، وهو حكم الإعدام بطريقة بشعة، حيث يأتي البابا، أويأتي القساوسة يشرفون على عملية الإعدام، فيأمرون بأن تُنصب الصُّلبان -أعواد على شكل الصليب-، ويُقيَّد هؤلاء المحكومون بالإعدام، ثم يُحرقون -عملية شواء، عملية شواء-، وهذه الحالة تتكرَّر باستمرار..
هكذا هي حال المسلمين في ظل محاكم التفتيش..
حالة إرهاب، ورعب، ولقد قُتل الكثير في محاكم التفتيش. وهرب الكثير من المسلمين وغيرهم خشية السجن عن طريق البحر، وبعضهم كان يهرب عن طريق البر، إلّا أنَّ الكثير منهم ماتوا في الطريق، حتى أُحصي (35000) خمسة وثلاثون ألف مسلم ماتوا غرقاً في البحر، و(327000) ثلاثمائة وسبع وعشرون ألفاً هُجِّروا!
وقد صدر مرسومٌ ملكيّ بإيعاز من البابا -كما يقولون-، وبرغبة من السيد المسيح، وهذا المرسوم الملكيّ خلاصته: أنَّ كلَّ من يأتي بمسلم فإنه يستحق (60) ستين ليرة إذا جاء به حياً، ويستحق (30) ليرة إذا جاء برأسه. هذا فصل من فصول محاكم التفتيش.
محاكم التفتيش شرٌّ عمَّ الجميع:
حتى النصارى أنفسهم لم ينجوا من شرِّها! لم تكن خاصة بغرناطة، بل لعموم أسبانيا، وانتشرت بعد ذلك في أوروبا في كلّ محلٍّ للكنيسة فيه نفوذ. وهذه المحاكم لم تكن تُفتِّش عن عقائد المسلمين وحسب، بل حتى عن عقائد النصارى أيضاً! فربما كان فيها خلل أو انحراف، فلعلَّ بعض المعتقدات عند بعض النصارى لا تناسب المعتقد الكنسيّ الكاثوليكي!
- حتى علماءهم أيضاً!
ولذلك فهناك الكثير من العلماء قُتلوا وأُعدموا؛ لا لشيء سوى أنَّهم تبنَّوا نظريات تنافي ما عليه الكنيسة! (غاليلو) مثلاً العالم الشهير، قُتل على أساس أنه يتبنَّى دوران الأرض حول الشمس. هذه جريمة كبيرة استحق عليها القتل! والكثير من العلماء استحقوا القتل لأنَّهم يتبنَّون نظريات علمية تتنافى مع عقائد الكنيسة.
نهاية محاكم التفتيش:
تعرفون أنَّ الثورة الفرنسية قامت على أنقاض الكنيسة. فالحركة العلمانية إنما نشأت نتيجة ما لاقاه الناس من سطوة الكنيسة الكاثوليكية التي تقودها الفاتيكان في روما بزعامة البابا.
ولما انتصرت الثورة الفرنسية تمَّت مصادرة محاكم التفتيش التي استمرَّت قروناً.
شاهد عيان على كيفية انتشار المسيحية
أحد الأشخاص يروي بعض ما شاهده، وهو شاهد عيان -ننقل لكم ما ذكره باختصارٍ شديد-:
هذا الرجل ضابط فرنسي، يقول: نحن أيضاً بعد أن انتصرنا، أخذنا نقتحم الكنائس؛ نُفتِّش فيها عن التجاوزات التي يمارسها القساوسة ورجال الدين.
كنائس أم قصور!
يقول: دخلنا إحدى الكنائس، وكانت تفوح منها روائح طيبة؛ والظاهر أنَّ الشموع الطويلة التي كانت موجودة في الكنائس كانت معجونة بماء الورد، وكان السجاد فاخراً من السجاد الإيراني -بحسب كلامه-، والنقوشات والزخارف تملأ المكان، وكأنك تدخل قصراً من قصور الملوك -كل كنيسة كانت هكذا-.
سجنٌ تحت أرض الكنيسة!
يقول دخلنا وفتّشنا فلم نر ما يبعث على الريبة، هنا قال المسئول: مادمنا لم نر ما يُريب فلنخرج. يقول هذا الضابط، قلتُ له: مُهمَّتنا لم تنته. فقال لماذا؟! لقد بحثنا في كلِّ مكان ولم نجد شيئاً يبعث عن الريبة. فقلت له: دعنا نرفع هذا السجاد، أظن أنَّ المصيبة تكمن تحت هذا السجاد. يقول: رفعنا السجاد، وصببنا الماء بغزارة، فرأيناه ينزل، قلنا: إذاً توجد سراديب في الأسفل. يقول: بحثنا عن مدخل، فوجدنا مدخلاً فيه حلقة صغيرة كانت مخبَّأةً بخبث -بحسب تعبيره-، فرفعنا الحلقة ودخلنا، وإذا هو سرداب عميق مظلم.. أخذنا شمعة طويلة من الشموع المنصوبة في الكنيسة يبلغ طولها المتر ودخلنا، يقول: رأينا ما تقشعر منه الأبدان، ويقول: وكان لا زال هناك سجناء أحياء، فأنقذناهم، وأخرجناهم ببطئ وعلى مراحل حتى لا يفاجئهم الضوء فتعمى عيونهم.
من وسائل القتل والتعذيب التي شاهدها:
أ- مفرمة البشر!
يقول: سأذكر لكم بعض الآلات التي وجدناها، إحدى الآلات وظيفتها تكسير العظام. يقول: يؤخذ السجين ويتم إدخاله في هذه الآلة بدءاً بقدمه، ثم ساقه، فتُكسَّر، وتهشَّم عظامه، ثم يبدأ بأضلاعه وقفص صدره، إلى أن يصل إلى رأسه، فيخرج من الجهة الثانية عظاماً مطحونة، ولحماً مفروماً! يقول: الروائح النتنة تنبعث من كلِّ أرجاء ذلك السرداب، وكان واسعاً جداً.
ب- حُجرات الموت!
يقول: رأينا حُجَراً طولها قامة رجل، وليس فيها عرضٌ إلَّا عرض إنسان، يظل فيها السجين واقفاً إلى أن يموت -بعضها عمودي، وبعضها أُفقي-.
ج- صندوق السكاكين!
يقول: وجدنا صناديق، وكل صندوق مملوء بالسكاكين من الأعلى إلى الأسفل، بمقاس إنسان، يتم إدخال السجين في هذا الصندوق ثم يغلقون الباب عليه فتنغرز كلُّ تلك السكاكين في بدنه.
د- كلاليب تقطيع الأعضاء!
أهوال، يقول: رأيت كلاليب موضوعة في ألسنة بشر، هذه الكلاليب يجذبون بها لسان السجين، ثم يُقطِّعونه.. وهناك كلاليب وضعت في أثداء النساء، وهناك الأهوال(5).
الفصل الثالث: الحروب الصليبية:
هذا ما كانت تصنعه الكنيسة المسيحية التي يقودها البابا وأسلافه، ثم يقولون إنَّ الإسلام أسس للإرهاب والعنف يريدون أن نُذكِّرهم بما وقع في الحروب الصليبية، والمجازر التي حصلت؟! أكداسٌ من البشر- الوقت قارب على الانتهاء للأسف الشديد، والحديث يطول-.
نماذج من المجازر الصليبية:
ينقل أحدهم -(غوزداف لوبون) في كتابه الحضارة العربية- عن المجزرة التي وقعت في القدس، يقول: كان قومنا يجوبون الشوارع، والميادين، وسطوح البيوت، ليرووا غليلهم من التقتيل، كأنهم لبؤات قد خُطفت صغارها، فكانوا يذبحون الأولاد، والشباب يقطِّعونهم إرباً إرباً، ويشنقون أناساً كثيرين بحبل واحد؛ بغية السرعة، وكانوا يقبضون على كلِّ شيء يجدونه، ويبقرون بطون الموتى. حتى بطون الموتى كانت تُبْقَر! هكذا يقول(6).
(استيفن) في كتابه تاريخ الحروب الصليبية ينقل أيضاً -هذا كله في بيت المقدس، وفي مدينة القدس-، ويقول: في الصباح الباكر اقتحموا باب المسجد ثلة من الصليبيين، هناك كثير من اللاجئين ومن العلماء توجهوا إليهم وقتلوهم عن آخرهم.. ويقول: فبعد ذلك أتى الرئيس ليطلَّع على المجزرة، فكان يغوص في الجثث والدماء التي بلغت -على حدِّ تعبيره- ركبتيه(7). بلغت ركبتيه!
ابن الأثير يقول: الإفرنج قتلوا في المسجد الأقصى ما يزيد على (000 70) سبعين ألف مسلم. هذا في بيت المقدس، ثم توجهوا إلى المدن التي في فلسطين والشام، ففعلوا فيها كما فعلوا في بيت المقدس(8). هذا هو تاريخ الصليبيين، فهو مليء بمثل هذه المجازر.
نقرأ لكم هذه الفقرة وننهي الحديث:
المسلمون في هذه المعركة احتموا بمحراب داوود، فقُتلوا ولم ينفعهم اللجوء إلى هذا المحراب!
بعد ذلك ينقل لنا مُؤرِّخوهم ما كانوا يفعلون: كانوا يشوون أطفال المسلمين كما تُشوى النعاج! ويذكرون أنَّه كانت الأيدي المقطَّعة، والرؤوس، في كل مكان، حتى أنك تمر على أكوامٍ من رؤوس المسلمين في بيت المقدس(9). هكذا فعل الصليبيون، وبذلك انتشر الدِّين المسيحيّ.
ألا يستحي من هذا البولس من تاريخه حتى يتحدَّث عن العنف والإرهاب، ويقول أنَّ محمداً (ص) جاء بالعنف!
كيف انتشر الدين الإسلامي؟
ابحث لي عن مجزرة قام بها المسلمون.. فرغم أنَّ ملوك المسلمين لا يمثلون الإسلام -وهذا هو رأي علماء المسلمين فيهم- إلّا أنه لم تقع مثل هذه الأهوال من ملوك المسلمين الظلمة، وبإسم الدين، وبغظاءٍ من علماء ورجال الدين، أما أنتم فمجازركم على كثرتها وبشاعتها كانت بغطاءٍ من قمة الهرم -البابا- إلى أصغر قس!
حقيقة الفتوحات الإسلامية:
يتحدثون دائماً عن الفتوحات التي قام بها الصَّحابة! هذه الفتوحات كانت حروباً لأنظمة، يعني دولة تواجه دولة، فإذا ظفر الصحابة أو الخلفاء في معركة؛ أبقوا الناس على دينهم، فمن أراد أن يدخل الإسلام فليدخل، ومن لم يُرد فعليه أن يدفع ضريبة المواطنة؛ لأنها أصبحت بلاداً للمسلمين. كان اليهود والنصارى في بلاد المسلمين ينعمون بما ينعم به المسلمون وكان لهم مطلق الحرية فيما يُمارسون من طقوس وكانوا يملكون الدور والعقارات وكانوا يبيعون في الأسواق وحتى الوثنيين كانت لهم مواقعهم، أفهل سمعتم أن أحداً أحرق، أو هدم كنائس المسيحيين، أو بِيَع اليهود؟!
حقيقة الجزية:
وأما ما يأخذه المسلمون من ضريبة الجزية على أهل الذمة من نصارى ويهود والتي أثاروا حولها الكثير من التهريج والضجيج فهي لا تعدو كونها ضريبة يدفعها أهل الكتاب مقابل انتفاعهم بخدمات دولة الإسلام فهم ليسوا أحسن حالاً من المسلمين المُلزَمِين بدفع الخمس والزكاة والخراج، فاليهودي كما المسلم ينتظر من الدولة الحماية والرعاية والأمن والنظام وتعبيد الطرق ووضع القناطر وغير ذلك، وكل هذه الحقوق لا يسع الدولة الإلتزام بها دون مال والضرائب كانت من أهم مصادر التمويل للدولة، فهذا هو منشأ وضع الجزية على أهل الذمة، فليس في ذلك مغمز على الإسلام والمسلمين، فالذي يستحق الإدانة هم مَن عملوا على تصفية المسلمين وقتلوا الناس على العقيدة وعملوا المجازر والمذابح تحت شعار الإنتصار للكنيسة والصليب. المسلمون لم يُجبروا أحداً على الدخول في الإسلام، ونحن نتحدَّى أيَّ مثقَّف، وأيَّ عالم من علماء المسيح واليهود أن يأتوا بنصٍّ تأريخيٍّ موثَّق مفاده أنَّ أحداً أجبر مسيحياً أو يهودياً على الدخول في الإسلام.
المسيحيون في ظل حكومة الرسول (ص)
ألم يأت نصارى نجران إلى رسول الله (ص) في مسجده، وكانوا يقومون بطقوسهم في مسجد الرسول (ص)، حتى غضب الصحابة، إلَّا أنَّ رسول الله (ص) منعهم عن أن يُؤذوهم(10) -وكان رسول الله في أوج قوته-؟!
نصارى نجران جاءوا، فشرع الرسول معهم في حوار هادئ: ﴿تَعَالَوا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم﴾(11)، ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾(12)، أي أنه ليس برب. حاورهم رسول الله (ص)، فرفضوا ولم يقبلوا بالحوار، فهل تمَّت تصفيتهم؟! هل تم اعتقالهم؟! هل تم إيذاؤهم؟! أم قال: ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُو أَبْنَاءَنَا وَ أبْنَاءَكُم وَنِسَاءَنَا وَ نِسَاءَكُم وَ أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِيْنَ﴾(13) يعني نحن حاورناكم وناقشناكم ولم تؤمنوا، فما هو الحل؟ الحل هو المباهلة: وهي أن نبتهل إلى الله تعالى وندعوه بأن يلعن الكاذب منَّا. إذن، التصفيات الجسدية ليست من ديننا والإرهاب ليس من خلقنا.
حدثٌ وقع في تاريخ الرسول (ص) وهو أنَّ: أسامة ابن زيد، لمَّا أن بعثه رسول الله بسريَّة إلى فدك، خرج إليه رئيس فدك وهو يهوديّ- وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. ولكنَّ أسامة ابن زيد قتله. ولما رجع، نزل الوحي على الرسول (ص)، فقال له: قتلتَ الرجل؟! قال: قتلته. قال: لماذا قتلته؟! ألم يشهد بأن لا إله إلا الله؟! قال: شهد بها خوفاً. قال: أوَسلَّطك الله على قلبه؟! وما يدريك؟! فنزلت الآية المباركة تُوبِّخ أسامة ابن زيد(14)، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(15). تقريع نزل به القرآن لهذا الذي قتل رجلاً بغير وجه حق رغم أنَّ القتل قد وقع في ظرفٍ كانت الحرب قائمة بين المسلمين واليهود بعد أن نقض اليهود العهود التي كانت بينهم وبين الرسول (ص) فحزَّبوا الأحزاب مع المشركين على الرسول (ص) والمسلمين وحاصروا المدينة زمناً لولا أنَّ الله تعالى نصر المسلمين وحاصروا المدينة زمناً لولا أنَّ الله نصر المسلمين بعد عناء في المعركة التي يُقال لها غزوة الأحزاب. ولعلنا نكمل الحديث فيما بعد.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- النص: "يروي لوقا قول المسيح: من ضربك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر". الكتاب المقدس (العهد الجديد): 102.
2- النص: "لا تظنوا أني جئت لأحمل السلام إلى الأرض، ما جئت لأحمل سلاما بل سيفا: جئت لأفرق بين المرء وأبيه والبنت وأمها، والكنة وحماتها. فيكون أعداء الإنسان أهل بيته". الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - ص 65.
3- مقارنة الأديان المسيحية للدكتور أحمد الشلبي: 154.
4- مقارنة الأديان للدكتور أحمد الشلبي: 65، قاموس الكتاب المقدس مجمع الكنائس الشرقية: 419.
5- لاحظ تفاصيل ما ذكرناه على شبكة الإنترنيت تحت عنوان محاكم التفتيش في الموسوعات العلمية فإنها مشتملة على المصادر بمختلف اللغات.
6- الحضارة العربية لغوستاف لوبون: 326 يبقل عن رهبان ومؤرخين رافقوا الحملة الصليبية.
7- تاريخ الحروب الصليبية لاستيفن رنسيمان ج1/ 404.
8- الكامل في التاريخ ج8/ 189.
9- كاهن أبوس ريموند دا جميل: 326، 396.
10- تفسير القمي ج1/ 104، تفسير مجمع البيان للطبرسي ج2/ 234، تفسير الثعلبي ج3/ 6، تفسير البغوي ج1/ 276.
11- سورة آل عمران / 64.
12- سورة آل عمران/ 59.
13- سورة آل عمران / 61.
14- جامع البيان لابن جرير ج5/ 303.
15- سورة النساء / 94.