معنى وجوب التحفُّظ على الاستطاعة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما معنى وجوب التحفظ على الاستطاعة على من استطاع للحج، كما هو رأي جمع من الفقهاء منهم السيِّد الخوئي (قدس سره)، فهل يعني هذا الوجوب التكليفي للتحفُّظ على الزاد والراحلة -أو ما يقابلهما من المال- المناسبين لشأنه مثلا، أفلا يجوز له أنْ يفوت الاستطاعة الشرعية، ثم يذهب متسكعا مثلا، فهل هناك وجوب تكليفي على هذا القول بالتحفُّظ على الاستطاعة الشرعيَّة التي معها يجب الحج؟

الجواب:

معنى ذلك هو استقرار الحج في عهدته بمجرَّد حصول الاستطاعة، وإذا كان صرف ما به الاستطاعة يُفوّتُ عليه القدرة على المبادرة لأداء الحج ولو متسكعاً فحينئذٍ يلزمه تكليفاً التحفُّظ على ما بِه الاستطاعة، فهذا هو المراد من وجوب التحفُّظ على الاستطاعه بمجرَّد حصولها.

ولهذا لو كان يعلم أنَّه متمكِّن من الاقتراض أو الوصول للمشاعر متسكعاً فحينئذٍ لا مانع من صرفِه لما به الاستطاعة.

فوجوب التحفط على الاستطاعة نشأ عن أنَّ ذلك هو المقدمة المفضية عادةً للقدرة على المبادرة لأداء مناسك الحج، فإذا كان قادراً على المبادرة لأداء المناسك من طريقٍ آخر ففي مثل هذا الفرض لا مانع من التصرُّف فيما به الاستطاعة.

فشرطُ الوجوب هو الاستطاعة ومفروض المسألة أنَّها قد حصلت فصار المكلَّف بذلك مخاطباً بامتثال التكليف لصيرورته فعلياً في حقه بمجرد حصول الاستطاعة، غايته أنَّ المكلَّف به متأخرٌ زماناً وهذا هو المعبَّر عنه بالواجب المعلَّق على حصول زمانه، فالوجوب فعلي والواجب استقبالي.

فكونُ الواجب استقبالياً لا يمنع من تحقُّق فعليَّة الوجوب بمجرَّد حصول شرطه، وإذا كان التكليف فعلياً ومتنجزاً على المكلَّف فذلك يقتضي تقبيح العقل لتعجيز النفس عن أدائه في وقته، لانَّ تعجيز النفس عن أدائه في وقته تفويت للملاك الملزِم وتعمُّد لترك التكليف المتنجِّز، ولهذا لم يختلف أحد من الفقهاء في حرمة تعجيز النفس ووجوب التحفظ على الاستطاعة بعد تحققها، غايته أنهم اختلفوا في مبدأ تحقُّق الاستطاعة، فذهب بعضهم أنَّها تتحقق قبل أشهر الحج، وذهب آخرون أنَّ مبدأ تحققها، هو خروج أول قافلة، وذهب بعضٌ آخر إلى انها تتحقق بمجرَّد التمكُّن من المسير للحج إلا أنَّهم جميعاً متفقون على أن الاستطاعه متى ماتحقَّقت يُصبح التكليف بأداء الحج فعلياً فيحرم تعجيز النفس عن أدائه، وحيث إنَّ الصحيح بحسب الفرض أنَّ مبدأ الاستطاعة يتحقَّق بمجرد حصولها ولوكان ذلك قبل سنة من موسم الحج فلذلك يكون المكلَّف مخاطَباً بالتكليف بمجرّد وقوعها وهو ما يقتضي حرمة تعجيز النفس عن أداء الحج.

وهذا هو معنى وجوب التحفُّظ على الاستطاعة، وليس معنى ذلك أنَّ للزاد والراحلة، أو قيمتهما موضوعية بحيث يجب التحفظ على شخصهما أو شخص قيمتهما بل معنى ذلك هو وجوب أداء الحج في أول سنة الاستطاعة، فإذا كان التحفُّظ على شخص الزاد والراحلة هو السبيل للقدرة على أداء الحج في وقته فحينئذٍ يلزم تكليفاً التحفُّظ عليهما، أمَّا إذا علم أنَّ التصرُّف فيما به الاستطاعه لن يحول بينه وبين أداء الحج في وقته وأنَّه سوف يتمكن من إداء الحج ولو متسكعاً فحينئذٍ يصحُّ له إتلاف ما به الاستطاعة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور