حديث حول سورة الزلزلة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وافتح علينا أبواب رحمتك، وانشر علينا خزائن علومك .
قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا / وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا / وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا / يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا / بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا / يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ / فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ / وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾(1)
صدق الله مولانا العلي العظيم
سورة الزلزلة مكيَّة أو مدنيَّة؟
هذه السورة المباركة من قصار السور، وقد وقع الخلاف فيها بين المفسِّرين من جهة انَّها مكيَّة أو مدنيَّة؟ فبعضهم ادَّعى أنَّها من السور المكية، وذلك لاشتمالها على معانٍ تناسب السور المكية، إذ من المعلوم أنَّ السور المكيَّة ركَّزت على بيان الأصول الإعتقادية والتي ترتبط بالتوحيد والنبوة والمعاد، والملاحظ أنَّ كلَّ معاني هذه السورة المباركة ترتبط بالمعاد وبأشراط الساعة، لذلك ناسب أنْ تكون من السور المكيَّة، ولكن في مقابل هذه الدعوى ذهب آخرون إلى أنَّها من السور المدنيَّة وأنَّ تصدِّيها للحديث عن يوم المعاد وأشراط الساعة لا يعني بالضرورة أنَّها من السور المكيَّة، ذلك لأنَّ ثمة آياتٍ وسوراً عديدة تحدثت عن المعاد وعن أشراط الساعة، وليس من إشكالٍ في أنَّها من السور أو الآيات المدنيَّة، على أنَّه هناك قرينة يمكن أن التمسُّك بها لإثبات مدنيَّة هذه السورة المباركة، وهي ما رُوي عن أنَّ أبا سعيدٍ الخدري (رحمه الله) سأل رسول الله (ص) حينما نزلت هذه السورة المباركة عن معنى قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ / وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ ومن المعلوم أنَّ أبا سعيدٍ الخدري، التحق برسول الله (ص) في المدينة المنورة، فهذه القرينة يتمسَّك بها بعض المفسرين لإثبات دعوى أنَّ هذه السورة من السور المدنيَّة، وهذا البحث ليس من الأهمية بحيث يستحق أكثر مما ذكرناه، لذلك سوف نتحدَّث عن محاورَ أخرى تتصل بالسورة المباركة.
فضل تلاوة سورة الزلزلة:
سنبدأ الحديث عن بيان فضيلة هذه السورة المباركة، فقد وردت رواياتٌ عديدة عن أهل البيت (عليهم السلام) تؤكِّد على فضيلة الإدمان على تلاوة هذه السورة المباركة في النوافل، بل وفي غيرها، فمن ذلك ما ورد في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): أَنَّه قَالَ لَا تَمَلُّوا مِنْ قِرَاءَةِ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ فَإِنَّه مَنْ كَانَتْ قِرَاءَتُه بِهَا فِي نَوَافِلِه لَمْ يُصِبْه اللَّه عَزَّ وجَلَّ بِزَلْزَلَةٍ أَبَداً، ولَمْ يَمُتْ بِهَا ولَا بِصَاعِقَةٍ ولَا بِآفَةٍ مِنْ آفَاتِ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوتَ، وإِذَا مَاتَ نَزَلَ عَلَيْه مَلَكٌ كَرِيمٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّه فَيَقْعُدُ عِنْدَ رَأْسِه فَيَقُولُ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ارْفُقْ بِوَلِيِّ اللَّه فَإِنَّه كَانَ كَثِيراً مَا يَذْكُرُنِي ويَذْكُرُ تِلَاوَةَ هَذِه السُّورَةِ، وتَقُولُ لَه السُّورَةُ مِثْلَ ذَلِكَ ... وإِذَا كُشِفَ لَه الْغِطَاءُ فَيَرَى مَنَازِلَه فِي الْجَنَّةِ فَيُخْرِجُ رُوحَه مِنْ أَلْيَنِ مَا يَكُونُ مِنَ الْعِلَاجِ ثُمَّ يُشَيِّعُ رُوحَه إِلَى الْجَنَّةِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَبْتَدِرُونَ بِهَا إِلَى الْجَنَّة"(2).
وروى الشيخ الصدوق بسنده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "لا تملُّوا من قراءة ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ فانَّ مَن كانت قراءته في نوافله لم يصبه الله عز وجل بزلزلةٍ أبدا، ولم يمُت بها ولا بصاعقةٍ، ولا بآفةٍ من آفات الدنيا، فإذا مات أُمر به إلى الجنَّة، فيقول الله عز وجل: عبدي أبحتُكَ جنتي فأسكنْ منها حيثُ شئت وهويتَ لا ممنوعاً ولا مدفوعا"(3).
هذه الرواية والتي سبقتها تكشف عن الآثار والمِنَح الإلهيَّة المترتِّبة على إدمان تلاوة سورة الزلزلة، وهو ما يعبِّر عن سموِّ فضلها، ولعلَّ منشأ كلِّ هذه المنح الإلهيَّة هو اشتمال هذه السورة المباركة على معان إذا أدمن المؤمن على قراءة آياتها تمكَّن من تمثُّلها، لأنَّه بالمداومة على تلاوتها يتجدَّد الفهم والاتعاظ بمعانيها، وهو ما يترتَّب عليه عند المؤمن العمل على تمثُّلها والتخلُّق بمقتضياتها، وإذا ما تمثل المؤمن معاني هذه السورة المباركة؛ فإنَّه سوف يحظى بالرضوان الإلهي، والذي عاقبته أنْ يمنحه الله تعالى من فضله بما لا يحتسب.
آثار التلاوة لسورة الزلزلة في الدنيا:
هذا وقد أشارت الرواية الشريفة إلى عددٍ من الآثار التي تترتب على هذه ادمان التلاوة لهذه السورة، فمن هذه الآثار ما يتحصَّل عليها المؤمن في الدنيا، وهي أنَّه لا يموت بزلزلةٍ أبداً، بل ولا يُصاب بزلزلةٍ أبداً، هذا أثر يمنحه الله عز وجل في الدنيا لقارئ هذه السورة، فإنَّ الكثير من الناس، يموتون بالزلزلة والصاعقة، وأما المدمن على تلاوة هذه السورة خصوصاً في النوافل فإنَّ الله عزَّ وجل بمقتضى مفاد هذه الرواية يجعل عليه حجاباً وحرزاً من ذلك، فلا يموت بزلزلة، ولا بصاعقة بل يحجبه الله تعالى عن أن يُصاب بأيِّ آفةٍ من آفات الدنيا، كالحريق والغرق والتردِّي من شاهق، فهو في حرزٍ بإذن الله تعالى من كلِّ هذه الآفات إذا كان ممَّن يداوم على تلاوة سورة الزلزلة خصوصاً في نوافله .
آثار التلاوة للزلزلة حال النزع وفي القبر:
وثمة أثرٌ آخر يمنحه الله عزَّ وجلَّ للمؤمن في الدنيا أفادته رواية الكافي، وهي انَّه تعالى يُخفِّفُ عليه -في حال النزع ودنو الأجل- من سكرات الموت، ويُكشف له الغطاء "فَيَرَى مَنَازِلَه فِي الْجَنَّةِ فَيُخْرِجُ -ملك الموت-رُوحَه مِنْ أَلْيَنِ مَا يَكُونُ مِنَ الْعِلَاجِ ثُمَّ يُشَيِّعُ رُوحَه إِلَى الْجَنَّةِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَبْتَدِرُونَ بِهَا إِلَى الْجَنَّة"، وقد ذكرنا في جلساتٍ سابقة أنَّ من آثار المداومة على تلاوة سورة الزلزلة هي انَّه يكون في حرزٍ من عذاب القبر وانَّه لا يُصاب بضغطةِ القبر، فهذ أثر يتصل بعالم البرزخ .
آثار التلاوة للزلزلة في الآخرة:
وأما الأثر الثالث فهو في عالم الآخرة، فإنَّ مَن أدمن التلاوة لسورة الزلزلة، يمنحه الله تعالى جنته ويجعلها سكناً له لا ممنوعاً ولا مدفوعاً، فهو يتنقل فيها حيث يشاء ويهوى، هذا ما يتصل ببيان فضيلة هذه السورة المباركة.
منقبةٌ لعليٍّ أمير المؤمنين (ع)
وبهذه المناسبة نذكر منقبةً لعليِّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام) تتصل بسورة الزلزلة، روى الشيخ الصدوق في علل الشرايع، (رحمه الله) بسند مرفوع إلى السيدة فاطمة (عليها أفضل الصلاة والسلام) أنَّه في زمن خلافة أبي بكر وقعت زلزلةٌ في المدينة المنورة ففزع الناس إلى أبي بكر، فوجدوه وقد خرج فزِعاً مذعوراً، ووجدوا معه عمر بن الخطاب، وهو فزِعٌ مذعور لا يدري ماذا يصنع، فعزموا على أن يذهبوا إلى بيت عليٍّ (عليه السلام) ويلجئون إليه ويسألونه الدعاء، من أجل أن يكفيَهم الله عز وجل تبعاتِ وآثار هذه الزلزلة المخوفة، فذهبوا وذهب الناس من خلفهم إلى بيت عليٍّ (عليه السلام) فخرج إليهم عليٌّ (عليه السلام) من بيته، غيرَ مكترث وكأن شيئاً لم يقع، والزلزلة تذهب ثم لا تلبث أن تعود ويكون من آثارها أن تتموَّج بيوتات المدينة، فتعجَّبوا لعدم اكتراثه وعدم ظهور آثار الهلع على وجهه كما هو بادٍ على وجوههم، خرج إليهم، ومضى بهم إلى تلعةٍ من تلاع المدينة فجلس عليها، فجلسوا حوله وهم ينظرون إلى حيطان المدينة ترتجُّ جائية وذاهبة -يعني الزلزلة- طبعاً هذا أمرٌ كلكم يعرفه- فالزلزلة وإنْ كان وقتها لا يتعدَّى اللحظات ثم تنصرف ولكنه قد يحصل للزلزلة ارتدادات أو انَّها تتوقف ثم لا تلبث أن تعود، وهكذا قد يستمر الحال على ذلك أكثر من أربع وعشرين ساعة، فالناس كانوا ينظرون إلى حيطان المدينة ترتج، وعليٌّ (عليه السلام) جالس على التلعة، ثم قال لهم كأنَّكم قد هالكم ما ترون، قالوا: وكيف لا يكون ذلك ولم نر مثلها قط؟! فماذا صنع علي؟! حرَّك شفتيه إلا أنَّهم لا يدرون ماذا قال، ثم ضرب الأرض بيده الشريفة، ثم قال لها: مالك؟! اسكني! فسكنت بإذن الله ولم تعد فتعجَّبوا من ذلك أكثر من تعجُّبهم من عدم اكتراثه، هذه الرواية الشريفة تُعبِّر عن مقامٍ سامٍ لعلي بن أبي طالب (ع) حيث أن الأرض تنقاد إليه وتسكن عندما يأمرها بالسكون، وإن ذلك بإذن الله عزَّ اسمه وتقدَّس.
أشراط الساعة:
نرجع إلى السورة، فقد تحدَّثت عن محاور ثلاثة:
المحور الأول: يتَّصل بالحديث عن بعض من أشراط الساعة:
وهذا مصطلحٌ ورد في رواياتٍ كثيرة من الفريقين، والمراد من أشراط الساعة هو علامات قيام الساعة أي الأحداث التي تسبق قيام الساعة، فثمة أحداثٌ كثيرة تسبق يوم القيامة، بعضها تحدَّث عنها القرآن الكريم، وبعضها تحدَّثت عنها الروايات، ويُعبَّر عنها بأشراط الساعة، وهي غير علامات الظهور لصاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) هناك علامات ذكرتها الروايات، هذه العلامات هي علامات الظهور لوليِّ الأمر (عجل الله فرجه الشريف) وهي في آخر الزمان، ولكنه يسبق قيام الساعة بزمنٍ لا يعلمه إلا الله عز وجل، وثمة علاماتٌ أخرى تتعقَّب ظهور الحجَّة ابن الحسن (ع) وانبساط دولته على ربوع الأرض، هذه العلامات هي علامات قيام الساعة.
وقد تحدث القرآن الكريم عن مجموعة من هذه الأشراط، وهذه السورة المباركة تحدَّثت عن واحدٍ منها وهي الزلزلة. وهذه الزلزلة لا تختصُّ ببقعة من بقاع الأرض كما هو المتعارف بل إنَّها تستوعب كلَّ الأرض، لذلك فهي من أشراط الساعة.
المحور الثاني: الذي تحدثت عنه السورة المباركة هو شهادة الأرض على الإنسان، كيف تشهد الأرض على الإنسان، وعلى أيِّ شيءٍ تشهد؟! وبأيِّ منطقٍ تشهد؟! وماذا ستقول الأرض؟! هذا ما يتحدَّث عنه المحورُ الثاني في السورة المباركة.
أما المحور الثالث: في السورة المباركة فهو الحديث عن تصنيف الناس يوم البعث وخروجهم من الأجداث أشتاتا ليرى كلٌّ منهم عمله، فثمة إنسان يفعل الخير فيرى الخير، وثمة إنسانٌ آخر يفعل الشر فيرى الشر، ما هو الشر الذي يراه؟ وما هو الخير الذي يراه؟ فهل يرى جزاء خيره وجزاء شره؟! أم انَّه يرى خيره وشره ماثلاً كما هو؟ يعني يرى عمله الخيِّر ويرى عمله الشرير، هذا ما سنتحدَّث عنه في المحور الثالث الذي أشارت إليه السورة المباركة.
نتحدَّث أولاً عن المحور الأول:
تعلمون أنَّ أشراط الساعة كثيرة فمنها الزلزلة، ومنها ما أفاده قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾(4) ومنها تفجُّر البحار كلُّ البحار واشتعالها كما أفاد ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ﴾(5) وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ ومنها خسف القمر وجمعُ الشمس والقمر كما في قوله تعالى: ﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ / وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾(6) ومنها تكوُّر الشمس وانكدار النجوم كما أفاده قوله تعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ / وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾(7) ومنها نسف الجبال وصيرورتها قاعاً صفصفا كما قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا / فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾(8) ومنها الكثير من الأشراط التي أشارت إليها العديد من آيات القرآن، وكلُّ هذه من الأشراط تسبق قيام الساعة وتُنذر بانتهاء عالم الدنيا والانتقال إلى عالمٍ جديد هو عالم الآخرة.
فسورة الزلزلة تتحدث عن واحدٍ من أشراط يوم القيامة، والغرض من ذلك هو التذكير والتنويه على المصير الحتمي الذي سيكون هو المآل لكلِّ إنسان، فلأنَّه قد وُجد في هذه الحياة إذنْ فهو سيقطع كلَّ هذه المراحل، شاء ذلك أو أبى، فهو قد خُلق بغير اخيارٍ منه فحلَّ بذلك في أول مراحل وجوده وهي الدنيا، ثم ينتقل إلى عالمٍ آخر هو عالم البرزخ، وليس في مقدوره أن لا ينتقل إلى ذلك العالم، وسيشاهد حينذاك ما أعدَّه الله عز وجل للإنسان في ذلك العالم، ثم ينتقل إلى عالمِ الآخرة فيرى ما أخبر الله تعالى عنه في قرآنه من وقائع مرعبة، ومهولة، والتي تترك الإنسان في ذهولٍ وفي سكرة حتى انَّ الأمَّ لو كان وليدُها في حجرها لذهلت عنه من هول ما تراه وتُعاينه ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ / يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾(9).
زلزالٌ يستوعبُ كلَّ الأرض:
الزلازل التي يتَّفق وقوعها في الدنيا لا تُقاس بالزلزلة التي تتحدَّث عنها هذه السورة المباركة، فهي زلازلُ تحدث في بقاعٍ متفرقة من الأرض وفي أوقاتٍ مختلفة، وبنسبٍ متفاوتة، فقد يقع زلزالٌ فيبتلع قريةً، وقد يبتلعُ مدينةً، وقد يبتلع بلداً بأكملها، وقد لا يكون له كلُّ ذلك الأثر، وإنَّما هو هزةٌ تُبعث في الإنسان رُعباً وخوفاً ثم لا تلبث أن تهدأ؛ أما الزلزلة التي هي من أشراط الساعة فهي تستوعب تمام الأرض، كلَّ الأرض يقول تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ﴾ تمام الأرض على اتِّساعها وبُعد آفاقها، كل هذه الأرض تكون في زلزلة ومعنى ذلك انَّه لا ملجأ للإنسان يؤول إليه، لا مهرب.
قد يبحث الإنسان عن مخرجٍ ومهرب من زلازل الدنيا، وقد يعثُر على ذلك، ولكنَّه لن يجد من ملجأٍ يمنعه من أثر الزلزلة التي تكون قُبَيْل يوم القيامة، لأنَّ الأرض كلها في زلزلة، ثم أكَّدت الآية انَّ هذه الزلزلة هي الزلزلة الحقيقية، فهذا هو معنى تذييل قوله تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ﴾ بقوله: ﴿زِلْزَالَهَا﴾ فهذا هو الزلزال الحقيقي الذي سوف يكون للأرض، فالزلزال الموعود، الذي تنتظره الأرض، هو الزلزال الشامل الذي سيحدث قُبَيْل قيام الساعة، ولا نحتاج إلى أن نتحدث عن ماهية هذه الزلزلة وكيف تكون، لأننا لا ندري، وإذا كان عندنا من تصوُّرٍ عن هول تلك الزلزلة فسوف لن يكون ذلك التصوُّر بمستوى ما سوف يقع، لأنَّ الله عز وجل قد أفاد في هذه السورة المباركة، أن هذا هو الزلزال الحقيقي للأرض وكل زلزال يقعُ في الدنيا قبل الزلزال الشامل فإنَّما هو مؤشِّر لذلك الزلزال الحقيقي الشامل لعموم الأرض، وأفادت السورة انَّه يترتَّب عن هذه الزلزال أن تُخرج الأرض أثقالها، فما معنى أن تُخرج الأرض أثقالها؟! اختلف المفسرون ذلك، ولعل جميع ما ذكروه واقع.
معنى قوله تعالى: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾:
فهناك مَن قال إنَّ المراد من قوله تعالى: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ هو انَّها تُخرج ما في بطنها من معادنٍ مُذابة ومن كنوز، فكأنَّما يُشير هذا الرأي إلى أنَّ هذه الزلزلة تعني أن تنقلب الأرض عاليها سافلها، وباطنها إلى ظاهرها، وظاهرها يكون في باطنها، فهي عملية انقلاب في عموم الكرة الأرضية.
وهناك تفسيرٌ آخر هو أنَّ الأرض تُخرج أثقالها أي انَّها تُخرج ما فيها من متاع، فأثقال الإنسان هو متاعه الذي يحمله في سفره من طعامٍ وشراب وأثاثٍ ولباس، هذه هي أثقال الإنسان، وأثقال المسافر، وأما ما هي أثقال هذه الأرض؟! فهو كل ما هو مودع في الأرض من كنوز وخيرات ومعادن ونِعَم تخرج إلى خارج الأرض، فيراها أبناء الدنيا كما ورد في الروايات الشريفة، فيتحسرون، فقد كانوا يبذلون كل غالٍ ونفيس من أجل أن يستخرجوا هذه الكنوز، وتنشبُ بينهم الصراعات والحروب الطاحنة، وتُسفك الدماء، وتُرمَّل النساء، وتُحرق الأرض من أجل تحصيل هذه الكنوز؛ ثم إنَّ الله عز وجل يُخرجها لهم في لمحة بصر فيتحسَّر الإنسان، إذ انَّ كلَّ ذلك الجهد والعناء المُضني والذي امتدَّ لسنين طويلة ثم لم يتمكن الإنسان من الهيمنة على كلِّ كنوز الأرض، وها هو يتفاجأ وقد أخرجت الأرض كلَّ ذخائرها ونفائسها وكنوزها في لمحةِ بصر، فيراه في وقت لا يسعه أن يستثمره، ولا يسعه الانتفاع منه، فلعلَّ الحسرة التي تنتابه من ذلك هي أشدُّ من الفزع الذي أرعبه نتيجة الزلزلة. ولعل ذلك هو مفاد قوله تعالى في سورة الإنشقاق: ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ / وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ / وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾(10).
وهناك رأيٌ ثالث هو أنَّ الأثر الذي يترتَّب عن الزلزلة هو خروج الناس من الأجداث والقبور، فمعنى: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ هو انَّ الأرض بفعل الزلزلة تُخرج الناس من أجداثهم حيارى، مبهوتين لا يدرون إلى أيِّ جهة يتوجَّهون، وأيَّ مصير ينتظرهم، هل هم راحلون إلى السعادة؟! أو هو الشقاء؟!
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا﴾ ما الذي حدث للأرض؟! وما الذي انتابها؟! وأيُّ شيءٍ نزل بها حتى تكون بهذه الحال المتغيِّرة التي لم نكن نعهده للأرض، فكأنَّما الآية المباركة تُشير إلى أنَّ هناك قانوناً جديداً يحدث في الأرض، تلك السُنن والقوانين الكونيَّة الطبيعية التي عهدها الإنسان تتغيَّر، وتتبدَّل ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ﴾(11) فثمة قانونٌ جديد، وسُننٌ جديدة، فلذلك يستغرب الإنسان: ما لقوانين الأرض قد تغيرت؟! وما لسننها قد تبدَّلت؟! ﴿وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا﴾؟! فحينذاك تتحدَّث الأرض عن أخبارها، وتكشف عمَّا انطوت عليه من أسرار، فالأرض -أيُّها الإخوة- هي أوسع صندوقٍ يتحمَّل أسرار هذا الخلق، فكلُّ ما يحدث على ظهرها من طاعةٍ يُخفيها المؤمن عن الناس، لتكون مقبولةً ويحظى لذلك بالرضوان الإلهي، وكلُّ ما يحدث على ظهرها من معصيةٍ يُخفيها الإنسان عن إخوانه حياءً، فإنَّ الأرض تشهد عليه، لأنَّه لن يخرق الأرض حين يعصي، ولن يتجاوز السماء، فلم يعصِ إلا فوق هذه الأرض، لذلك فإنَّها سوف تشهد على كلِّ ما كان قد اجترحه على ظهرها.
في الحوار الذي دار بين ذلك الرجل العاصي وبين الإمام السجاد (ع)، قال له إنِّي رجلٌ لا أصبر عن المعصية، فماذا أصنع؟! كلما أردت أن أُقلع عن المعصية فإنِّي لا أصبر عليها؛ فقال له الإمام(ع) فيما قاله تستطيع أن تعصي ما شئت وبما شئت، ولكن اعصِ الله تعالى في موضعٍ لا يراك فيه، فإنْ شئتَ المعصية فاذهب إلى تلك البقعة وذلك موضع الذي لا يراك الله فيه وحينذاك افعل ما شئت، فإنَّه لن يجد مكاناً لا يراه الله تعالى فيه حتى لو كان ذلك المكان محصَّناً بالجُدر السامقة والأبواب المغلقة والأستار الثخينة، فإنَّه حين يعصي الله عز وجل فيه فإنَّ تلك البقعة ستُحدِّث ربَّها عن أخبار تلك المعصية، وستقول لربِّها إنَّ هذا الذي أهَّلته أن يطأني عصاك في يوم كذا في ساعة كذا في موضع كذا، لذلك ورد في الروايات أنه: أتدرون عن أيِّ أخبار تحدِّث هذه الأرض؟! أتدرون ما أخبارها؟! لعلَّها تخبر عن أشياء كثيرة، ولكن الرسول (صلى الله عليه وآله) أشار إلى المورد الذي يبعث في الإنسان الخوف والزهد في المعصية. أتدرون ما أخبارها؟! قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أخبارها أن تشهد على كلِّ عبدٍ وأمةٍ بما عملوا على ظهرها، تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها.
وورد أنَّ عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) انَّه قال: "حافظوا على الوضوء، وخير أعمالكم الصلاة، وتحفَّظوا من الأرض فإنَّها أمُّكم، وليس فيها أحد يعمل خيراً أو شراً إلا وهي مُخبٍرةٌ به"(12) لذلك ورد في أنَّه يحسن بالمؤمن أن يُصلِّي في كلِّ بقعة، وأن يذكر الله تعالى في كلِّ بقعة يطؤها حتى تشهد له تلك البقعة يوم القيامة.
كان عليٌّ (ع) يكنس بيت المال ويصلِّي فيه:
وكان الامام عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) إذا قسَّم الأموال التي هي في بيت مال المسلمين، وكنس بيت المال يُصلِّي فيه ركعات، ويقول إنَّما صلَّيتُ لتشهدي لي أيتُها الأرض أني ملأتك بحق، ثم أفرغتك بحق، فعليٌّ (ع) دائم الحضور، أي انَّ الله تعالى حاضر دائماً في قلبه، ما رأى شيئاً إلا ورأى الله فيه وقبله وبعده، لذلك فهو عندما يرى هذه الأرض يرى جلال ربِّه تعالى فيها، فيخاطبها بقوله: إنَّما صليتُ فيك لتشهدي أني ملأتك بحق، لم أجمع الأموال من ظلم، ولم أجمعها من غصبٍ أو ابتزاز أو سرقة واحتيال، جمعتُها بحق، ثم حين صرفتُها لم أصرفها في معصية الله وإنَّما صرفتُها بحق فاشهدي أيتُها الأرض عند الله تعالى بذلك.
وورد عن أبي سعيد الخدري (رحمه الله) قال: "إذا كنت بالبوادي فارفع صوتك بالأذان، فإنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يسمعه إنسٌ ولا جنٌّ ولا حجر إلا يشهد له"(13). فيحسن بالمؤمن أن يحرص على أن يذكر الله عز وجل في أيِّ بقعةٍ شهدها، ولو بأنْ يقول: بسم الله، فتشهد له الأرض أنَّه قال: بسم الله.
﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ فالأرض إذن هي احدي مَن سيشهد على ما يفعله الإنسان، وثمة شهود كُثُر على الإنسان يوم القيامة، كما أفاد ذلك القرآن في آياتٍ عديدة، فيشهد على الإنسان -مثلاً- جلده وجوراحه قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ / وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾(14).
وورد أن كلَّ إمامٍ فهو يشهد يوم القيامة على أُمته ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾(15) وقال تعالى على لسان السيد المسيح (ع): ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ إذن الشاهد الأكبر هو الله تعالى ثم الأنبياء والأولياء والملائكة، ويشهد على الإنسان جلده وجوارحه، وكذلك تشهد عليه الأرض، يُنطقها الله تعالى الذي أنطق كلَّ شيء، فليس عزيزاً على الله عزَّ وجل أن يُنطق الأرض فتشهدُ على الإنسان، كما سيُنطق الجلود والجوارح، ولعلَّ النطق الذي يكون للأرض هو غير النطق المعهود، فيكون نطق الأرض بحسبها، كما انَّ كلَّ نطقٍ فهو بحسبه، فنطقُ الإنسان يكون بلسانه، وأما نطق الأرض فلعلَّه يكون بإظهار آثار المعصية، فالإنسان يعصي ثم يحاول أن يُخفي آثار معصيته، كما هو السارق فإنَّه حين يسرق، يجهد في إخفاء سرقته ولكن قد تظهر من بصمات يده، كما انَّ العلم الحديث قد اكتشف أن كثيراً من الآثار قد تبقى، ولكنَّها تخفى على فاعل الجريمة، وكذلك المعصية فإنَّه لا ندري ما هي الآثار التكوينية التي تترتَّب على كلِّ فعلٍ من أفعال الإنسان، فقد تبقى آثارٌ لا نُدركها، ولا نُبصرها ولم يصل إليها العلم ولكنَّ الله عز وجل يُعرِّف الإنسان بتلك الآثار يوم القيامة، فيكون لهذه المعصية هذا النوع من الأثر، ويكون لتلك المعصية ذلك النوع من الأثر، فلعلَّ نطق الأرض يكون بمعنى البيان لذلك الأثر التكويني للمعصية، فيكون للكذب هذا النحو من الأثر، ويكون للزنا -والعياذ بالله- نحوٌ آخر من الأثر، وهكذا، فلعل الأمر يكون كذلك، ولعل النطق للأرض يكون بمعنىً آخر، فالشيء المقطوع به هو ما أفاده القرآن من أنَّ الأرض ستُحدِّث عن أخبارها، وأما كُنْهُ ذلك التحديث وحقيقته فهو من غيْب الله جلَّ وعلا، إذن فهذه الأرض والتي هي حمَّالة الأسرار ستكشف عن أسرارها التي يمتد زمنها لملايين السنين، كلُّ هذه الأخبار سوف تتكشف يوم القيامة، ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا / بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ فهو تعالى مَن أشار لها وأوحى لها: أنْ اكشفي عمَّا تكتمينه من أسرار، وحينئذٍ سوف تنقاد إلى الأمر الإلهي كما انقادت حين أوحى لها وللسماء أنْ اتيا طوعا أو كرها، قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾(16) فهو تعالى حين يأمرها أنْ انطقي فإنَّها ستنطقُ حتماً.
يَصْدُرُ النَّاسُ يوم البعث أَشْتَاتًا:
ثم قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ﴾، هنا تشير الآية إلى المحور الثالث من المحاور الثلاثة وهو أن الناس تُبعث يوم القيامة ﴿أشتاتاً﴾ متفرِّقين، فلن يكونوا على هيئةٍ واحدة وفي وضعٍ متشابه بل إنَّ أحوالهم ستكون يوم القيامة متفاوت ومختلفة، نعم لم تبيِّن لنا الآية المباركة نحو الإختلاف، ولكنَّ الروايات بيَّنت لنا ذلك، وهناك أيضاً آيات أخرى أوضحت لنا طبيعة التفوت والإختلاف الذي سوف يكون عليه حال الناس عند خروجهم من الأجداث، فهم سيخرجون أشتاتاً متمايزين، فالمنافقون يجمعهم طريقٌ واحد ومصير متشابه، ويكون للكافرين طريق آخر ومصيرٌ متفارب، وهكذا فإن المؤمنين يكونون في محفلٍ وعلى هيئةٍ متميزة، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾(17) ويقول المنافقون للذين آمنوا: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾(18) ولكن يُضرب بينهم بسورٍ وحجاب ﴿لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾(19) فالمؤمنون يكونون خلف لواء الحمد الذي يحمله أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالبٍ (ع) بين يدي رسول الله (ص) وأما المنافقون فيحمل لواءهم واحد من أئمة الضلال.
قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا / وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا﴾(20) فثمة أناس يُحشرون مع أئمة الكفر والضلال، وآخرون يُحشرون مع أئمة الهدى، هكذا أفادت الآية الشريفة، فمعنى الأشتات هو أنَّ أحوال الناس يوم القيامة مختلفة، فبعضهم مستبشر كما قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ / إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ / وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ / تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾(21) فوجوه المؤمنين نضِرة أي عليها آثار البُشْر والإبتهاج ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ أي إلى رحمة ربِّها ناظرة ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ والمراد من الفاقرة هو الداهية التي تقصم فقار الظهر.
نكتفي بهذا المقدار وتتمة الحديث يأتي عليه الكلام إن شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- سورة الزلزلة / 1-8.
2- الكافي -الشيخ الكليني- ج2 / ص626.
3- ثواب الأعمال -الشيخ الصدوق- ص124.
4- سورة الأنبياء / 104.
5- سورة الإنفطار / 3.
6- سورة القيامة / 7-8.
7- سورة التكوير / 1-2.
8- سورة طه / 105-106.
9- سورة الحج / 1-2.
10- سورة الإنشقاق / 3-5.
11- سورة إبراهيم / 48.
12- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج7 / ص97.
13- تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج10 / ص419.
14- سورة فصلت / 20-21.
15- سورة النساء / 41.
16- سورة فصلت / 11.
17- سورة الحديد / 12.
18- سورة الحديد / 13.
19- سورة الحديد / 13.
20- سورة الإسراء / 71-72.
21- سورة القيامة / 22-25.