حديث حول سورة المدثر (8)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وخاتم النبيين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

 

اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وأفتح علينا أبواب رحمتك، وأنشر علينا خزائن علومك.

 

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ / وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ / لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ / لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ﴾(1)

صدق الله مولانا العلي العظيم

 

القرآن يتهدَّد عظيم قريش بشيِّه في سقر:

هذه الآيات التي تلوناها هي استكمالٌ لآياتٍ سبقت في سورة المدثِّر، قلنا إنَّها تتحدَّث عن رجلٍ من قريش يقال له: الوليد بن المغيرة، وقد ذكرنا فيما سبق أنَّه كان شيخاً كبيراً، ويُعدُّ من عظماء قريش، بل كان يُعدُّ من عظماء العرب، وكانت له أموالٌ طائلة حتى وصفه القرآن في هذه السورة أو وصف ماله بالمال الممدود -أي المبسوط-، ﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا﴾(2)، أي أنَّ الله عزَّوجل قد منحه مالاً مبسوطاً، ويذكر المؤرخون أنَّ له ضياعاً مترامية الأطراف، دائمة الحصاد، لأنَّ فيها من زروع الشتاء، وفيها من زروع الصيف، فإذا جاء الصيف حصد ما يُحصد في الصيف، وإذا جاء الشتاء حصد ما يُحصد في الشتاء من الثمار، وكانت له -كما ينقل الرواة والمؤرخون- عشرةٌ من العبيد، كلُّ عبدٍ كانت بيده ألف دينار يتَّجر بها له، وكان هو ممَّن يملك القنطار، وهم قلة، والقنطار كما ذكرنا وكما يذكرون هو ملئ جلد ثورٍ ذهباً، وكانت له من الإبل المؤبَّلة والخيل المسوَّمة والأنعام الكثير، لذلك كما يذكر البعض كان يرى نفسه الوحيد فيقول: أنا الوحيد، وابن الوحيد، لا نظير لي، فهو يرى أنَّه لا نظير له في قريش، بل في العرب، حتى قيل أنَّه كان يُقاسم قريش كسوة الكعبة، فيقول: أكسوها وحدي في عام، وتكسونها مجتمعين في عام، هذا الرجل كان يعد من دهاة العرب، وكان من المحكِّمة كما قلنا، فكان فحول الشعراء والمفوهين من الخطباء يحتكمون عنده، فأيُّهم اختاره وحكم أنه الأشعر والأفصح كان كذلك بنظر الناس، لثقتهم بقدرته المتميزة على تشخيص ما هو الأفصح من الكلام والأبلغ من غير الأفصح والأبلغ.

 

لذلك كانت قريش تطمح في أن يعيب هذا الرجل القرآن وينتقده بما يُسقطه في أعين الناس، لكن الأمر وقع على خلاف ما أرادوا فهو حينما سمع القرآن كما بيَّنا قال: اسمع كلاماً ليس مثل كلام الإنس، وليس هو مثل الجن، إنَّ به لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لمورق، وإن أسفله لمغدق، وإنَّه يعلو ولا يعلى عليه، وإنَّه يُحطِّم ما دونه من كلام، هذا التوصيف للقرآن الكريم الذي صدر من هذا الرجل استاء منه وجهاء قريش، وألحَّوا عليه بأنْ يأتي بتوصيفٍ للقرآن يشينه، لكنه لم يتمكن، فلم يجد ما يصف به القرآن.

 

بعد أنْ قدَّر وفكَّر، وظلَّ يفكر ويُقدِّر، وكل ما عرضوا عليه توصيفاً أباه ورفضه كما بيَّنا، فحينما أرادوا توصيف النبيِّ (ص) بالشاعر لم يقبل، وأرادوا توصيفه بالمجنون فلم يُصحِّح لهم هذا التوصيف، وأرادوا أن يصفوا النبيَّ الكريم (ص) بالكاهن فلم يقبل، فقالوا: إذن بأي وصفٍ نصف محمداً (ص) بما يشينه؟ قال: ذروني أفكر، ﴿فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾(3)، فانتهى إلى أمرٍ هو يعلم أنَّه ليس هو الحق وليس هو الواقع، ولكنَّه أراد من ذلك أن يُرضي غلواءه وكبرياءه، وأنْ يُرضي جبابرة قريش، فقال: إذا أردنا أن نصف القرآن فليس من وصفٍ يناسبه سوى أنَّه سحر، وقد ذكرنا فيما سبق أنَّ هذا التوصيف وإنْ كان مسيئاً ولكنَّه في الواقع مدح لو تأمل، فتفكير الوليد وتقديره قاده إلى أنّْ يقول: لا يصح توصيف القرآن إلا بأنَّه سحرٌ يُؤثر، لأنَّ الساحر يُفرِّق بين المرء وزوجه، والولد وأبيه، والأخ وأخيه، وهذا هو عين ما فعله القرآن بحسب زعمه، فقد فرَّق بين أبناء العشيرة، ففرَّق بين الرجل وأخيه، والابن وأبيه، والمرء وزوجه، فهو سحرٌ يُؤثر، فتمالأت قريش على أنْ تجعل التوصيف العام للقرآن بأنَّه سحرٌ يؤثر، وأنَّه إذا جاءتهم وفود العرب للحج فعليهم التوافق على وصف بأنَّه سحرٌ يؤثر، فهي إذن حربٌ مبيَّتة مدبرَّة كان رأسها هذا الرجل.

 

معنى الآيات: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ..﴾

لذلك توعَّده الله تعالى بقوله: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا / وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا﴾ أي مبسوطا ﴿وَبَنِينَ شُهُودًا﴾(4)، يُقال أنَّ له من البنين عشرة منهم: خالد ابن الوليد كما بينا سابقاً، ولم يكن يأذن لهؤلاء العشرة أن يسافروا فقد كان حريصاً على أنْ يظلَوا معه يحوطونه ويأنس بهم، وكان يقول لهم: أنتم لستم بحاجة إلى سفر للتكسُّب، ﴿وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا﴾(5) أي انَّه قد هيأنا له كلَّ سبل التحصيل للجاه والمنعة والقوة والثروة، فهو يتوهَّم أنَّ ذلك كلَّه من حسن تدبيره كما كان قارون يتوهَّم أنَّ كل ما كان لديه من كنوز كانت لحسن تدبيره وفطنته، ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾(6) ثم إنَّ الله عزوجل انتقم منه فساخت الأرض به وبداره وكنوزه، ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾(7) هذا الرجل أعني الوليد تهدَّده القرآن أيضاً بقوله: ﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا / وَبَنِينَ شُهُودًا / وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا / ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ / كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا / سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا / إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ / فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾(8) أي حقت عليه لعنة الله، بعد أنْ قدر هذا التقدير البائس والظالم ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ / ثُمَّ نَظَرَ / ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ / ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ / فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾(9)، على خلاف ما كان يعتقد ويُبطن، وهذا هو معنى الكفر، فالكفر هو الجحود، وهو يعني التنكُّر للحق في الظاهر رغم الإقرار به والإذعان له في النفس ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ﴾(10)، فرغم أن هذا الرجل يُذعن -كما ظهر من فلتات لسانه- انَّ القرآن ليس من كلام البشر، وأنه يعلو، ولا يعلى عليه، وأنَّه يحطِّم ما دونه، وأنه قد سمع الشعر رجزه ورمله وبسيطه وطويله فما هو من الشعر في شيء، ثم يُعلن في الملأ: أنَّه سحر يؤثر، لذلك قال الله تعالى لنبيِّه (ص) ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾(11)، دع هذا الرجل لي أنا سأتولَّى شأنه وسوف يجد غبَّ هذا الكبرياء الذي أظهره.

 

سقر خارجةٌ عن دائرة التصوُّر:

فقال: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾(12) هذا جزاؤه أن يُصلى في سقر، هذا الرجل الوجيه الكبير الذي يرى نفسه ممتنعاً من كلِّ أحد فلا يستطيع من أحدٍ ايذاءه ولو بكلمة، بل ولا بنظرة شزر، هذا القرآن يقول: ﴿سَأُصْلِيهِ﴾، يعني سأشويه كما تُشوى الشاة، الصلْي هو الشَي، وما يُشوى هي الشاة، هذا الرجل المنيع الذي هو من عظماء العرب بل هو من أعظم العرب كما بينا سابقاً، حتى أنهم كانوا يتعجبون كيف أنزل القرآن على محمد؟ وكان المناسب أن ينزل على أحد رجلين من القريتين عظيم؟ أحدهما هذا الرجل، إلا انَّ القرآن يستصغره يحتقره، يقول: ﴿سَأُصْلِيهِ﴾، يعني سأشويه كما تُشوى الشاة، وأين سوف يكون الشيُّ والصلْي؟ قال: في سقر، وما أدراك يا محمد ما سقر، فنار سقر خارجة عن دائرة التصور، هذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾، أي هي خارجة عن دائرة التصور، فلا يسع من أحدٍ أن يتصور هولها وعِظَمها وفظاعتها، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾(13)، ثم تصدَّت الآيات لبيان شيءٍ من ملامح سقر، طبعاً قيل إنَّ سقر اسم من أسماء جهنم، وقيل أنها اسم دركٍ من دركات جهنم، فجهنم طبقات، وسقر هي الطبقة السادسة، وثمة طبقة سابعة، وعلى أيِّ حال، فسواءً كانت سقر هي عموم جهنم أو انَّها طبقةٌ من طبقات جهنم فعذابها خارجٌ عن دائرة التصوُّر، وهو مفاد قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ / لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾، هذه أحد أوصافها فهي ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾.

 

من سِمات سقر:

تُنضِّج الجلود وتُحطِّم العظام ثم لا يموت ساكنها:

فالنار في الدنيا عندما تُصيب شيئاً تصيب الإنسان فقد تُنضج جلده وتترك لحمه وعظمه وعصبه، وقد تكون أشد فتأتي على جلده ولحمه، ثم تنطفئ فيبقى عظمه، وقد تأكل عظمه، ولكنها لا تأكل عظمه حتى يكون قد مات وانتقلت روحه إلى ربِّه فلا يشعر بعد ذلك بألم النار، لأنَّ الشاة لا يضرها سلخها بعد ذبحها، فهي إذا ذُبحت وماتت فسواءً سلختها أو قطعتها أو حطَّمت عظامها فهي لا تشعر لأنَّها قد ماتت، كذلك هي حال النار في الدنيا، فهذا الذي انضجت النار جلده وقد تكون أتت على لحمه تكون روحه قد صعدت، فلا يشعر بعد ذلك بما تفعل النار في جسده، وأما سقر التي يصفها القرآن بأنَّها: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾(14)، فهي أولاً تُنضج الجلود، وتأكل اللحم، ثم تُحطِّم العظام، فإذا حطمت العظام فهل يموت؟ لا، لا يموت، ﴿لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾(15) هذا هو معنى: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾، فهي لا تذر من شيء في جسده إلا أتت عليه، ثم أنَّه لا يموت، فلا تذره، ولا تتركه، كما أفاد القرآن في آية أخرى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾(16)، فليس للجهنمي أن يقول: سوف أصبر إلى أن تأكل النار جلدي ثم لحمي ثم تحطِّم عظامي ثم انتهي وينتهي كلُّ شيء، الأمر ليس كذلك، ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾(17)، وكما أفادت آية أخرى وصفت النار بأنَّها الكبرى، فهي ليست كسائر النيران هذه هي النار الكبرى، أي الأكبر في أثرها وخصائصها على الإطلاق ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى / ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾(18)، هذا هو شأن النار، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾(19)، هذه سمة من سمات النار وهي أنَّها ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾.

 

فمن سماتها أنها لا تُبقي شيئاً من جسده إلا وأتت عليه، ثم أنَّها لا تذره وشأنه بل إنَّها بعد أن تُحرقه يستعيد كلَّ أعضائه وجلوده وعظامه، ثم تأتي النار لتأكله مرة أخرى وهكذا إلى الأبد.

 

جهنم تأتي على كلِّ شيء:

وثمة سمةٌ أخرى وهي أن النار إذا اشتعلت في أشياء كثيرة فإنَّها تحرق بعض الأشياء ويفوتها أشياء، لا تصل إلها، بل تجد في بعض الأحيان ناراً متعاظمة شديدة الإستعار وبعد أنْ تخمد تجد بقايا لم تمسه النار أصلاً رغم أنها كانت في وسط النار، فنار الدنيا قد لا تأتي على كلِّ ما نشبت فيه لذلك فبعض الكفار كانوا يستهزئون فيمنُّون أنفسهم أن ليس من الضروري أن تمسَّنا النار وإن كنا في جهنم، وذلك لأن من سيدخل جنهم خلقٌ كثير فلعلَّنا نكون ضمن مَن لا تمسُّهم النار كما هو الحال في نار الدنيا فالآية تُبدِّد من نفوسهم مثل هذه الأماني، فنار جهنم لا تُقي ولا تذر فهي تأتي على كلِّ محتوياتها.

 

لا وَزَر ولا مفَر:

وثمة سمة أخرى انه لا سبيل للفرار من نار جهنم كما هو الشأن في نار الدنيا، فقد يتفق لمن وجد نفسه وسط نارٍ كبيرة ومستعرة قد يتفق له العثور على مخرج ينجو به منها، وقد يساعده آخرون فينتشلونه منها، فيكون قد لفحته النار بلفحٍ ولكنه قد نجى منها هذا الاحتمال قد يُمنِّي الكافر به نفسه ولكن القرآن يسدُّ عليه هذه الأماني فليس بمقدور الكافر بعد دخول النار النجاة منها، قال تعالى: ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ / الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ / إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ﴾(20)، يعني مغلقة، فإذا كانت نار الله تعالى مغلقة فمن يتمكن من فتحها والفرار منها؟! فقوله تعالى: ﴿ مُّؤْصَدَةٌ﴾ يسدَ على الكافرين ما يُمنَّوا به أنفسهم من الفرار منها.

 

القرآن يسدُّ باب الأماني على الكفار:

وأما لماذا يسدُّ القرآن على الكافرين باب الأماني فلأنَّهم كثيراً ما يعارضون وعيد القرآن بالاستهزاء والادعاء بأنهم قادرون على التخلص من العذاب الذي يتوعدهم به.

 

ومثال ذلك ما سيأتي عند الحديث عن قوله تعالى في بيان تعداد خزنة النار من الملائكة: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾(21)، قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم أتسمعون ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الدهم - الجماعة الكثيرة- الشجعان، أفيعجز كلُّ عشرةٍ منكم أن يبطشوا برجلٍ من خزنة جهنم؟ فقال أبو الأسد الجمحي. أنا أكفيكم سبعة عشر: عشرة ٌعلى ظهري، وسبعةٌ على بطني، فاكفوني أنتم اثنين. فنزل: ﴿وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَبَ النَّارِ إِلاَّ مَلئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً﴾(22).

 

لذلك فالقرآن يسدُّ كل التسويلات والأماني التي يُمنِّي الإنسان بها نفسه للخلاص من عذاب الله تعالى يوم القيامة، فقوله تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ / فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾(23)، يدِّد مثل هذه الأماني فهي مغلقة، ومحكمة الإغلاق، ولو كانت مفتوحة فإنَّ أحداً لا تتمكن من الهروب، لأنَّ القرآن أخبر أنَّ أهل النار مصفَّدون في الأغلال قال تعالى: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ / ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ / ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ / إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾(24)، هذه هي بعض سمات جهنم، ولذلك فهي خارجة عن دائرة التصور كما بينا ذلك.

 

نستكمل الحديث فيما بعد.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة المدثر / 26-29.

2- سورة المدثر / 12.

3- سورة المدثر / 18.

4- سورة المدثر / 11-13.

5- سورة المدثر / 14.

6- سورة القصص / 78.

7- سورة القصص / 81.

8- سورة المدثر / 12-19.

9- سورة المدثر / 20-24.

10- سورة النمل / 14.

11- سورة المدثر / 11.

12- سورة المدثر / 26.

13- سورة المدثر / 27.

14- سورة المدثر / 28.

15- سورة فاطر / 36.

16- سورة النساء / 56.

17- سورة النساء / 56.

18- سورة الأعلى / 12-13.

19- سورة فاطر / 36.

20- سورة الهمزة / 6-8.

21- سورة المدثر / 30.

22- سورة المدثر / 31.

23- سورة الهمزة / 8-9.

24- سورة الحاقة / 30-33.